dinar-puzzle

على اثر عقد عدد من جلسات العمل الوزارية الفولكلورية التي لم تتناول بالدرس كل الجرائم التي نمتها مجلة التشجيع على الاستثمارات او بالاحرى الجريمة المنظمة وتبييض الاموال والتحيل الدولي وهدر المال العام في اطار مشروع مجلة الاستثمار التي ساهمت في اعدادها اطراف اجنبية ثبت انها موجودة في وضعية تضارب مصالح دون الحديث عن الشبكة العالمية للتدقيق المالي التي فاحت رائحة فضائحها المالية عبر العالم خاصة من خلال افلاس بنك ليمان براذرز بامريكا والتي ليس لها أي وجود قانوني بتونس، قررت الحكومة المصادقة يوم الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 على مشروع مجلة الاستثمار متجاهلة مشاغل المؤسسات التونسية المتضررة بصفة خطيرة من اعمال التحيل والفساد التي نمتها مجلة التشجيع على الاستثمارات. ان المطلع على النقاشات التي تدور في اطار تلك الجلسات يصاب بالصدمة والاحباط والياس عندما يدرك درجة الانحطاط والجهل والضحالة التي بلغتها تونس.

فقد عبر المتابعون لذاك المشروع الضحل وبالاخص اصحاب المؤسسات المتضررة من الفوضى وتحيل التونسيين والاجانب عن صدمتهم جراء ابقائه على كل الجرائم التي نمتها مجلة التشجيع على الاستثمارات التي لا زال العمل بها متواصلا رغم صيحات الفزع التي اطلقها المهنيون والمراسلات التي بعثت بها الهياكل المهنية للمستشارين الجبائيين لمختلف الوزارات، كاهدار عشرات الالاف من المليارات من المال العام في امتيازات مالية وجبائية لا زلنا نجهل مردوديتها وتبييض الاموال والتحيل والجريمة المنظمة وتحويل وجهة الامتيازات والتهرب من دفع الضرائب وتحويل تونس الى وكر للخردة وغير ذلك مثلما اتضح ذلك جليا من خلال التقرير المنشور اخيرا ببلجيكا من قبل خلية مكافحة تبييض الاموال والجريمة المنظمة الذي صنف تونس كوكر لتبييض الاموال والتحيل الدولي تشكل خطورة على الدولة البلجيكية. فقد نالت تونس داخل بلجيكا شهرة كبيرة من خلال عملية تحيل “سيدي سالم” التي تقوم بها شركة مصدرة كليا مبعوثة من قبل اجانب لتباشر نشاط مركز نداء. الا يعلم من حضروا جلسات العمل الوزارية الفولكلورية ان تصنيف تونس كوكر لتبييض الاموال من شانه تهريب المستثمرين من الاجانب الذين يتحاشون ان يصبحوا تحت المجهر باعتبار دولهم تعير اهتماما كبيرا لمسالة تبييض الاموال والجرائم الجبائية.

لم يتطرق مشروع مجلة الاستثمار لمسالة تمكن اشباه المستثمرين من المتحيلين الاجانب الذين يبعثون بشركات خدمات تحت عنوان الاستشارة والتسويق ومساعدة المؤسسات ليباشروا فيما بعد انشطة محجرة عليهم قانونا كالمحاماة والاستشارة الجبائية او التجارة في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1961 دون ان تحرك مختلف الوزارات المعنية ساكنا مثلما هو الشان اليوم بالنسبة للشركة الاجنبية التي تباشر نشاط السمسرة في تذاكر المطاعم بعد ان اودعت تصريحا مغشوشا بالاستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة يتمثل في صنع الورق وكذلك ليتحيلوا على التونسيين مثلما يتضح ذلك من خلال البلاغات التي تصدرها هيئة السوق المالية من حين لاخر لتحذير العموم من اعمالهم الاجرامية. هل يعقل ان يتمكن المتحيلون الاجانب من ايداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة تحت عنوان مساعدة المؤسسات ليتلبسوا بلقب المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب ووكيل الاشهار والوكيل العقاري والوسيط مالي ووكيل العبور والوسيط القمرقي وغير ذلك من المهن دون ان تحرك هياكل الفساد والافساد ساكنا.

اهمل المشروع ايضا مسالة ترويج المدخلات والمواد الاولية المخصصة للعمليات التصديرية بالسوق المحلية دون دفع المعاليم الديوانية وهذه الالية تفنن في استعمالها ال الطرابلسي ومن لف لفهمم دون ان يفتح تحقيق بخصوصها الى حد الان.

لم يتطرق المشروع الى مسالة استعمال المتحيلين لمجلة التشجيع على الاستثمارات للحصول على الاقامة لا غير والتهرب في بعض الاحيان من العقوبات البدنية المحكوم بها عليهم داخل بلدانهم وتمكين الاجراء الاجانب من التهرب من دفع الضريبة على الاجور من خلال النشاط في اطار شركة مصدرة كليا بصفة صورية وتقديم فاتورة لمؤجرهم عوض الحصول على بطاقة خلاص وكذلك تمكين المتقاعدين الاجانب من ايداع تصاريح بالاستثمار لقطع رزق التونسيين من خلال مباشرة انشطة خدمات تدخل ضمن مهام المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب.

اهمل المشروع الاولي مسالة الاعفاء الكلي بعنوان التصدير الممنوح لمؤسسات تجارية تم استثناء نشاطها من مجلة التشجيع على الاستثمارات كتجارة التوزيع على سبيل المثال لا تصدر شيئا ترجع ملكيتها للمقربين من بن علي او الذين هم في شراكة مع اصهاره واقاربه او الذين يدفعون اليهم رشاوى وقد سبق التطرق الى ذلك من خلال ملف سقوط دولة الفساد، علما ان هذه الجريمة التي لم يفتح بشانها تحقيق لا زالت متواصلة حيث لم يتم سحب التصاريح بالاستثمار الممنوحة لاصحاب تلك الشركات في خرق صارخ للقانون الجبائي وهذا الملف المعلوم من قبل الحكومة يكلف الخزينة سنويا على الاقل 120 مليارا.

لم يتطرق المشروع الاولي لمسالة بعث شركات مصدرة كليا على شاكلة صناديق بريد ليس لها من نشاط بتونس سوى تبييض الاموال والجرائم الجبائية مثلما اتضح ذلك من خلال تقرير نشرته اخيرا السلطات البلجيكية، ليس لها أي وجود مادي بتونس سوى من خلال ملفها القانوني لا غير مثلما هو الشان خاصة بالنسبة لشركات التجارة الدولية غير المقيمة وغيرها من شركات الخدمات كالاستشارة والدراسات ومساعدة المؤسسات التي تمتهن بيع الفواتير الصورية وغير ذلك من الجرائم.

اهمل المشروع مسالة بعث شركات لدى وكالة النهوض بالصناعة والتجديد يتمثل نشاطها في ايواء المبيضين والمتحيلين الاجانب من اشباه المستثمرين تحت عنوان “مرافقة المؤسسات والمساعدة على بعثها ومراكز اعمال” علما ان اصحاب تلك الشركات يتلبسون بلقب المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب والوكيل العقاري ووكيل الاشهار والوسيط القمرقي وغير ذلك من الالقاب مثلما يتضح ذلك جليا من خلال الاشهار الكاذب عبر شبكة الانترنات. كان من المفروض فتح تحقيق بخصوص تلك المكاتب المشبوهة من قبل لجنة التحاليل المالية المكلفة بمكافحة تبييض الاموال حسب احكام القانون عدد 75 لسنة 2003 التي لم تفعل الا في مجال مكافحة الارهاب.

لم يتطرق المشروع الاولي لمسالة تحويل وجهة العقارات المتحصل عليها بالدينار الرمزي او تلك الممنوحة بالدينار الرمزي لشركات اجنبية علما ان هذه الاخيرة يبقى بامكانها بيعها فيما بعد وتحقيق ارباح طائلة من ورائها وتحويلها بالعملة الصعبة والحال انه كان من المفروض تعويض تلك الالية بالية الوضع على الذمة.

اهمل المشروع مسالة اشتراط منح الامتيازات المالية والجبائية للباعثين بخلق مواطن شغل قارة ونقل التكنولوجيا وكذلك مسالة عدم وجود الية لمراقبة الامتيازات المالية على غرار على الاقل الية مراقبة الامتيازات الجبائية التي تعتبر مشلولة ليكرس بذلك الفساد وهدر المال العام ويسقط دار لقمان على قاطنيها.

لم يهتم المشروع بمسالة عدم تنظيم اغلب انشطة الخدمات التي لم نتفاوض بعد بخصوص تحريرها وهذه المسالة هي التي نمت ظاهرة التحيل والتلبس بالالقاب وقطع رزق التونسيين قبل الاوان نتيجة استشراء الفساد وخير دليل في ذلك مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التي لا زالت تتعاقد مع الشركة الاجنبية المتحيلة حسب الفصل 15 من المرسوم عدد 14 لسنة 1961 والتي تباشر نشاط السمسرة في تذاكر المطاعم او تلك التي تباشر نشاط السمسرة في اليد العاملة بعد ان اودعت الاولى تصريحا بالاستثمار مغشوشا يتعلق بصنع الورق والثانية تصريحا مغشوشا يتعلق بالاستشارات القانونية لتتلبس ايضا بلقب المحامي دون ان تحرك الهيئة الوطنية للمحامين ساكنا الى حد هذه اللحظة. فمحررو الفصل من المشروع اغفلوا مسالة التفاوض بخصوص تحرير قطاع الخدمات وتكريس مبدا المعاملة بالمثل سواء في اطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات او اتفاق الشراكة مع المفوضية الاروبية ليتمادوا في التنكيل بالمؤسسات المواطنة التي ارتكبوا جرائم شنيعة في حقها من خلال الفصل 3 من مجلة التشجيع على الاستثمارات وامرها الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الضابط لقائمة الانشطة المنتفعلة بالامثيازات الجبائية والمالية الذي حرر بصفة عشوائية اغلب انشطة الخدمات التي وجب ان تبقى حكرا على الوطنيين قبل التحرير ونمى وحول تونس الى وكر للتحيل والجريمة الدولية.

لم يتطرق المشروع لمسالة المتحيلين الاجانب من اشباه المستثمرين الذين يستوردون الخردة ويقيمونها مقابل رشاوى بمبالغ خيالية ليحصلوا على منح مالية مقابل استثمارات وهمية.

الملفت للنظر ان هذا المشروع الاولي تضمن تناقضا على مستوى فصله الاول حيث سيشجع الباعثين التونسيين على الانتصاب بالخارج وامتصاص بطالة الاخرين. كما انه سيسمح في فصله العاشر للباعثين بتشغيل الاجانب على حساب العاطلين عن العمل من التونسيين في خرق صارخ للفصل 258 من مجلة الشغل غير المحترم اصلا دون الحديث عن فصله السادس الذي سيسمح للاجانب بالانتصاب في مجال الخدمات غير المنظم والمؤهل قبل التفاوض والتحرير وتكريس مبدا المعاملة بالمثل في خطوة اخرى من شانها التشجيع على تنمية ظاهرة استيراد البطالة والتحيل وتبييض الاموال والجريمة المنظمة. الاتعس من ذلك والاخطر على الاطلاق ان يتم حرمان مصالح المراقبة الجبائية من القيام بمهامها ومن اصدار قرارات في التوظيف الاجباري من خلال التنصيص بصفة اعتباطية وعن جهل على وجوبية الالتجاء لالية التحكيم عند نشوب خلاف بين ادارة الجباية والباعث بخصوص تاويل احكام مجلة الاستثمار. ايضا تضمن المشروع لخبطة كبيرة وغريبة بخصوص تعريف مفهوم التصدير وهذه اللخبطة من شانها تمكين من يصدر منتوجات غير مصنعة بتونس من الانتفاع بالامتيازات المتعلقة بالتصدير دون الحديث عن اللخبطة الموجودة بهذا الخصوص صلب مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات و القانون المتعلق بشركات التجارة الدولية الذي نمى بصفة خطيرة تبييض الاموال والجرائم الجبائية من خلال مئات الشركات المصدرة كليا وغير المقيمة التي لا تعرف من التصدير الا اسمه والحال ان الامتيازات المتعلقة بالتصدير وجب ان لا تمنح الا للاشخاص الذين يصدرون منتوجات ذات منشا تونسي.

وامعانا في التمادي في اهدار موارد دافعي الضرائب التي تمول عن طريقها الامتيازات المالية والجبائية تم في اطار هذا المشروع الضحل تحصين المتحيلين من صيادي الامتيازات المالية والجبائية من خلال عدم تجريم كل الاعمال المتمثلة في تحويل وجهة الامتيازات الجبائية والمالية.

يبدو ان مهزلة مشروع مجلة الاستثمار، التي تعد جريمة في حق دافعي الضرائب الذين يتم امتصاص دمهم لتمويل الامتيازات المالية والجبائية التي اهدرت في اطارها عشرات الاف المليارات دون ان تجرى دراسة بخصوص مردوديتها، تندرج في اطار تبرير الهبة المالية التي تحصلت عليها الحكومة من اجل اعداد مشروع قانون يتعلق بالشراكة بين القطاع الخاص والعام ومشروع مجلة الاستثمار، علما ان غاية الاجانب من وراء ذلك هي سن قانون الشراكة بين القطاعية الخاص والعام بغاية السيطرة على المؤسسات والمشاريع الاستراتيجية وتحويل التونسيين الى عبيد في ظل وجود حكومات غير وطنية وفاسدة وجاهلة. ان الاطراف التي عملت على ذاك المشروع لا تكترث بجملة الجرائم التي نمتها مجلة التشجيع على الاستثمارات والتي حولت تونس الى وكر للجريمة المنظمة والتحيل وتبييض الاموال مثلما يتضح ذلك من خلال المقالات والتقارير المنشورة اخيرا عبر شبكة الانترنات من قبل خلية مكافحة تبييض الاموال والجريمة المنظمة ببلجيكا.

الاتعس من كل ذلك ان كل التقارير المعدة بخصوص المنظومة الجبائية وبالاخص الحوافز الجبائية من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والممولة من دم دافعي الضرائب الذين يتفرجون بسلبيتهم المقيتة على من يعبثون بمواردهم دون حسيب او رقيب في اطار دراسات ضحلة وتافهة، بقيت سرية ولم توضع على ذمة العموم وهذا يصب راسا في خانة الاكاذيب المتعلقة بالحوكمة المفتوحة وحق النفاذ الى المعلومة والحوكمة الرشيدة ودولة القانون.