مسيرة-عائلات-جرحى-لثورة
صورة لمسيرة عائلات شهداء وجرحى ا لثورة يوم 14 جانفي 2014.

كتبت: صفاء متاع الله

دخلت تونس في العام الثالث منذ اندلاع الثورة. ولئن كانت سنة 2013 قد حملت لنا الاغتيالات والإرهاب والفرقة السياسية فإنها قد عمّقت مأساة قضية شهداء وجرحى الثورة التونسية. ملفات أغلقت بالجملة لدى القضاء العسكري تحت عنوان “عدم معرفة الجناة” وأخرى أصدرت فيها أحكام زادت من إحباط عزيمة المجتمع المدني وعائلات الشهداء، وجرحى لم يخضعوا إلى هذه اللحظة إلى الفحص الطبي.

نسلط في هذا المقال الضوء على هذا الملف الحساس في محاولة منها لكشف جوانب من الحقيقة.

قضايا أغلقت سنة 2013 والحكم بالبراءة للقتلة

حسم القضاء العسكري أمره في عدد من قضايا شهداء وجرحى الثورة. والبداية كانت مع ملف الوردانيين (ولاية المنستير) التي سقط فيها أربعة شهداء وهم كل من معز بن صالح ومحمد زعبار وناجح زعبار وفيصل الشتيوي إضافة إلى الجريح مسلم قصد الله. وقد أطلق سراح المتهمين من الأمنيين وعلى رأسهم رئيس مركز الشرطة الوردانيين بديع العشي بعد أن تمّ تحويل وجهة الملف من القتل العمد إلى القتل على وجه الخطأ علما وأنّ المحكمة العسكرية في طورها الابتدائي كانت قد حكمت على المتهمين بأحكام تتراوح بين 5 و10 سنوات قبل أن تبرّئهم. وبالنسبة لشهداء هذا الملف فقد سقطوا ليلة 15 جانفي 2011 عندما كانوا يقومون بحماية أحيائهم وتفطنهم إلى أنّ السيد رئيس مركز الوردانيين كان يحاول تهريب قيس بن علي في سيارة شرطة مدججة بالسلاح عن طريق الوردانيين وعندما حاولوا التصدي له أطلق عليهم النار صحبة الأعوان المرافقين له ولاذوا بالفرار.
قضية الشهيد عون الأمن أمين قرامي الذي أصيب برصاصة الجندي السبتي بن مبروك في 17 جانفي 2011 عندما كان يقوم بحراسة سجين مصاب في مستشفى حبيب بوقطفة (ولاية بنزرت) في الطابق السادس تمّ إغلاقها والحكم بسنتين سجن للمتهم مع تأجيل التنفيذ بعد أن كانت المحكمة العسكرية الابتدائية قد حكمت عليه بخمس سنوات سجن بتهمة القتل العمد. والملفت للنظر في هذه القضية هو أنّ التهمة ثابتة حسب تأكيد المحامين على المتهم إذ أنّ الملف يحمل تقريرين للاختبار البلاستيكي واحد من قبل مخبر وزارة الداخلية والآخر من مخبر وزارة الدفاع واللذان أكدا تطابق الرصاصة التي أصابت الشهيد مع سلاح الجندي ولكن هيئة الدفاع عن الشهيد فوجئت بإصدار هيئة المحكمة حكما تحضيريا في اختبار بلاستيكي جديد وعلى إثره تم تحويل وجهة القضية.

ونأتي اخيرا إلى قضية شهداء الرقاب والذين يبلغ عددهم 6 شهداء نذكر منهم رؤوف الكدوسي ومحمد الجبابلي ونزار السليمي ومعاذ بن خليفة ومنال بوعلاقي (ماتت برصاصتين في الظهر وهي حامل) وأكثر من 14 جريحا التي حكمت فيها المحكمة في طور الاستئناف بعدم سماع الدعوى بعد أن كانت قد حكمت على المتهمين في الطور الابتدائي من 10 إلى 20 سنة سجنا. سقط شهداء الرقاب يوم 9 جانفي 2011 بعد وصول تعزيزات أمنية للمنطقة برئاسة مراد الجويني وبسام العكرمي. هذه القضية أغلقت لعدم توفر القرائن التي تدين المتهمين رغم أنّ أغلب الرصاصات التي خطفت أرواح الشهداء استقرت في القلب وهو ما ينم عن نية القتل لدى المتهمين.

قضايا مازالت في الطور الابتدائي:

إضافة إلى القضايا التي أغلقت ما زالت هناك قضايا في طور الاستئناف أو الطور الابتدائي. قضية شهداء دقاش (ولاية توزر) والتي تضم كلا من الشهداء عبد القادر المكي ولمجد الحامي وماهر العبيدي إضافة إلى الجريحين أشرف بن جليل وعادل أولاد عمر صدر فيها حكم ابتدائي يقضي بسجن رئيس مركز الحرس الوطني توزر الطيب عميمي بخمسة عشر سنة في انتظار الاستئناف. أما الملفات في الطور الابتدائي فهي ملفات شهداء الحامة (ولاية قابس) ومنزل بوزيان والقصرين وتونس الكبرى.

أمنيون متورطون في قتل الشهداء في حالة فرار

إنّ الملفت للنظر في سيرورة محاكمة قتلة شهداء الثورة التونسية والتي من المفترض أن تكون محاكمة عادلة يتحمل فيها كل طرف مسؤولية أفعاله نجد أنّ عددا من الأمنيين المتورطين في القضايا الآنف ذكرها يتمتعون بالحرية وبصدد مزاولة مهنتهم في حين أنّ أغلبهم مصنّفون “في حالة فرار” من قبل المحكمة العسكرية. ونذكر منهم المتهمون في قضية الوردانيين وكذلك المتهم بسام العكرمي في قضية الرقاب و عبد الكريم بن اسماعيل المتورط في قتل الشهيد كريم الزروي يوم 12 جانفي 2011 في منطقة فوشانة والذي تم الحكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا وهو في حالة فرار رغم صدور بطاقة جلب في حقه في طور الاستئناف.

المحامية-ليلى-حداد
الأستاذة المحامية ليلى حداد

وقد تقدمت الأستاذة المحامية ليلى حداد عديد المرات إلى مدير القضاء العسكري بطلب إصدار بطاقات جلب في حق المتهمين إلا أنّه لم يستجب لهذه المطالب وحتى بطاقات الجلب التي صدرت لم يتم تفعيلها. تقول الأستاذة ليلى حداد التي حملت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن حق الشهداء وجرحى الثورة أنّ بقاء عديد المتورطين في قتل الشهداء في حالة سراح أمر يتعارض أساسا مع أبسط قواعد القانون الجنائي. ففي قضايا السرقة والإعتداء بالعنف يتم التحفظ بالمتهم وإيقافه على ذمة التحقيق أمّا المتورطون في قتل نفس بشرية فينعمون بالحرية. ويضيف الأستاذ المحامي شرف الدين قليل أنّ عدم تفعيل المحكمة العسكرية قرار الجلب الصادر في حق عدد من الأمنيين دليل على أنها لم تكن جريئة في الدفاع عن حق شهداء الثورة وبان بالكاشف أنها عاجزة عن المسك بزمام الأمور والتصدي لجبروت وزارة الداخلية التي تلاعبت بالملفات وحوّلت وجهة أكثر من ملف وامتنعت عن تسليم القرائن التي تثبت تورط الأمنيين في عملية القتل أثناء الثورة وعمدت إلى طمس الحقيقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب الشهداء قد تم دفنهم دون تشريح الجثث وهو ما ساهم أيضا في دفن الحقيقة معهم، وربما ترجع هذه العملية إلى أنّ تلك الفترة التي سقط فيها الشهداء كانت تشهد حالة من الفوضى ورقابة مشددة من قبل الأمنيين على المستشفيات وخوف الاهالي ايضا الذين سارعوا إلى دفن شهدائهم دون التمسك بحقهم في الكشف عن الحقيقة لأنّ أحدا لم يتوقع رحيل بن علي في تلك الفترة. لكنّ هيئة الدفاع عن الشهداء والجرحى كانت قد طالبت منذ بداية المحاكمات بإخراج الجثث من القبور وتشريحها واستخراج الرصاصات منها لكن المحكمة العسكرية لم تحرك ساكنا أمام هذه المطالب أيضا.

المؤسسة العسكرية ترتكب فضائح من أجل تبرئة جنودها

يواصل الأستاذ شرف الدين القليل حديثه عن المحكمة العسكرية حيث أشار إلى أنّها سمحت لنفسها بارتكاب الفضائح من أجل تبرئة جنودها خاصة حين عمدت إلى تبديل القضايا بعد عامين من الثورة فكل القضايا التي تورط فيها جنود تم إطلاق سراحهم والحكم عليهم بأحكام خفيفة من قبيل خطايا مالية لا تتجاوز 200 دينار أو أحكام بالسجن مع تأجيل التنفيذ بل وقد عمد الجيش التونسي إلى ترقيتهم (أمدّتنا الاستاذة ليلى حداد بمثال وهو الملازم أول الذي قتل الشهيد أحمد الورغي يوم 16 جانفي بالسيدة المنوبية تم ترقيته إلى نقيب والحكم بعدم سماع الدعوى). كما لاحظ الأستاذ القلّيل أنّ المحكمة العسكرية عمدت إلى التمييز بين المتورطين من الجنود ونظرائهم من الأمنيين حيث حرصت على تبرئة جنودها حتى لو كان ذلك على حساب القضية وعلى حساب من سالت دماؤهم لتحرير تونس من الدكتاتورية.

شرف-الدين-القليل
الأستاذ شرف الدين القليل

إنّ الأستاذ شرف الدين القليل يرى أنّ القضاء العسكري تعامل بسطحية مع ملفات شهداء وجرحى الثورة وكان في البداية يعتقد أن ذلك مردّه عدم جاهزية القضاء العسكري لتحمل مثل هذه المسؤولية لكنه تبين فيما بعد ومن خلال سيرورة المحاكمات والأحكام الصادرة أنّ هذه السطحية كانت متعمّدة حتى يبقى الملف فارغا دون أدلة دامغة وبالتالي يتسنى للقضاء العسكري تبرئة الجميع دون أن يثير ذلك تحفظ أهالي الشهداء والجرحى ومكونات المجتمع المدني. ورغم الاصلاحات الهيكلية التي خضعت لها منظومة القضاء العسكري فإنّ محاكمات قتلة شهداء الثورة لم تكن في المستوى المرجوّ كما أشار الأستاذ القليل أنّ خير دليل على ذلك المعاملة المهينة التي لقيها أهالي الشهداء حيث لم يلتفتوا حتى لأبسط مطالبهم وهو توفير قاعة محاكمة كبيرة لهم حتى يتمكنوا من متابعة أطوار المحاكمات إضافة إلى عدم تسخير وسائل نقل تقلهم أثناء المحاكمات على غرار قضية شهداء القصرين التي تدور أطوار المحاكمات فيها في العاصمة تونس ليتنقل الأهالي أثناء كل جلسة من القصرين إلى تونس في رحلة شاقة محفوفة بالتعب والإرهاق النفسي.

إنّ القضاء العسكري حسب رأي الاستاذ المحامي شرف الدين القليل عجز عن التصدي لحملة العبث والتشويه بملف الشهداء والتي احترفتها وسائل إعلامية قصد تلميع صورة بعض المتورطين في القتل وذلك من خلال خلق إشاعات مثل إشاعة “القناصة الأجانب” و”الإرهابيين الذين قتلوا الشهداء” في محاولة منهم لتحويل وجهة الرأي العام عن مجرى القضية والتقليص من ردود الفعل الرافضة لأحكام البراءة الصادرة عن المحكمة العسكرية في هذه القضية.

نقابات الأمن متورطة منذ البداية في تبرئة القتلة الأمنيين

المحكمة العسكرية ليست وحدها التي سعت إلى تبرئة جنودها، وزارة الداخلية أيضا ساهمت في تعطيل مسار المحاكمات من خلال رفضها تسليم الوثائق التي تشير إلى الموجودين أثناء حوادث إطلاق النار من الأمنيين إضافة إلى المسؤول عن قرار إطلاق النار على المتظاهرين. وهنا حدّثتنا الأستاذة المحامية ليلى حداد عن دور نقابة الأمن الوطني في تحويل وجهة عدد هام من ملفات الأمنيين من تهمة الشروع في القتل العمد إلى القتل عن وجه الخطأ حيث تقول الأستاذة المحامية أنّ النقابة عمدت إلى تقديم عدد من المؤيدات عبر محاميهم كثيرا ما كانت مفتعلة باعتبار أنها لم تقدم بصفة رسمية من قبل وزارة الداخلية اي عبر مراسلات للقضاء العسكري إضافة إلى محاولتهم التشويش على الملفات المتورط فيها أمنيون من خلال تقديم شهود جدد لم يقع تقديمهم لا في طور التحقيق ولا الابتدائي وهي محاولة لتغيير وجهة الملفات مثل ملف الشهيد مجدي المنصري (حي التضامن) الذي استشهد يوم 12 جانفي 2011 على يد عون حرس الناصر العجمي بسلاح شخصي من نوع “klok 9mm” . الاختبار الطبي أكد تطابق الرصاصة مع السلاح الشخصي لعون الحرس الآنف ذكره إضافة إلى عدد من شهادات الموجودين على عين المكان أثناء الحادثة. لكنّ نقابة الأمن تغير مسار الاتهام إلى العريف الشاذلي البرهومي. ويشهد عون الحرس خالد العايدي أنّ العلاقة بين العريف الشاذلي البرهومي والذين يحاولون الصاق التهمة به متوترة منذ زمن بل وتصل حد العداوة وأن العريف بريء من هذه التهمة وأن القاتل الحقيقي هو الناصر العجمي الذي حكم عليه في الطور الابتدائي بعشرين سنة من السجن.

تقول الأستاذة ليلى حداد أنّ اطوار هذه القضية كشفت تورط عددا من النقابيين الأمنيين في عملية تصفية حسابات شخصية وتقديم خصومهم كأكباش فداء في سبيل تبرئة المقربين منهم. كما عمدت نقابة قوات الأمن حسب ما ذكرته المحامية إلى استقبال الهيئة القضائية عند تنقلها في الجهات والإجابة عن الأسئلة عوض المعنيين بالأمر وهو تدخل سافر من النقابة في مجريات الملفات وكان من الأجدر الوقوف والتصدي له خاصة وأنّ النقابة استغلت مشهد قتل الأمنيين لتصدر بيانا يضم بنده السابع وجوب إطلاق سراح الأمنيين المتورطين في قتل الشهداء وهو ما اعتبرته المحامية مقايضة تنم عن فساد أخلاقي من جهتهم.

جرحى الثورة ورحلة سيزيف

ليس حق الشهداء وحده مازال مهمشا وضائعا بل إنّ جرحى الثورة يعيشون إلى حد هذه اللحظة معاناة كبيرة حيث لم يتم عرضهم على الفحص الطبي رغم أنّ قضاياهم قد نشرت أمام القضاء. كما أنّ قاضي التحقيق كثيرا ما يتلكّأ، حسب تعبير الأستاذة ليلى الحداد، في إصدار تسخير لعرضهم على الفحص الطبي مما تسبب في تأخير معرفة نسب السقوط وهو ما اعتبرته هيئة الدفاع عن الجرحى نوعا من التنكيل بهم لأنّ نسب السقوط تتقلص ما لم نقم بالفحص الطبي مباشرة بعد التعرض للاعتداء وبالتالي فإنّ مشوار عرضهم على الفحص الطبي سيتواصل إلى سنة 2014 وهي رحلة جديدة سيقوم بها الجرحى بين المؤسسات وهو مهزلة ساهم فيها القضاء في جميع أطوارها لغياب الإرادة في إنصاف الجرحى.

ويضيف الأستاذ شرف الدين القليل أنّ جرحى الثورة هم الحلقة الأضعف في هذه المرحلة من عمر القضايا لأنهم ضحية عدم إنصاف القضاء العسكري لهم والمجلس التأسيسي الذي لم يحرك ساكنا في ملفهم وكذلك السلطة التنفيذية التي استغلت ملفهم للقيام بحملة انتخابية مبكرة خدمة لمصالحها السياسية ثم تخلت عن الملف برمته بعد تمكنها من السلطة. فمنتفعي العفو التشريعي العام قد بدؤوا بقبض أجرتهم في حين مازال الجريح والشهيد يبحثان عن حقهما الضائع بين الثلاثي الذي يعمل على إغلاق الملف دون محاسبة وهو القضاء العسكري والسلطة التنفيذية والمجلس التأسيسي كما ذكرنا سابقا في سبيل عقد صفقات قائمة أساسا على المصالح الشخصية والرخيصة.

وصرّح الأستاذ شرف الدين قليل أنه يملك وثائق وإثباتات تثبت تورط المتهمين في قتل الشهداء إضافة إلى تورط عدد آخر من الأمنيين الذين لم تشملهم المحاكمات وهو دليل على أن النظام السابق قد وضع خطة كاملة لاستهداف المواطنين بالرصاص الحي.

الهدف من كشف هوية القتلة هو تفكيك المنظومة الأمنية الفاسدة

في النهاية أشار الأستاذ المحامي شرف الدين القليل أنّ الهدف من السعي وراء كشف الحقيقة ليس لإنصاف جرحى وشهداء الثورة فقط بل كذلك لتفكيك منظومة أمنية استبدادية مازالت تصول وتجول تحت غطاء التصدي للإرهاب. واعتبر شرف الدين القليل أنّ وزارة الداخلية بؤرة من بؤر إرهاب الدولة التي حان الوقت لتطهيرها من الكوادر الفاسدة الموجودة فيها والذين ثبت تورطهم في قضايا إرهاب حقيقية.

في حين تقول الأستاذة ليلى حداد أنّ وزارة العدل كان لها دور كبير في إخفاء وطمس الحقائق وعلى من تلطخت أيديهم بالدماء وبإخفاء الحقائق والأدلة أن يخضع للمحاسبة، ولكن للأسف إنّ الثورة التونسية لم تنجب حكومات بمستوى التضحيات التي قام بها الشعب التونسي ولأنها لم تشارك في هذه الثورة ولأن من استشهدوا هم أبناء هذا الشعب المفقّر والمهمش والعاطل عن العمل. كما تضيف أنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة كانت ملتهمة للهبات المقدمة للشعب التونسي وملهوفة على الكراسي وآخر اهتماماتهم هو الكشف عن سفاكي دماء شهداء تونس الأبرار فوقع التعتيم على الملف والتشويش عليه وتشويه أبنائه باتهامهم أنهم لم يكونوا سوى حفنة من “السرّاق” . كذلك اعتبرت الأستاذة ليلى أنّ القضاء التونسي لم يكن في مستوى الثورة وبقي رهين المجلة الجزائية التي سلبت إرادته وبقي سجين إجابات وزارة الداخلية التي تعذّر عليها تقديم أي إفادة أو معلومة حول طريقة انتشار الوحدات والتعزيزات الأمنية أو حتى قائمة الأسلحة التي تم استعمالها وبقي أيضا رهين التجاذبات السياسية ولهذا لم يرتق بأن يجعل ملف شهداء وجرحى الثورة الدافع للرفع من قيمة القضاء التونسي المنصف للعدالة واعتبرت أنه ليس هناك ملف أهم من ملف شهداء وجرحى الثورة لأنه ملف وطني بامتياز.

سنة تلو الأخرى تمر وكلما حل عام جديد ابتعد أهالي الشهداء والجرحى عن حقهم. وكلما تسارعت الأحداث والزمن كلما ازداد التشويش على القضية الأم : قضية شهداء وجرحى الثورة وازداد بعد الشارع التونسي عن الملف متناسيا أنّ فرار بن علي وما راكم وراءه من حريات كان هدية من هؤلاء الشهداء الذين لم يحلموا بأكثر من الشغل والحرية والكرامة الوطنية.