المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

daech-isis

بقلم علاء عقير،

عطفا على السبئية والحشيشية وأخواتهما

نجانب الصواب كثيرا حينما نتحدث عن داعش باعتبارها تركيبا حرفيا اختزاليا لدولة الإسلام في العراق والشام ؛ ثم كما استوت دولة للإسلام فقط، تحت المسمى العريق شرعا وتاريخا: الخلافة الإسلامية؛ حينما امتلكت أرضا قضمتها من سوريا والعراق ، وأقسمت أنها لموسعة، أحب من أحب وكره من كره. يبدو لي أننا نجانب بمجرد توظيفنا لهذه المصطلحات نكون قد انخرطنا في لعبة الخصم، وقبلنا بأدواته ؛وما بقي تفاصيل نجريها معه لصالحه.

أقترح أن نتحدث عن الداعشية فقط كمذهب- ليس الأول ولا الآخر -في قائمة طويلة من المذاهب القديمة والحديثة، التي رامت تخريب الدين الإسلامي من داخله.

وكما هو معلوم تتبلور هذه المذاهب وتنتشر في مراحل تاريخية مفصلية كنتائج أو كأسباب.

أضرب مثالا هنا بالسبئية –أتباع عبد الله بن سبأ- باعتبارها الأساس الأول للتشيع؛ مستندة إلى مقولات هذا الفتان اليمني في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. يقول العالم والمتكلم الشيعي أبو اسحق النوبختي(250ه-350) في “فرق الشيعة”: “تقول السبئية بإمامة علي، وأنها فرض من الله عز وجل، وهم أصحاب عبد الله بن سبأ؛ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم. وقال ابن سبأ :إن عليا أمره بذلك؛ فأخذه علي وسأله عن قوله هذا فأقر به، وأمر بقتله”. (نفي الى المدائن) وبلغت السبئية مبلغ الشطط وهي تدعي الإلوهية لعلي، ثم وهي تدعي غيبته فقط، غير مصدقة استشهاده.

أكدت الوقائع وأغلب المؤرخين أن إدلاء السبئية بكل هذا الحب لعلي بن أبي طالب لم يكن إلا ابتغاء الفتنة الكبرى، والإيقاع اليهودي بالإسلام من داخله. وما كانت سيوف الصحابة – وبينهم أم المؤمنين عائشة (ض)- لتستل في معركة الجمل، لولا هذا الدهاء السبئي الخبيث. ورغم ورود أخبار ابن سبأ في المصادر التاريخية القديمة، بما فيها الشيعية، فان علماء الشيعة الإثني عشرية، اليوم، يشككون في صدقية وجوده؛ رفضا لربط عقيدتهم وتاريخهم بهذا اليهودي المكار.

لكننا لا نراهم –رغم إلحاح علماء السنة- ينهون علماءهم وعامتهم عن ترديد ما يستهويهم من مقولاته في الصحابة رضوان الله عليهم.

وأثَنِّي مثالي ب”الحشيشية” أو “الحشاشين”؛ وهي طائفة انشقت عن الفاطميين، داعية- ما بين القرنين الخامس والسابع الهجريين- في بلاد فارس والشام للمذهب الشيعي الإسماعيلي النزاري(نسبة الى نزار المصطفى لدين الله).

بغض النظر عن نقاش التسمية، وخصوصا المستند الى رواية ماركو بولو الفريدة عن جنة شيخ الطائفة حسن الصباح، الكائنة في قلعة الموت بفارس ، فقد كانت الحشيشية –كما الداعشية اليوم- مصدر رعب حقيقي لكل الممالك والإمارات المحيطة بها؛ ليس لعددها وعتادها، وإنما لنهجها القتالي المستحدث القائم، من جهة، على إتقان الدسائس والتنكر، من طرف من كانوا يتسمون ب”الفدائيين’، في اغتيال كبار رجالات الدول؛ ومن جهة أخرى على بث الرعب في النفوس من شدة البلاء في المعارك والإستهانة القصوى بالموت، الى حد تفضيل الإنتحار على الأسر.(قارن مع الداعشية).

من ضحاياهم الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفة العباسي الراشد، و”كونراد” ملك بيت المقدس. وفي بعض الروايات كاد صلاح الدين الأيوبي أن يكون من قتلاهم.

نظرا لمناعة قلاعهم باءت كل الجهود- على مدى ثلاثة قرون- للقضاء عليهم بالفشل. كانت نهايتهم بفارس، في مذبحة على يدي هولاكو سنة 1256م؛ وبالشام على يدي الظاهر ببرس سنة 1273م.

لقد تمكنت الدولة الفاطمية من نشر العقيدة الإسماعيلية في معظم بلاد الإسلام –مصر، اليمن،ا لحجاز، وبلاد الشام- لكن حينما مدت بصرها الى بلاد فارس، الواقعة تحت الحكم السلجوقي السني، المعادي لهذا المذهب، كانت بحاجة الى رجل داهية ومقدام من طينة حسن الصباح وفدائييه، وخلاياه النائمة هناك في إيران.(قارن من أوجه مع أبي بكر البغدادي).

من الإمتاع فار التنور

الثروة عند عرب النفط – وهم بالمناسبة حماة إسلام المركز، حسب توصيف “لاكوست”- مذهب سياسي في الحكم، وليست مالا عاما يجب أن يوظف لخدمة الإنسان العربي المسلم، حيثما وجد، تعليما وتنمية، وصولا الى بناء الدول الديمقراطية التي تقود الى نموذج حضاري خالص للمسلمين.

مذهب الثروة هذا يسقط جميع المفاهيم المتداولة حاليا على المستوى العالمي للدولة الديمقراطية من حقوق الإنسان وسائر الحريات. العرب الأثرياء موجودون لأنهم أثرياء؛ولا يهم ألا يكونوا ديمقراطيين، علماء، بناة دول وحضارة…وما شئت مما تتفاخر به سائر الأمم.

قَبِل الغرب بانتهازية متهافتة هذا التبسيط الساذج للثروة، وهذا الإزراء بالأمة العربية والإسلامية، وراح يُطوع حتى قناعاته الدستورية الراسخة في تدبير دوله للتعامل مع هذا الكيان الذي يختزله مفهوم متخلف للثروة.

قارنوا مع تحمل حماقات القذافي، وتنازل بريطانيا عن قوانينها حينما تعلق الأمر بفضائح مالية لدولة عربية ثرية، والأمثلة كثيرة.

كان لا بد لمذهب الثروة هذا أن يستند الى مذهب متشدد في الدين؛ لَجْما لأي شكل من أشكال الإنزياح الشعبي صوب قيم الحداثة التي تبثها الأقمار والشبكة، على مدار الساعة؛ وتبخيسا لكل جهود الإنسانية – بهدي حتى من الشرائع السماوية- من أجل إيجاد نموذج مثالي في الحكم يخضع بمرونته لسنن التحول والتطور والتدافع القيمي المتواصل. نموذج يساير ولا يكبح التطور الذي أودع الله آلته في الإنسان. كما النسل الذي لا نملك أن نوقفه لوجود آلته وشهوته.

وجد مذهب الثروة ضالته في الربع الضعيف من الفقه؛ ولم يجد ألذع لظهور “الرعية” وأقطع لأعناقها من سياط فقهاء الحنابلة وسيوفهم، فكسا المتحنبلين من فقهاء العصر ذهبا وحريرا.

وكان لا بد لدول الثروة –ولا شيء زائدا عن الثروة- من خلق طبقة من الأثرياء- يحفون بالأمراء- لتضمن الاستمرار. ولا بأس أن تخرق هذه الطبقة كل تزمت المذهب لأنها قُدَّت، فقط، للشعوب المغلوبة و المقهورة فِقها وسلطة.

وماذا يفعل الجاهل الثري بثروته ؟ هل يفكر في دعم البحث العلمي؟ أم في بناء ديمقراطية يكون أول ضحاياها؟ من هنا التماهي مع الحاكم العربي في دعم كل المتحنبلين، والجماعات الأصولية، التي تضمن أن تظل الثروة حيث هي ، والفقر حيث أعشاشه. بينهما برزخ لا يبغيان.

ولمذهب الثروة اشتغال خارجي لضمان الحماية ؛ شريطة ألا يُذكر الحكام العرب بكون أفضل حماية لهم هي حماية الشعوب، شريطة تأهيلها – بالديمقراطية- لهذا المستوى وليس تركيعها وإذلالها حتى عقديا وفقهيا.

هكذا تفرع عن مذهب الثروة مذهب الإمتاع، المتعة، التمتيع والمتاع، وما شئت من هذه المترادفات التي غدت كل ما يرتديه عرب النفط من ثياب.

اشتغل الغرب بكل طاقاته ومهندسيه، ودهاقنته، وجواسيسه، لترسيخ مذهب الإمتاع هذا –رديفا للمذهب الحنبلي المتقشف- وتكوين الطاقات العربية الشابة حتى تبلغ فيه شأوا لم يبلغه أسلافهم.(لا تُسَنِّم قبرا ولكن لابأس أن تبني ألفَ برج .لا تبني مَزارا لكن لا بأس من ألف قصر).

ولا بأس أن يلج حتى فقهاء المذهب وأمراء الجماعات –وخلفاء المسلمين، اليوم وغدا- مدارس الإمتاع والمداعشة مادام الموسم موسم هجرة للثروة العربية صوب الغرب ؛ وما دام مذهب الثروة –كما يفعله العرب الأثرياء- لن يبني إنسانا، ولن يصنع سلاح دمار شاملا أو خفيفا.

هذا عن الإمتاع فمن أين المداعشة؟ سؤال سخيف ،كما يقول عزمي بشارة.

هم، بناةُ دول الثروة ومذهبها، يعرفون من أي كُمّ خرج الحشاشون الجدد، لكننا نحن فقراء العرب والمسلمين، الذين يؤمنون بكل من جاءهم راكبا “لااله الا الله محمدا رسول الله” لا نعرف ؛ أولا نريد أن نصدق أن أصدق من قالها هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ومن جاء من بعده مجرد سياسيين و مذهبيين، كادوا يتقاتلون وجثمانه الطاهر لم يدفن بعد.

فكيف وقد مضت قرون من الإقتتال والدماء والجماجم والأضاحي البشرية، وصولا الى مذهب المداعشة هذا، الذي آلى على نفسه أن يجدد مذهب الثروة، باستيلائه أولا على نفط سوريا والعراق وأموال مسيحيي الموصل وأيزيديي سنجار، واشرأب صوب آبار أربيل وكركوك.

هذا في عز الغارات الإسرائيلية على غزة. ولم يفوت على “فدائييه” كل أشكال المتعة، بما فيها وطء الحور العين، من حرائر العرب والأكراد.

من أين المداعشة؟ وماذا فعلنا غير أن نكون على مر الحقب داعشيين “لايت”؛ نقول بأن آية السيف نسخت كل شيء في القرآن الكريم. ها هو أبو بكر البغدادي لايزيد على هذا الفهم إلا ما تعلمه من مكر مدرسة الإمتاع و المداعشة.

هاهو بوجه فقهي حنبلي جديد لا يرى مانعا من موالاة الشيعة في سوريا، بل التخندق معها دعما للقومي بشار الأسد.

هاهو لم ينبس ببنت شفة وهو يرى اسرائيل تقتل أطفال غزة اتقاء مستقبلهم؛ مقلدة ما فعله فرعون مصر بها في غابر الأزمنة.

هاهو يمشي بكل شارات الخلافة التي تخفيه عن عيون الطائرات الأمريكية، التي لا توظف ورقة الكارثة الإنسانية إلا حينما تشاء مصالحها.

وهل تنتظر إيران ساحرا أقوى من البغدادي لإضعاف العراق وسنة العراق؟ ألا يذكرنا بالفاطميين اذ دوخوا ايران قرونا بحسن الصباح شيخ الحشاشين وأتباعه؟ أبعد كل هذا نسأل مَنْ وراءَ داعش؟ والى أي مدى ستصل المداعشة؟ ثقوا أن أوباما لن يكرر صنيع هولاكو، لإنقاذ العراق. فعلها بوش مدمرا، ولن تتكرر لأن الماء لايجري تحت الجسر مرتين.

وسيظل مذهب الثروة يكرر المآسي، الى أن تقرر الأجيال اللاحقة أن المال لبناء الإنسان وليس الأبراج وسجون العقائد الفاسدة التي تعلم حتى الأطفال قطع رؤوس بعضهم البعض.