وفي اتصال بعائلتي الضحيتين أكد والد أحلام الدلهومي المنجي الدلهومي لنواة أن “عدم إسراع السلطات المحلية في كشف حقيقة مقتل ابنته سيدفعه إلى الإلتجاء إلى المحاكم الدولية خصوصا وان أحلام كانت تملك الجنسية الألمانية، إضافة إلى أن الرأي العام في ألمانيا اهتم بشدّة بالقضية وسيتم يوم السبت القادم تنظيم وقفة احتجاجية أمام القنصلية التونسية بألمانيا للتنديد بإطلاق الرصاص العشوائي الذي قام به رجال الأمن ضد ابنته.” من جهته أكد والد أنس صالح الدلهومي أنّ عددا من كبار المسؤولين إضافة إلى حاكم التحقيق ووالي القصرين تنقلا إلى مقر إقامته لتقديم التعازي والتأكيد على عزمهم كشف حقيقة الحادثة في أقرب الأوقات بالإضافة إلى تليقه دعوة رسمية من رئاسة الجمهورية لا زال يجهل السبب من وراءها.”

روايتان مختلفتان

قدّمت كل من الجهات الأمنية وعائلة الفقيدتين روايتين بخصوص مجريات الحادثة المذكورة. فحسب الناطق الرّسمي باسم وزارة الداخلية محمّد علي العروي فإنّ أعوان أمن يرتدون الزي النّظامي تابعين لدورية مكونة من ثلاث سيارات أمنية أطلقوا النيران على البلور الخلفي لسيارة تحمل رقما منجميا أجنبيا على متنها سبعة أفراد بسبب مرورها بسرعة كبيرة وعدم امتثال سائقها الذي تبين فيما بعد أنه لا يملك رخصة سياقة لأوامر التوقّف.

رواية عائلة الضحيتين كانت مختلفة تماما، ففي تصريحات إعلامية أكّدت سندس الدلهومي (شاهدة عيان) أنّها كانت رفقة الفقيدتين وأحد أقاربهم في طريق العودة إلى منازلهم إثر قضائهم سهرة في أحد المنتزهات. وقد كانوا حوالي الساعة منتصف الليل والنصف على متن السيارة عائدين عبر طريق “العريش” حين لمحوا عند المفترق الفاصل بين حي الخضراء وحي البساتين سيارة واحدة وعددا من الأشخاص ظنوا أنهم قاطعي طرق أو لصوص فلم يمتثلوا لإشارات التوقف وواصلوا طريقهم ببطء نظرا لوجود حفر بالطريق. غير أنّه حين انهال عليهم الرصاص توقفت السيارة بعد إصابة الفتاتين أنس وأحلام وتبين أنّ الفاعلين رجال أمن سرعان ما شعروا بخطورة ما قاموا به فحاولوا الهرب إلا أنّها رشتقتهم بالحجارة فعاد أحدهم وانهال عليها ضربا. وقد أكّدت سندس انه خلافا لرواية رجال الأمن فإنها هي من كانت تقود السيارة وهي تملك رخصة سياقة منذ عشر سنوات إلا أنه من هول المفاجأة فقد قام قريبها بقيادة السيارة إلى المستشفى الجهوي بالقصرين بغاية الإسراع في إنقاذ إحدى الضحيتين التي لم تنج رغم ذلك من الموت.

وقد نفت وزارة الداخلية أغلب ما جاء في تصريحات سندس الدلهومي حيث أكّد عدد من المسؤولين الأمنيين في تصريحات إعلامية أنّ الدورية التي أطلقت الرصاص متكونة من ثلاث أسلاك هي النظام العام والحرس والشرطة و قد تمركزت بسبب تواتر الأحداث الإرهابية في طريق العريش المؤدي إلى جبل سمامة الذي شهد أحداث إرهابية في فترة سابقة. وحين رفضت السيارة الإمثتال تم إطلاق النار عليها طبق القانون. وحسب وزارة الداخلية، قام الأعوان إثر ذلك باصطحاب الضحايا إلى المستشفى ولم يهربوا كما أنه تم مباشرة تسليم حاكم التحقيق بالقصرين قائمة بأعوان الدورية وبيانات عن الأسلحة التي كانوا يستعملونها. وقد أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي أن القوة الأمنية التي كانت متمركزة في مكان الحادث كانت في انتظار مرور مجموعة مشبوهة مما عزز الشك لديهم أثناء مرور سيارة الضحايا بسرعة بإمكانية أن تكون هي المجموعة المقصودة.

قتل “بأمر جمهوري”

“من خلال تصريحات إذاعية ندّد رئيس الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان بالحادثة مؤكّدا أنّ ما حدث يدل على سوء تدرّب على استعمال السلاح وهو أمر شبيه بما حدث سابقا من أخطاء في مواجهة المسيرات ومنها مسيرة 9 أفريل 2012، كما أنّ استهداف البلور الخلفي للسيارة يعني استهداف من فيها وهذا أمر ضد القوانين المحلية والدولية.”

ونظرا لأن رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أكّد أن ما حدث مخالف للقانون في حين تؤكّد السلطات الأمنية أنها كانت بصدد تطبيق القانون وجب التذكير بأنّ إطلاق الرصاص في هذه الحادثة تمّ على أساس القرار الجمهوري عدد 70 لسنة 2014 والمؤرخ في 11 أفريل 2014 ويتعلّق بإعلان الشعانبي منطقة عسكرية. وننشر هنا بعض فصول هذا القانون والتي توضّح السند الذي اعتمده أعوان الدورية لإطلاق النار على الفتاتين المذكورتين:

الفصل 4 – تتم إجراءات المراقبة والتفتيش بالنقاط القارة أو الدوريات المتنقلة وكلما دعت الضرورة للملاحقة والمداهمة وفق قرارات تنظيمية أو تعليمات عملياتية صادرة عن السلطة العسكرية المختصة.
الفصل 5 – على كل شخص يتواجد داخل منطقة العمليات العسكرية أن يمتثل للأمر القاضي بالتوقف وأن يذعن للتفتيش كلما طلب منه ذلك من قبل أفراد الدوريات التي لها استعمال جميع الوسائل وآليات العمل لإجباره على التوقف أو الخضوع للتفتيش في صورة عدم الامتثال.


الفصل 6 – تتم مطاردة المجموعات الإرهابية المسلحة والاشتباك معها بكل الوسائل المتاحة للقوة المكلفة بالمهمة ما دام العمل العدائي مستمرا أو النية العدائية مستمرة إلى حين زوال الاعتداء أو التهديد.
الفصل 7 – يخول للوحدات العسكرية والأمنية استعمال كل الوسائل المتاحة للقوة، لمداهمة وتفتيش الأماكن والمحلات المسكونة أو غير المسكونة التي تأوي عناصر إرهابية أو تحتوي على أسلحة أو مواد محظورة أو التي يشتبه في إيوائها أو احتوائها لها، بناء على معلومات استخباراتية أو عند قيام هذه العناصر الإرهابية باعتداء مسلح أو عمليات تخريب أو التهديد بذلك.

غير أنّ الفصل الثامن من هذا القانون يعود ليوضّح أنّ تواجد سيارة الضحايا سليم حيث أنه لا يدخل ضمن خانة حالة تواجد غير مرخص فيها أو تجمهر وينص هذا الفصل على الآتي :

الفصل 8 – تتعامل العناصر العسكرية والأمنية المكلفة بمراقبة الدخول والجولان بمنطقة العمليات العسكرية المنصوص عليها بالفصل الأول من هذا القرار الجمهوري مع حالات التواجد غير المرخص فيه والتجمهر التي قد تحصل داخل منطقة العمليات العسكرية طبقا لموجبات حفظ النظام العام وخاصة القانون عدد 4 لسنة 1969 المؤرخ في 24 جانفي 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتجمهر، مع التقيد بمبدأ التدرج في استعمال القوة طبق التشريع الجاري به العمل.

وعلى المهتمين بشأن هذه القضية التثبت من الأمر الجمهوري المتعلق بإعلان الشعانبي منطقة عسكرية لمزيد الإطلاع على ما جاء فيه والتثبت من قانونية الاستعمال “المتعسف” لما يخوله هذا القانون من “اعتماد كل الوسائل المتاحة” في مقاومة من له “النية العدائية” ضدّ المواطنين أو رجال الأمن ولم تذكر السلطات الأمنية في كل تصريحاتها قيام الضحايا بأية تصرفات تبين النية العدائية لهم ضد الدورية الأمنية.

خبير أمني يوضح : تخوف الطرفين من الارهاب هو سبب الكارثة

لمزيد التعمق في فهم مجريات الأحداث من الناحيتين الفنية والقانونية اتّصلت نواة بالخبير الامني العقيد مختار بن نصر الذي عبّر بداية عن أسفه لحصول هذه الحادثة الأليمة محمّلا الأحداث الإرهابية التي شهدتها تونس المسؤولية فيما حصل من ارتباك لدى الطرفين. وقد وضحّ بن نصر أن

العملية تمت في ظروف تخوض فيها البلاد حربا ضدّ الإرهاب تهدد البلاد بصفة عامة وتهدد الأمنيين والعسكريين بصفة خاصّة، ونظرا لأن الضربات الإرهابية حصدت أرواح عشرات الأمنيين فقد يمكن تبرير سرعة إطلاق الرصاص من طرف اعوان على السيارة بإمكانية تخوفهم من أن تكون تحمل إرهابيين من الممكن أن يقتلوا عناصر الدورية مثلما حدث سابقا وتعزز الشك إثر عدم امتثال السيارة لأوامر التوقف. من جهة اخرى فإن تخوف راكبي السيارة من الهوية الحقيقية لرجال الأمن يعود إلى حصول أحداث مشابهة حيث تم الإمساك بإرهابيين في أحداث سابقة يرتدون الزي الأمني مما أحدث حالة من الرعب لدى المواطنين خصوصا بمنطقة القصرين والمناطق المجاورة لها من كل ما يتعلق بالأمن والإرهاب. هذا التخوف المشترك أحدث إرتباكا لدى الطرفين نتجت عنه كارثة تعمل الهياكل الفنية على مزيد التأكد من حيثياتها من أجل عدم تكرار حدوثها لاحقا.

الخبير الامني العقيد مختار بن نصر

وحول تعارض مسألة تخوف رجال الأمن التابعين للدورية من إمكانية تعرضهم للقتل من طرف إرهابيين على متن السيارة وتصريحاتهم بخصوص مرور السيارة بسرعة كبيرة لا تسمح لمن داخلها بإطلاق الرصاص بدقة قال بن نصر أن “هذا الأمر ستجيب عنه الهياكل المختصة التي فتحت تحقيقا في الغرض ولا يمكن لأحد في هذه الفترة التكهن بحقيقة ما حصل فعلا.” أما فيما يتعلق بصغر سن الأمنيين الذين يتم تكليفهم بمثل هذه المهام ونقص الخبرة لديهم فأجاب بن نصر أنه “من الطبيعي أن يكون الأعوان في بداية العشرينيات وهذا السن هو المعمول به في كل أنحاء العالم حيث يبدأ الأعوان مسيرتهم المهنية في الميدان ليتم إثر ذلك ترقيتهم حين توكن قدرتهم على العمل الميداني أقل.”

نواة اتّصلت أيضا بمصدر أمني مختص أكّد أنّ “عملية إطلاق الرصاص تستند إلى القانون الذي ينص على ضرورة مقاومة الإرهابيين ب”شتى الوسائل” لكنّها أيضا تخالف المعمول به عادة والمتمثل في القيام بملاحقة السيارة أولا ثم إطلاق النار على إطارات السيارة إن لم تمتثل لأوامر التوقف ثم إطلاق الرصاص على المشتبه بهم”. وأضاف “سيتم قتل عشرات التونسيين كل يوم لو تمّ تطبيق القانون بالطريقة التي قام بها أعوان الأمن الذي تسببوا في قتل الفتاتين في القصرين.”

نذكّر أخيرا أن حادثة مقتل أنس وأحلام البرهومي برصاص رجال الأمن بحجة التخوف من الإرهابيين ليست الأولى من نوعها. ففي 12 أفريل 2014 قام وكيل الحرس الوطني نبيل المرواني بإطلاق النار في اتجاه شاحنة بمنطقة كندرا بولاية سوسة مما أدى إلى مقتل سائقها. ورغم أن هذه الحادثة جدت إثر إصدار الأمر الجمهوري الذي تم تضمينه بهذا المقال إلا أن المحكمة الإبتدائية بسهلول 2 قد قامت بتوجيه تهمة القتل العمد للوكيل نبيل المرواني وهو لازال رهن الاحتفاظ، الأمر الذي دفع بعض النقابات الأمنية إلى التظاهر مطالبين بمزيد توضيح القوانين وتحديدها حتى تتحمّل جميع الأطراف مسؤولياتها بالشكل الصحيح وحتى لا يتم تكرار الاخطاء ولتجنب وقوع مزيد من الضحايا من الطرفين سواء بالقتل أو بالسجن.