بقلم أحمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء،

لم اصدق حقيقة ان البيان المؤرخ في 26 ماي 2015 قد صدر فعلا عن مجلس الهيئة الوطنية للمحامين الا بعد الوقوف عليه بموقعها الالكتروني مختوما و ممضى من عميد المحامين السيد محمد الفاضل محفوظ. فعلاوة عن ان هذا البيان قد تاخر عن الحدث الذي كتب من اجله وهو تقديم عريضة الطعن من قبل ثلاثين نائبا بمجلس

⬇︎ PDF

نواب الشعب منذ اربعة ايام ضد مشروع القانون الاساسي عدد 16/2015المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء فاننا نرى ان هيئة المحامين – وهي هيئة مهنية غير سياسية – قد اوجدت ربطا غير مفهوم – ان لم يكن موهوما– بين ممارسة عدد من النواب لحق التقاضي الطبيعي لدى هيئة دستورية – هي الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين – وبين ما تدعيه من” هجوم واضح على المحاماة في محاولة لتجاهل دورها الاساسي المتمثل في شراكتها في اقامة العدل بل وصل بها الامر الى الحديث في هذا السياق عن مضايقات المحامين التي بلغت – حسب تقييمها – “الحد الذي لا يمكن قبوله برفض نيابة المحامين النواب بمجلس نواب الشعب لدى بعض الدوائر القضائية “.ومن الملاحظ ان هيئة المحامين التي انتهجت خطابا قطاعيا طبقا لتقليد راسخ قد استهدفت تقريبا كل الاطراف في اسلوب هجومي وبكلام مقذع فضلا عن الشتائم الشخصية التي من المفروض ان تربأ عنها هيئة ممثلة لعموم المحامين رات من المناسب ان تذكرنا بنفس البيان “بالمساعي المبذولة لاقامة حوار حقيقي”.

ولنا ان نتساءل عن النتائج المهنية التي يمكن ان تجنيها هيئة المحامين بوضع الجميع على مرمى النيران وعن العلاقات التي تستهدف ترميمها بخطاب ملؤه الانفصال و الكراهية .

فمن جانب نواب مجلس الشعب – الذين بادروا بالطعن في اطار ما تقتضيه الممارسة الديمقراطية – رات هيئة المحامين ان تتهمهم بالتوظيف السياسي الواضح والبعد عن مصلحة الشعب التونسي وعدم المصداقية .

اما من جانب القضاة و الهيئات القضائية فقد خصهم البيان باوصاف لا تليق تجاوزت الحدود المقبولة لحرية التعبيروالاحترام الواجب للقضاء من ذلك اتهامهم بالتشنج – في مفارقة غريبة –وغياب الموضوعية وتجاهل مصلحة المتقاضين و الاستبداد و السعي الى اعادة النظام الدكتاتوري و اتيان التصرفات غير المسؤولة والمتنافية مع مبادئ تسيير المرفق العام للعدالة (كذا)

اما من جانب الرئيس الاول لمحكمة التعقيب – الذي يتولى ارفع الوظائف القضائية في البلاد – فقد تعمدت هيئة المحامين القدح فيه- في تحد غير مسبوق للتقاليد القضائية- متهمة اياه بعدم الحياد و عدم الموضوعية بل حتى بمخالفة اليمين التى اداها بسبب انه يتولى – بعلم جميع السلطات وبموجب الدستور والقانون – رئاسة الهيئة الوقتية للقضاء العدلي

والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين فضلا عن رئاسته لمحكمة التعقيب رغم انه لم يبد رايا و لم يمض بيانا يمكن ان يكون له علاقة بمطلب الطعن المرفوع الى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين .

كما لنا نتساءل ان كان من مقتضيات الحياد ان تعمد هيئة المحامين الى تاليب الراي العام ضد عدد من النواب وطلب تدخل رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة لمنع الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين من ممارسة اختصاصها الموكول لها بمقتضى الدستور بتعلة ان الطعن في دستورية مشروع القانون يتنافى مع مصلحة الشعب التونسي ومع المجهودات المبذولة من قبل لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب والجلسة العامة التي صادقت عليه باغلبية مريحة. ؟.

واضافة لذلك لنا ان نتساءل ان كان من الجائز- طبقا لاخلاقيات المحاماة و ضمانات التقاضي – ان تعمد هيئة مهنية الى ملف معروض على جهة مستقلة فتبدي فيه رايا منحازا وتبرز الاخلالات الشكلية و الجوهرية – حسب ما يتراءى لها –وذلك في صيغة تحريضية تدعو الى اسقاط الطعن وعدم الاستجابة لطلبات العارضين . ؟.

فهل تركت هيئة المحامين بهذا الخطاب المتسم بالكراهية و الانفصال و القطيعة و اليتم مجالا لخطاب التوادد و الاتصال و الثقافة المشتركة؟.

وهل ضمنت الهيئة لنفسها بهذا الخطاب انفتاحاعلى محيطها وتواصلا مع القضاة وبقية الفاعلين في العدالة ام انها اتجهت الى الانغلاق وتبنت خطاب الغربة والهجرة والانعزال ؟.

وهل رسخت الهيئة خطاب الاقناع واسلوب الاعتدال والثقة وقيم البناء ام وسعت من دائرة الارتياب و الاتهام والتطرف واستهدفت التشكيك والتفكيك و التقويض . ؟

وهل لهيئة المحامين ان تتخلى عن “اسلوب الاجوبة الجاهزة”وخطاب الكمال والافتخار وتختار خطاب العقل و النقد و النسبية …خطاب المستقبل ؟