المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

global-citoyen

بقلم بشـبر العبيدي،

إن البحث في مفهوم المواطنة المعولمة أو الكونية و وضعه في سياقه التاريخي، المرتبط بالتطور الحاصل في النظام العالمي الجديد، وتفسخ الحدود الجغرافية و الثقافية التقليدية بين البلدان و الشعوب، يتطلب معرفة الثقافة الكونية لحقوق الإنسان في تمظهراتها السلوكية. كما يتطلب حدا أدنى من المعارف حول التجارب الإنسانية و نضالات الأفراد و الشعوب في مختلف بقاع الأرض، والتضحيات التي قدمت من أجل ذلك، و استخلاص الدروس الضرورية من هذه الملاحم التي راكمت ميراثا ثقافيا و علميا كان له الفضل في تحرير الإنسان و تحقيق إنسانيته.

لقد ارتبط النضال الإجتماعي عبر التاريخ بالفلسفة، أي بحب المعرفة و بأنماط العيش و إدارة الشأن العام والخاص بطرق متنوعة، فتحت للأفراد آفاقا رحبة و مجالات واسعة تتجاوز حدود الأرض و الوطن واللحظة الزمنية، إلى فضاء الكونية.

ولعل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي تم الإعلان عنه في 10 ديسمبر من سنة 1948 الذي تنص مادته الاولى على :”يولد جميع الناس أحرارا متساوون في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء.”،يمثل مدخلا و أداة تربوية وتعليمية و ثقافية للتأسيس “للمواطنة الكونية” أو المواطنة ” العالمية ” و”المعولمة”، إذا ما اعتمد كمادة للتدريس والتثقيف.

و حتى نتمكن من التأسيس لمواطنة كونية عبر معايير مستحدثة و سلوكات مبنية على وعي و ادراك لحتمية المصير المشترك للإنسانية، و جب علينا التعرف على بعض المفاهيم الإجتماعية المتداولة و تطورها عبر السياقات التاريخية القديمة والحديثة مثل : (المدنية،المجتمع المدني،الحضارة، المواطنة…) وكذلك الإطلاع على الحركات الإجتماعية و ثورات الشعوب عبر التاريخ التي كان لها فضل كبير في تغيير وجه العالم و مدى تأثرها بالفلسفات السائدة من أجل الإرتقاء بإنسانية الإنسان فردا أو جماعة إلى أرفع درجات الإنسانية و من بينها : الحضارة اليونانية القديمة و فلاسفة الإغريق، الثورة الأمريكية وتحرير العبيد، الثورة الفرنسية وفلسفة التنوير، العمل و فلسفة العمل

حول المفاهيم : المدنية والمجتمع المدني

1- المدنية:

يعود هذا اللفظ إلى كلمة المدينة أو الحاضرة كما يسميها ابن خلدون. وقد ارتبطت بنظام الحكم اليوناني القديم : دولة المدينة، والذي شهد تطورا هاما في دولة أثينا، حيث انتقل الحكم فيها من سلطة كبار ملاك الأرض إلى الحكم الشعبي، عبر مراحل و بعد تشكل طبقة التجار و العاملين في هذا القطاع الذين كان لهم الدور الرئيسي في هذا التحول، والذي كانت أهم مراحله مع “كليستنيس” الذي وضع دستوره الجديد على ثلاثة أركان رئيسية 502-503 ق.م.

1- إعادة تقسيم المجتمع الأثيني على أساس جغرافي مكاني بدلا من التقسيم الإداري القديم الذي كان على أساس القرابة والدم. وأصبح هذا التقسيم قاعدة للتنظيم الإداري و للحقوق السياسية.

2- بناء على الرابطة المكانية الجديدة، أعيد تنظيم مجلس الشورى فأصبح يتكون من 500 عضو بدل 400 في التنظيم القبلي السابق.

3- وضع قانون “النفي” الذي بموجبه أصبح الأثينيون يستطيعون نفي أي زعيم سياسي يرون فيه خطرا على الديمقراطية بشرط أن يصدر ذلك الطلب عن 6000 من المجتمعين، ليصبح النفي قانونيا و يدوم 10 سنوات.

فالمدنية إذن تعبر عن الانتماء للمدينة لا البادية أو الريف،و هو مدلول لنمط عيش و سلوكات و علاقات تختلف مع ثقافة الريفيين و سكان البادية.

و قد ظهرت تعبيرة المجتمع المدني كمدلول حضاري مستحدث لعلاقة الأفراد في المجتمع فيما بينهم و على علاقتهم بالدولة. وقد تغير هذا المفهوم و تطور بدءا بالأصول اليونانية الكلاسيكية و مرورا بالفكر القروسطي و انتهاءا بالحداثة.

و قد نشأ هذا المفهوم مرتبطا بالفلسفة السياسية اليونانية حيث يعتبر “أرسطو” أن المجتمع المدني هو “جمعية جمعيات” ولم يميز بين الدولة والمجتمع المدني و دعا إلىتكوين مجتمع سياسي تسود فيه حرية التعبير عن الرأي و يقوم بتشريع القوانين لحماية العدالة والمساواة، مجموعة سياسية تخضع لقوانين حسب قوله.
أما” أفلاطون” فقد رأى أن المجتمع المدني هو المجتمع العادل الذي يسمح للجميع أن يعملوا لخدمة الصالح العام.

و لم يشذ المعلم الأول” سقراط” عن تلميذيه فهو يرى أن المشاكل يجب أن تحل بالنقاش و تبادل الرأي العقلاني بين الناس.

المجتمع المدني في الفلسفة الأوروبية

إنطلاقا من كون مصلحة المجتمع تتحقق من خلال عمل كل فرد على تحقيق مصلحته الخاصة عند الليبراليين، وانطلاقا من مذهب علماني في موقفه من الدين،فردي في موقفه من المجتمع، رأسمالي في موقفه من الإقتصاد، ليبرالي ديمقراطي في موقفه من الدولة.و على التزام الدولة بعدم التدخل في الشؤون الخاصة للأفراد و تقليص دورها و حصره في السهر على تطبيق القانون و حمايته، فلا يجب أن يخرج مفهوم المجتمع المدني عن هذا السياق. فقد أكد “جون لوك” على قدرة الانسان الكامنة في الدفاع عن نفسه و حريته وممتلكاته و القدرة على إلحاق الضرر بالآخرين، لذلك اقترح “لوك” ضرورة قيام المجتمع السياسي من سلطة تنفيذية و صلوحيات لمعالجة الخلافات و تنظيم حالة الفوضى و إيجاد الحلول للنزاعات التي تنشأ.

أما “هيغل” فقد تناول مفهوم المجتمع المدني استنادا إلى منهجه المثالي الجدلي القائم على اعتبار التاريخ مسرح لتطور الفكر المطلق، والدولة على أنها أرقى تمثيل للفكر المطلق، والغاء حرية الأفراد فيها باعتبارها مصدر الحريات، فهي تستوعب المجتمع المدني في داخلها كنفي جدلي لها، وانتهى إلى إلغاء الدولة للمجتمع المدني.
أما “ماركس”في تفسيره للمجتمع المدني فقد ركز على العوامل المادية الإقتصادية و قلل من أهمية العوامل الفكرية و الثقافية بناء على الطابع التنافسي للمجتمع المدني بدل التكامل معتبرا أن التاريخ نتاج لصراع الطبقات، والمجتمع المدني هو ساحة للصراع الطبقي.

و يعطي المعاصرون من نشطاء المجتمع المدني مفهوما هجينا للمجتمع المدني هو : “سلطة مضادة ” ليست ضد و لا مع السلطة، تنشط باستقلال عن الدولة و ليست باستقلال عن مؤسسات و دول تمولها و ترسم لها خطط عملها، لا تخرج عن المفهوم الفلسفي الليبرالي للمجتمع المدني القائم على تلطيف الصراع الطبقي.

2- الحضارة:

تعتبر كلمة حضارة الترجمة الشائعة للكلمة الأنقليزية civilisation والتي يعود أصلها إلى جذور عدة ففي اللغة اللاتينية بمعنى المدنيةcity citizen بمعنى ساكن المدينة، وهو مايعرف به المواطن الروماني. وقد عرف أحد الباحثين الحضارة برقة طباع شعب، وعمرانه، ومعارفه، ومراعاة الفائدة العلمية العامة.وقد عرفها البعض على أنها نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة في انتاجه الثقافي. وهناك من جعل المفهوم مرادفا لمفهوم الثقافة أو قاصرا على نواحي التقدم مثل الألمان. في حين جعله المفكرون الفرنسيون شاملا لكل أبعاد التقدم.

وقد ذهب ابن خلدون حين تحدث عن الحضارة إلى اعتبارها مشتقة من الإقامة في الحضر بخلاف البادية.
ويتداخل مفهوم الحضارة مع المدنية في كثير من الأذهان و الأحيان فيصبح لهما نفس المعنى في الإستعمال أوالمدلولات. فالمجتمع المدني والمجتمع الحضري تعبيران عن مجتمع مرتبط بالمكان والزمان تنظمه قوانين و ضوابط معلومة ومتفق عليها.
لا شك أن الحضارة كونية مهما تنوعت وتعددت أماكنها وشعوبها، ومهما تقاربت أو تباعدت في الزمان والمكان، فقد بزغت تحت سماء الكرة الأرضية، وهي امتزاج لحلقات بنائية متصلة يكمل بعضها الآخر فالإنسان اكتشف النار و صنع الفخار المشوي ليظل حيا و باقيا، كما صنع أدواته و آلاته و زرع الأرض ليوفي الحاجة الحياتية و للتوافق مع الطبيعة و لتسهيل طرق العيش، فقد بنوا هذه الحضارة بالمشاركة الجماعية. وقد قامت الحضارات التاريخية على أكتاف العبيد.

(الحضارة الإغريقية، الرومانية، الفرعونية…إلخ)و حتى الإنسان البدائي ترك أدواته و آلاته الحجرية التي لا تزال آثارا بيننا حتى اليوم، وهذه الآثار الحجرية و الرسوم الجدارية في الكهوف تدل على أن الانسان فنان بطبعه و صانع بعقله.

3- المواطنة

و هي كلمة في العربية مأخوذة من الوطن و هو المنزل أو البلد أو مكان الإقامة و ترتبط عموما بحق العمل و الإقامة و المشاركة في الحياة السياسية في دولة ما، أو هي الانتماء الى مجتمع واحد يضم أفراده بشكل عام رابط اجتماعي و سياسي وثقافي موحد في دولة معينة. و تبعا لنظرية “جون جاك روسو” في العقد الاجتماعي : “المواطن له حقوق انسانية يجب أن تقدم إليه و هو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية يلزم عليه تأديتها.”
و تعد المواطنة من المفاهيم التي أشيع استخدامها هذه الأيام في الأدبيات السياسية و الاجتماعية و في أوساط المجتمع المدني خاصة دون أن تحظى في الوقت ذاته بكثير من الشرح والتفسير،إذ تبقى لدى كثير من المثقفين مفهوما مبهما يتكيف في الأذهان وفقا لمعطيات البيئة السياسية و الثقافية التي يعيش فيها المتلقي. اضافة إلى الظلال التي تضيفها التكييفات المختلفة التي تقدمها العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة والعالم. فهذا المفهوم يرتبط أحيانا “بالولاء لنظام معين” و أحيانا “يالمواطنين الأصليين”دون غيرهم و أحيانا أخرى بمعان عنصرية تتنافى مع المفهوم المعتمد في السياق الحقوقي.

و قد تطور هذا المفهوم في عصر العولمة و التطور التكنولوجي الهائل، ووسائط الإتصال المتعددة، من المفهوم الضيق للمواطنة إلى مفهوم المواطنة الكونية أو المواطنة المعولمة.

و المواطنة العالمية أوالكونية شعور بالإنتماء إلى مجتمع أرحب يتخطى الحدود الجغرافيةو الوطنية إلى شعور يبرز القاسم المشترك بين البشر و يتغذي من أوجه الترابط بين المستويين المحلي و العالمي والمستويين الوطني والدولي. وقد اكتسب زخما كبيرا في اطار قضايا التنمية منذ اتخاذ الأمين العام للأمم المتحدة المبادرة العالمية بشأن “التعليم أولا” في عام 2012 التي إعتبرت تعزيز ” المواطنة العالمية” أحد مجالاتها فالمواطنون العالميون هم الأفراد الذين يسعون في طريقة تفكيرهم وسلوكهم إلى بناء عالم يتسم بمزيد من العدل و السلام و مقومات البقاء. والتقدم في نشر المواطنة الكونية لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار البنية المادية للمواطنة و دلالاتها المتعددة ( المعرفية والقانونية والقيمية والسياسية و التربوية و الاجتماعية). إلى جانب قيمة العمل و القيم الأخلاقية.
فالتشبع بالمعاني القيمية للمواطنة والمدنية و التحضر و تكوين أجيال تضمن البقاء و الاستمرار في الدفاع عنها و الوصول بالمشروع الحضاري حتى نهايته، يتوجب أخذ الدروس اللازمة من التجارب و الملاحم التاريخية و الإطلاع على الفلسفات السياسية و الحركات الاجتماعية و الحضارات المتنوعة.

الحضارة اليونانية القديمة : سقراط – أفلاطون – أرسطو

يعتبر المنهج السقراطي ” بيداغوجيا التوليد” في الوصول إلى المعرفة بتحليل المشكل إلى عدة أسئلة توصل إلى معرفة الحقيقة بواسطة الحوار، ويرى أقلاطون مؤسس أول معهد للتعليم العالي في العالم ” أكادمية أثينا “، المدينة الفاضلة من أهم أحلامه و التي يحكمها الفلاسفة و تكون فيها الحياة مثالية، مدينة أساسها الانسان نفسه. أما أرسطو فهو يعتبر مؤسس “علم المنطق” و قد تلقى تعليمه في “أكاديمية أثينا”، و يشترك مع أفلاطون معلمه في تمثيل العصر الذهبي للفلسفة اليونانية. فقد قال عنه ماركس “أقدم مفكري العصور القديمة “.
إن تأثير هؤلاء الفلاسفة في نحت معالم الحضارة اليونانية ضمن حكم المدينة أو دولة المدينة، قد ساهم في تكوين المواطن الذي تقوم علاقته بالأمر على أساس الحوار وتشابك المصالح. ومعرفة هذه الفلسفة و الحضارة معا يؤسس لعلاقات اجتماعية مبنية على الحوار و الرغبة في التعايش السلمي.

الثورة الأمريكية : جورج واشنطون – جيفرسون – لينكولن

إن أسباب الثورة الأمريكية على المستعمر الأنقليزي هي في تسليط الضرائب والاداءات على سكان المستعمرات و رهنها للدولة المركزية. وقد انطلقت بتوقيع 13 ولاية على وثيقة الاستقلال عن أنجلترا وأنتهت قي 1781 بانتصار الأمريكيين.وتم الاتفاق على وضع دستور الولايات المتحدة الأمريكية والتصديق عليه في 1788. وقد ترك “جورج واشنطون” و”جيفرسون” بصمتيهما على بنود الدستور الداعي إلى الحرية والديمقراطية والمساواة بين الجميع أمام القانون، وفصل الدين عن الدولة في إطار نظام جمهوري فيدرالي.

وتستمد مواد الدستور الأمريكي مظمونها من نظريات الفلاسفة :” توماس هوبر” و”جون لوك ” و “روسو”، وهي مبادئ الإلتزام السياسي تجاه المجتمع على أساس المصلحة الفردية والمنطق.
بعد تأسيس الولايات المتحدة، أخذت الولايات الشمالية بالنظام الصناعي فتخلت عن الرق، بينما تمسكت به ولايات الجنوب القائم اقتصادها على الزراعة. وأصر البيض الجنوبيون على إبقاء الجيل الجديد من الزنوج في الرق بعد منع استيراد العبيد. وكانت هذه أهم أسباب الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب، التي انتهت بالإعلان الشهير لـ”أبراهام لينكولن” في 1862 على تحرير العبيد. وقد اعتبر بعض المؤرخين أن الثورة الأمريكية لم تكتمل ولم يكن لها من معنى دون هذا الإعلان.

الثورة الفرنسية : فلسفة الأنوار
ظهرت في القرن 18 حركة فكرية في أوروبا و في فرنسا على وجه الخصوص، اتخذت من الإنسان و حقوقه أساسا لمشاغلها في المجال الإنساني والسياسي و العلمي، وجعلت من العقل أداة للتمييز بين الأشياء والعمل على بناء مجتمع جديد يقوم على الديمقراطية والحرية والمساواة.

فقد ساهم “فولتير” و”مونتسكيو” في بلورة فكر عقلاني، ومناهضة الأنظمة الإستبدادية، وقد سعى “جون جاك روسو” إلى وضع أسس مجتمع جديد ودعا إلى قيام نظام ديمقراطي يستمد سلطته من الشعب ويقوم على التعاقد بين الحاكم والمحكوم وبين أفراد الشعب فيما بينهم ( العقد الإجتماعي).

في أواخر القرن 18 و بالتحديد في سنة 1789 اندلعت الثورة الفرنسية ورفعت فيها مبادئ التنوير منها المساواة في الحقوق والمواطنة. وتم فيها إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 1792 في فرنسا. تلتها مجازر 1793-1794 عند استيلاء “روباسبيار” على السلطة وقد ذهب ضحيتها قرابة الأربعين ألف مواطنا فرنسيا، ثم عودة النظام الملكي ووصول “نابوليون” إلى السلطة. وتلتها عودة الجمهورية فالملكية حتى اندلاع ثورة العمال و الفقراء والمهمشين في 1871 الذين أسسوا لنظام حكم جديد فأنتخبوا المجالس البلدية التي شكلت “كومونة” لتحكم مدينة باريس لكن سرعان ما تم الإنقلاب وعليها وأغرقت في الدماء.

بين انطلاق الثورتين الأمريكية والفرنسية زمن قصير، و يظل تمثال الحرية في نيويورك، الذي أهدته فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1886 في الذكرى المائوية للثورة الأمريكية، رمزا لكونية المبادئ الإنسانية، مبادئ الحرية والمساواة. وتعبيرا عن تلاحم النضال في جميع البلدان من أجل تلك المبادئ، والتوق إلى عالم جديد خال من الظلم الحروب وإلى مواطنة كونية يشعر معها الإنسان باعتزازه بالإنتماء إلى هذا العالم الرحب في عمقه التاريخي وبعده الإنساني.

المواطنة والعمل : فلسفة العمل

يقول “ماركس” :” الإنسان أدرك نفسه من خلال عمله”. فالعمل هو الذي أنتج إنسانية الإنسان وجعله متميزا عن الحيوانات الأخرى، والعمل هو الذي مكن الإنسان من أن ينتصب كقوة منتجة، لا لكي يحمي بقاءه وبقاء نوعه فقط، بل لكي يحفظ أيضا بقاء الأنواع الأخرى ولكي يحفظ الطبيعة نفسها. فنحن لا نعيش في طبيعة طبيعية و إنما في طبيعة من إنتاج الإنسان نفسه. ونعود إلى ماركس مجددا في قوله :” الحيوان لا ينتج إلا لذاته في حين أن الإنسان يعيد إنتاج الطبيعة ذاتها”.

وبالنظر إلى أهمية وقيمة العمل في الحضارات الإنسانية القديمة والحديثة ودوره في تحقيق الذات الإنسانية وفي خلق التوازن بين حاجة الإنسان إلى غيره وحاجة الغير له، في إطار تحقيق حرية الجميع، وبناء علاقات أفقية مبنية على أساس تبادل حر للقيم المادية و المعرفية التي ينتجها كل فرد او مجموعة، حيث لا قيمة لأنسان لا يعمل ولا مستقبل لمجتمع لا ينتج.

وفي الختام ليس لنا من خيار سوى أن نطرح على أنفسنا نحن شعوب الشمال الإفريقي والشرق الأوسط السؤال المحرج التالي : هل بإمكاننا الإندماج في الحضارة الكونية ؟ هل من الممكن أن نصبح مواطنين كونيين ؟
رغم كل ما أنتجته الحضارة الإسلامية من فلاسفة ومفكرين من امثال : ( الغزالي و ابن رشد وابن طفيل والفارابي وابن سينا وابن خلدون…) فالبون لا يفتأ يتسع بيننا وبين بقية شعوب العالم و لا يخفي العديد من المفكرين تخوفهم من كون المسلمين غير قادرين على المساهمة في التأسيس لحضارة ومواطنة كونية دون فصل الدين عن الدولة، فالمسلمون ينظرون إلى العالم من خلال أنفسهم.

فإلى أي مدى يصح هذا القول ؟
وهل يمكن للمسلمين أن يصبحوا مواطنين كونيين و الحال على ماهو عليه الآن ؟؟؟