المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

hassen-zargouni-reconciliation

بقلم شكري بن عيسى،

لم اشاهد سوى اليوم الحلقة الاولى التي بثت الخميس الفارط مساءً على قناة “الحوار التونسي” من برنامج “اليوم الثامن”، الذراع الاعلامي النافذ للنداء، هذا البرنامج الذي فقد كل مصداقية خاصة بعد فبركة منشطه البلومي لفيديو المرزوقي بالاشتراك مع اداة التشويه نورالدين بن تيشة ووظيفة البوليس الايديولوجي سفيان بن حميدة، ولكن تمت التضحية بالاخير لتحقيق الاستمرار.

والاستمرار ايضا تطلب مجهودا اضافيا باعتماد اليات جديدة للمغالطة، والتضليل، اهمها “استبيانات الراي العام”، هذه الالية الفعالة لخلق وتوجيه الراي العام، عن طريق التركيب والتحيل ومونتاج الارقام، وفخ الاسئلة والمباغتة، وبالطبع فالزرقوني عن طريق مؤسسته سيغما كونساي “الرائدة” في عهد المخلوع في تزويق نظامه (وهي التي اسندت لابنة بن علي اول سيدة اعمال)، هي الاختيار “الامثل”، اضافة الى “انتداب” احد ابرز “كلاب الحراسة” للسلطة على حد توصيف “بول نيزان” محمد بوغلاب، الذي يعتمد التمويه وكل اساليب الاثارة في طريقة مغالطته، وهو الذي نال رضا “افريكوم” وحتى السعودية ويحصد الجوائز والمكارم من “ارقى” المستويات.

وانتظرت الحقيقة اعتماد طريقة “المونتاج” في “استبيان” الزرقوني المضلل، ولكني لم اكن اتصور ان “كفاءة” الرجل ستصل الى هذا الحد، فالرجل لم يكتف بطرح الاسئلة الموجهة، واختيار الشريحة على طريقته، وجمع الاجوبة كما يحلو له، والانتقاء المعتاد، واخراجها بالشكل المعد سلفا، وعدم الاشارة الى نسبة من رفضوا الاجابة العالية لمعرفتهم بعدم مصداقية مؤسسته المسيسة، الرجل قلت لم يكتف بذلك، وانتقل الى “تفسير” ما استعصى على الشخص المستجوب من فهم، لاقتناص الجواب المرجو.

و”الكفاءة” ظهرت عالية وعالية جدا، اذا بعد استبيان “امرود كونسيلتينغ” المعروضة نتائجه هذا الاسبوع، والذي يظهر ان نسبة معارضة مشروع قانون ما يزعم انها مصالحة لا تتجاوز 33%، مَن تمكن من حيازة رئاسة لجنة تنظيم بطولة كرة السلة الافريقية وهو الذي لا رابط له بالمجال، تمكن من ايصال نسبة “المساندين” لمشروع قانون تبييض الفساد وتحصين الفاسدين الى 70%، مع الاشارة الى ان استبيانه في المنطلق لم “يعثر” سوى على 10% او ينقص اطلعوا على هذا القانون المقترح، اغلبهم بصفة جزئية!

ولكم ان تتخيلوا الامر كيف وافقت كل هذه النسبة على مشروع قانون النهب، اذ تولى عبر اعوانه “شرح” القانون المستعصي على مستجوبيه، بتقديم “خلاصة”، و”تفسير” الابواب (وهي غير موجودة اصلا في مشروع القانون كما ادعى)، والتركيز خاصة ليس على العفو والتبييض الذي سيشمل الفاسدين بل اساسا على المصالحة (المزعومة) وعائدات القانون (الوهمية) التي ستنتفع بها الجهات (دائما في الاوهام)!

و”فارس الارقام” اكد ان اعوانه قدموا للمستجوبين خلاصة للقانون وكانوا “اوفياء لروحه”، ولا ندري حقا هل تم كل استجواب في ساعة او يزيد من ناحية، وما هي قدرات اعوان الزرقوني من المختصين في الاحصاء والطرق الكمية في احسن الحالات للحديث والتفصيل في المجال القانوني وبوفاء لـ”روح” القانون ايضا، ثم كيف ان الصدفة “وحدها” هي التي جعلت الجميع (70%) يقتنعون بمشروع القانون بعدما كانوا غير مطلعين عليه بالمطلق!

والحقيقة انه لا غرابة في مشهد الفوضى القانونية الوطني ان نرى مثل هكذا ممارسات اجرامية في حق الحقيقة وتزييف الوعي والتحيل ونشر الاشاعات، ففي ظل غياب اطار تنظيمي تشريعي للاستبيانات، وغياب كل رقابة في الصدد، وعدم وجود عقوبات ادارية وجزائية رادعة وزجرية، فما يسمى استبيانات لن يكون سوى في اطار البلطجة وخدمة لوبيات المال والسياسة، فلا معايير حرفية، ولا حياد، ولا استقلالية، والحقيقة اليوم باتت مزهوقة على الارصفة، والبلاتوهات المفبركة، دون حسيب ولا رقيب، والمصلحة الوطنية تكون حينها، طبعا، الخاسر الاكبر!