وطالبت الـ 15 جمعيّة ومنظّمة، رئيس المجلس ومختلف الأحزاب السياسيّة باتّخاذ مواقف واضحة ضدّ هذا المقترح. وقد شهدت الندوة مفاجأة تمثّلت في حضور النائبة مليّح، عن حزب نداء تونس، الندوة الصحفيّة وطلبها الكلمة للردّ على ما وصفته بـ”المغالطة والتجنّي”.

الوثيقة المُسرّبة

الخلاف بين رئاسة مجلس نوّاب الشعب وبعض مكوّنات المجتمع المدني ليس بالحديث. إذ سبق للطرفان تبادل الاتّهامات بـ”الإساءة” مقابل “المنع“. إلاّ أنّه طفى على السطح مجدّدًا إثر تسريب المقترح المذكور، والذي عنونته النائبة المليّح بـ”مقترح حول قبول ممثلي المجتمع المدني بمجلس نوّاب الشعب”.

doc_mlayeh

وتتهمّ مكوّنات المجتمع المدني صاحبة الوثيقة بعدم التشاور بخصوص هذه المقترحات. تدافع مليّح عن نفسها بتأكيدها أنّ الوثيقة هي نتيجة لمشاورات أجرتها مع عدد من الجمعيّات، إلاّ أنّ أًنس بن عبد الكريم، رئيسة جمعيّة بوصلة، المتخصّصة في مراقبة أشغال البرلمان، نفت ذلك قائلة: “سمعنا بها في وسائل الإعلام، ونحن من بادرنا بالاتصال بالنائبة المليّح”.

وفيما يخصّ مضمون الوثيقة توضح أنس بن عبد الكريم أنّ نيّة الإقصاء تبدو جلّية من النقطة الأولى التي تنظمّ حضور مكوّنات المجتمع المدني في “الجلسات العامّة المخصّصة لمناقشة مشاريع القوانين”. إذ أنّ ذلك يعني ضمنيًا “عدم السماح لها بحضور الجلسات المخصّصة لمساءلة الحكومة”. كما نبّهت رئيسة بوصلة من “الإقصاء الضمني للمجتمع المدني” من خلال التنصيص على “اقتصار حضور وسائل الإعلام ودائرة الاتصال بالمجلس” واعتباره كافيًا لاحترام “مبدأ علنية جلسات اللجان”.

بَيْد أنّ مليّح تردّ على هذه المخاوف بتنويهها إلى اقتراحها في الوثيقة “قبول المجتمع المدني باللجان في إطار جلسات للاستماع إلى مقترحاتها”. إلاّ أنّ جمعيّة بوصلة اعتبرت في بيان سابق أنّ ذلك يدخل في ” إطار العمل المشترك بين النواب وما يمكن أن تقترحه مكونات المجتمع المدني” ولا يصبّ في خانة احترام مبدأ علنية أشغال المجلس.

معايير اختيار الجمعيات

يترك نصّ الوثيقة الباب مورابًا أمام إمكانية حضور ممثّلي المجتمع المدني أعمال اللجان “إذا تمّ إقرار دخولهم”. وهنا تبرز مسألة خلافية أخرى تتمثّل في المعايير التي سيتمّ اعتمادها لاختيار هؤلاء الممثّلين.

تذكر مليّح عددًا من المعايير، أهمّها: “التقرير المالي والأدبي لكلّ جمعيّة لمعرفة مصادر تمويلها؛ وموضوع نشاطها”، الذي بموجبه يجب أن تتقدّم بمطلب للجنة ذات الصلة بهذا النشاط، حتى تحضر أشغالها.
وهو ما تستغربه الجمعيات المعترضة، إذ ترى أنّه “يجب الاكتفاء بالشروط والمعايير التي يتضمّنها قانون الجمعيات”، كما تحاجج أُنس عبد الكريم.

ولم ترَ النائبة عن حزب نداء تونس، في إجابة على سؤال لنواة، أنّ الانسجام يفرض مطالبة الأحزاب المكوّنة له بالكشف عن تمويلاتها؛ “فهي تقوم ذلك بالفعل”، حسب تعبيرها.

نقطة أخرى ذي صلة تثير الجدال: كيفيّة اختيار المجلس للجمعيات التي ستمارس الرقابة عليه؟ إذ تشرح النائبة مليّح أنّ الأمر سيعود إليها بصفتها مكلفّة بالعلاقات مع المجتمع المدني، وسيساعدها في ذلك “عدد من الإداريين ذوي الخبرة، إضافة إلى بعض ممثّلي المجتمع المدني”. إلّا أنّ محمّد كمال الغربي، رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقاليّة، يرى أنّ ذلك قد يؤسّس لـ”تصنيف خطير: مجتمع مدني متمرّد ومجتمع مدني موالٍ”.

ويدلّل الغربي على صحّة مخاوفه بأنّه في الوقت الذي تتشاور فيه مساعدة رئيس المجلس بخصوص هذه الوثيقة مع عدد من الجمعيات التي تربطها بها “علاقة مباشرة”، حسب وصفه، لم تردّ الأخيرة على طلب الشبكة حضور مداولات المجلس منذ جانفي 2015، “رغم التذكيرات المتعدّدة”. ونفس الأمر ردّده ممثّلو عدد من الجمعيات الأخرى، منها جمعيّة أنا يقظ وجمعية صوت نفزاوة بقبلّي.

التبرير اللوجستي

و تقدّم المليّح سببًا آخر لتبرير ضرورة تنظيم حضور منظمات المجتمع المدني، هو: “ضيق القاعات التي تجري فيها أشغال اللجان”. إلاّ أنّ ممثّلي المنظمات يرفضون هذا التبرير اللوجستي، مؤكّدين على استعدادهم تقديم مقترحات لتجاوزه، بما في ذلك “التداول بين ممثّلي المنظمات”، كما تقول بن عبد الكريم.

ويعتقد محمّد الغربي، رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانقاليّة، أنّه يمكن تفهّم وضع شروط “موضوعيّة ومعقولة”، مثل إثبات ممثّلي الجمعيات لهويّاتهم أو ملئهم قصاصات تسجيل، لكنّ جوهر الموضوع يتمثّل برأيه في وجوب “عدم التمييز بين الجمعيات لأسباب سياسية أو غيرها”.

في ظلّ علاقات تتسّم بضعف الثقة بين ممثّلي المجتمع المدني ورئاسة المجلس، ترى أُنس عبد الكريم أنّ تنقية الأجواء تتطلبّ “تأكيد المجلس ورئيسه أنّه لا تراجع على مبدأ علنية أعماله، أمّا المشاكل اللوجستيّة فيمكن حلّها، ونحن على استعداد لتقديم اقتراحات إضافية في هذا الصدد”.