فيما كانت الأنظار مركّزة على ما بثّته القنوات التونسيّة، كان موقع العمليّة الإرهابيّة يسجّل انتكاسة أخرى طالت المهنيّين الميدانيّين الذّين تعرّضوا للضرب والتنكيل من قبل قوّات الأمن المنتشرة في المنطقة ومُنعوا من أداء واجبهم المهنيّ في نقل الصورة والمعلومة.
الإعلام ضحيّة أخرى للإرهاب
التوتّر كان على أشدّه في محيط موقع الحادث الارهابيّ، خصوصا مع تجمهر عدد من المواطنين لمتابعة عمليّة إجلاء الضحايا واضطرار الصحافيّين ممارسة عملهم في وسط تلك الفوضى العارمة. الاعتداءات الأمنيّة انطلقت منذ اللحظات الأولى عندما حاول أعوان الأمن إبعاد النّاس عن موقع الحادث، ليتعرّض مجموعة من الصحفيّين إلى الضرب والمطاردة.
لكنّ تلك الاعتداءات تكرّرت لثلاث مرّات متتالية، رغم سعي الصحفيّين إلى تنظيم أنفسهم خلال التغطيّة والابتعاد قدر الإمكان عن مكان تجمهر المواطنين والتقيّد بالتعليمات الأمنيّة واحترام مسافة السلامة وتجنّب الاقتراب من الحواجز، ولكن استفزازات واعتداءات أعوان الأمن كانت تستهدفهم دون غيرهم.
عمليّة التغطية وتقصّي المعلومات كانت شبه مستحيلة طيلة الساعات الأربع التالية للحادثة الارهابيّة نظرا لغياب أيّ مسؤول امنيّ أو ممثّل لمكتب الإعلام في وزارة الداخليّة.
عمليّات الإعتداء التي طالت أكثر من ثلاثين صحافيّا تمتّ على أيدي أعوان بالزيّ المدنيّ في أغلب الحالات، وقد شملت الانتهاكات عمليّات تعنيف جسدي ولفظيّ وصلت حدّ إصابة الصحفي مكرم الهداجي بقناة الجنوبيّة بكسر في يده ونقل آخرين إلى المستشفى بعد إصابات على مستوى الكتف والساق على غرار رمزي حفيظ الصحفي بقناة “دبي تي في” وأسماء البكوش الصحفية بـ “الاذاعة الثقافية”، وتعرّض الصحفي بإذاعة تونس الدولية عدنان الشوّاشي إلى الاعتداء بالغاز في وجهه من قبل أحد الأعوان. كما تمّ تحطيم العديد من المعدّات وإتلاف الموّاد المصوّرة بعد مطاردة الصحافيّين ومحاولة افتكاك معدّاتهم وإيقافهم على غرار رمضان سليمي مصوّر قناة شبكة تونس الإخباريّة الذّي تمّ إيقافه لمدّة نصف ساعة واتلاف المادّة الإعلاميّة التي كانت بحوزته.
تبرير العنف
عقب العمليّة الإرهابيّة والتجاوزات التي حصلت في حقّ المهنيّين، حاول عدد من الحاضرين في الحوارات التلفزيّة من نقابيّين أمنيّين وحتّى من الإعلاميّين والمحلّلين التخفيف من خطورة ما حصل وتبرير عملية أستهداف الصحافيّين المتواجدين في منطقة الحادث بدعوى الظرف النفسيّ وحالة الفوضى وأولويّة التركيز على أبعاد الحادث وخطر الإرهاب. في حين كان واضحا أنّ الاعتداءات كانت مقصودة منذ البداية وتستهدف الصحافيّين رغم استظهارهم ببطاقاتهم المهنيّة وسعيهم لمراعاة الظرف الدقيق في تلك اللحظات والتغاضي عن استفزازات الأعوان.
الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري أصدرت بيانا في اليوم التالي، تضمّن توصيات للصحافيّين من قبيل «وجوب ضبط النفس والتحلي بأقصى درجات المهنية والتعامل بعقلانية ومسؤولية مع هذه الأحداث وعدم التهافت والتسرع لتحقيق السبق لضمان عدم تحول العمل الصحفي إلى مصدر للإشاعة». و «ضرورة عدم السعي وراء السبق الصحفي عبر النقل المباشر للأحداث بما من شأنه أن يهدد سلامة الاشخاص ويضر بحسن سير العمليات الأمنية والأبحاث، ويستحسن عدم تصوير الفرق الأمنية أثناء أداء مهامها والاقتصار على ما هو ضروري لضمان حق المواطن في المعلومة». دون أن تشير إلى الاعتداءات التي طالت الصحفيّين أو التثبّت من ملابسات ما حدث في موقع الحادث رغم الصور والمقاطع التي وثّقت الاستفزازات والتعنيف اللفظيّ والجسديّ.
ردّ النقابة الوطنيّة للصحافيّين التونسيّين جاء بعد ساعات قليلة عبر بيان ندّد بالعمليّة الإرهابيّة التي استهدفت أعوان الحرس الرئاسيّ، كما أدانت “الاعتداء الهمجيّ” على الصحافيّين معتبرة أنّ الهجمات الإرهابيّة لا تبرّر تعنيف الصحافيّين والمصوّرين، وقد حذّرت النقابة في نفس البيان من
استغلال الحرب على الارهاب والعمليات الإرهابية للتضييق على عمل الصحفيين ووسائل الإعلام، واعتبرت انه لا يمكن مواجهة الارهاب والتطرف في ظل انتهاك حقوق الانسان والحريات الاساسية وأهمها حرية العمل الصحفي.
دون أن تغفل تنبيه المهنيّين الى «ضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية في تغطية العمليات الإرهابية وعدم نشر صور ومشاهد من شأنها ان تخدم الارهاب أو تمس من معنويات القوى الامنية والعسكرية». وقد تعهّدت النقابة بتجميع ودراسة جميع الصور والمقاطع المصوّرة التي تتضمّن وقائع الاعتداء على الصحافيّين وتتبّع المعتدين قضائيّا.
بدورها نشر مركز تونس لحريّة الصحافة يوم الأربعاء 25 نوفمبر بيانا استنكر فيه الانتهاكات التي طالت الصحافيّين مساء يوم الثلاثاء كما نشرت قائمة مفصّلت تضمّنت أسماء الصحافيّين الذّين تعرّضوا للتعنيف إضافة على ملابسات الاعتداءات والإصابات التّي تعرّضوا لها.
الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الانسان أصدرت بيانا مساء يوم الأربعاء 25 نوفمبر 2015، أدانت من خلاله التعامل الأمنيّ مع الصحفيّين، كما استنكرت «المغالطات المقصودة للرأي العام التّي تستهدف نشطاء حقوق الإنسان والحقوقيين ودعوات للاعتداء على حريات الشعب التونسي وحرية العمل النقابي» بدعوى مقاومة الإرهاب. هذا واعتبرت الرابطة أنّ هذه «الممارسات المشبوهة» ستكون نتائجها وخيمة لما قد تسبّبه من «بعث البلبلة لدى الشعب التونسي والتغطية عن الأسباب الحقيقية في تنامي وانتشار الإرهاب المتمثلة في غياب إستراتيجية وطنية تشرك الجميع ويشاركون فيها ولا تقتصر فقط على حلول أمنية أثبتت قصورها في مقاومة الإرهاب».
وقد حمّلت الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان المؤسّسات الإعلاميّة التيّ بثّت مثل هذه الخطابات المسؤوليّة عن ترويج «هذه المغالطات المنافية لمبادئ حقوق الإنسان والحريات والدستور ودولة القانون والمؤسسات». كما دعت هذه الأخيرة «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لمتابعة الموضوع واتخاذ الإجراءات القانونية التي تخوله لها صلاحياتها للسهر على تحقيق مشهد إعلامي يحترم الدستور والقانون ويؤمن المناعة من رجوع الاستبداد».
لا نستغرب تكرر هذه الاعتداءات طالما لا تتوجد اية اردة لتغيير العقيدة الامنية عقيدة تقوم على احترام حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة وذلك لسببين الاول يعود الى بطء الاصلاحات بالمؤسسة الامنية ان لم نقل انعدامها اصلا والثاني الى العقلية المتسلطة للامني التي بقيت راسخة داخله وطالما انه لم يخضع الى اعادة التاءهيل ليستوعب مفاهيم حقوق الانسان وقداسة الحريات والضوابط لتنظيمها والغريب ان هذه الاعتداءات مع تكررها كل مرة توحي بعودة القمع الممنهج للحريات فهي ليست انفلاتات فردية كما تريد ان توهمنا المؤسسة الامنية والدليل على ذلك تكررها بسبب وبدون سبب وهذا لن يؤدي سوى الى توتر العلاقة من جديد بين الامني والمواطن خلنا انه اندثر للابد بالنظر الى التصريحات الرنانة للامنيين في هذا المجال انه على المؤسسة الامنية مراجعة استراتيجيتها لان الشعب التزنسي غير مستعد باي حال من الاحوال الى التنازل عن اهم مكسب حققه بعد الثورة الا وهو الحرية فالحرية لا يمكن ان تكون عاءقا امام مكافحة الارهاب كما يلوح بذلك البعض بل القمع هو ما ينتج الارهاب