بقلم حسان المبروكي، طالب بكلية الحقوق،
“لماذا يُعتبر باديو روسوياً ” هو مقال من كتاب الفلسفة في الحاضر يشرح فيها سيمون كريتشلي، الفعل السياسي عند باديو “السياسة عند باديو” “حدث زائل”، إنها الفعل الذي يعلن فيه الشعب عن وجوده و يمضي قدماً. أي أن “النضال السياسي قتال ضارٍ لتنظيم قوة شعبية موحدة”، حسب تعبير باديو. فالسياسة عنده هو ذلك الفعل الذي يتمكن من خلاله الهامش من إقتحام المركز، تعلن من خلاله الأغلبية اقتحامها للمناطق المحرمة و كسر الخطوط الحمراء التي وضعت لها قسراً، إذاً فإن الفعل السياسي من هذا المنظور هو اختراق الذي تقوم بواسطته جماعة ما بالقطع مع الوضع عبر حفر ثقبٍ فيه.
من يتابع الشأن العام في تونس بعد 14 جانفي 2011 يدرك أن المعركة بين فعلين متناقضين. الأول، يسعى إلى عزل الحركة الجماهيرية و اقصائها من دورها في الفعل، و العودة بها إلى مربع ما قبل الإنتفاض من خلال إخراج الناس من حلبة الصراع السياسي و تحييدهم. و الثاني، البقاء في موقع الفاعل المسؤول الذي يقيم المهمشين إجتماعياً و سياسياً، بإعلان وجودهم من خلاله، فتنطلق بين الفينة والأخرى حركات احتجاجية لتعبر عن الفعل الذي تمارسه السلطة السياسية والذي يحصر المعركة في إطار الشكل السياسي للدولة (إعداد دستور، إنتخابات، تكوين هيئات دستورية .. ألخ)، خاصةً وأن احزاب المعارضة هامشية في ذيلولة الحركة الإحتجاجية، فاقدة لأدوات الفعل السياسي (المبادرة، قراءة تطورات الأحداث، الفعل في الواقع).
هذا ما جاء في الحراك القائم في تونس جراء إستشهاد الشاب رضا اليحياوي، و الذي توسع (الحراك) في الجغرافيا ليشمل أغلب المدن المهمة، و يعبر في نفس الوقت عن طابعه المطلبي الإجتماعي منسجما في ذات الوقت مع الظرف الإجتماعي القائم لغالبية الناس، الرافضين للإقصاء السياسي- الإقتصادي المعتمد من قبل مسؤولي البلد، والذي وضع السلطة السياسية والأحزاب الحاكمة في مأزق لغياب الحلول :
أولاً، و ذلك لأن أي إجراء لا يتم إلا من خلال إتخاذ حلول مؤلمة ضد حلفائهم المحليين و الأجانب.
ثانياً، لأن الناس لم تعد تكترث للوعود الزائفة والكاذبة من قبيل خلق مواطن شغل والوعود بالتنمية والإستثمار … إلخ.
ثالثاً، إن هذه الحركة تعيد النظام والحركة الإحتجاجية إلى المرحلة الأولى من الإنتفاض تسقط من ورائها 5 سنوات من الحيل و الأكاذيب والأوهام، و تعلن نهاية محاولات الإستيعاب، إما من خلال المعارك الهووية أو من خلال التخويف من الفراغ الأمني، أو وهم التغيير من البرلمان للوضع المعيشي المدقع.
رابعاً، الخوف من تدخل الأطراف السياسية على الخط لتحويل المعركة من بعدها الإجتماعي – المطلبي (الشعارات) إلى البعد السياسي الأشمل (بيان حركة النهضة على سبيل الذكر حول التحركات في مدينة القصرين).
إذاً، فإن الفعل الثوري في تونس هو تنوير، نحشد عناصره ببطء، حسب تعبير ألان باديو، على كل من يريد الإنخراط فيه والإرتقاء به نحو أفق أبعد و أشمل عليه أولاً تنظيم هذه القوة الشعبية نحو أهداف سياسية معينة دون السقوط في الثورجية والرغباوية، أي عدم طرح شعارات لا يمكن انجازها تسقط الحركة في يوتوبيا حالمة تبعدها عن اهدافها الرئيسية.
ثانياً، الإرتقاء بالشعارات نحو طرح حلول سياسية تكون سلاح بيد الناس للمطالبة بالتغيير (النظام الضريبي”الترفيع في الضريبة عن الثروة”، توزيع الأراضي الدولية، تعليق المديونية، منحة للعاطلين إلخ …)، وهذا ما طرحه على سبيل المثال الصديق صلاح الداودي في نص بعنوان “من أجل نموذج انتفاضي نجاح في القصرين” والذي طرح 4 نقاط أساسية تساهم في إيجاد خريطة طريق كأفق للنضال في سياق تطوير الحركة الإحتجاجية من جهة والخروج من المقاربة الطوباوية للقضايا الإجتماعية من جهة أخرى.
أخيراً إن النضال اليوم هو آلية تمكن من إخراج النخبة السياسية التقدمية من عزلتها الإختيارية وخروج الناس من عزلتهم الإضطرارية، من خلال ادخالهم في المعركة السياسية عبر تسليحهم بمشاريع سياسية آنية وعاجلة.
iThere are no comments
Add yours