هل نحتاج إلى اصلاح المنظومة الاقتصاديّة أو تبديلها لتحقيق العدالة الاجتماعيّة؟

تحت عنوان ”العدالة الاجتماعية: بين إشكاليات الفجوات الاجتماعية وأطروحات الاقتصاد البديل“، عقدت مؤسّسة روزا لكسمبورغ بمقرّها في تونس يوم 31 مارس الفارط، ندوة تحت عنوان ”العدالة الاجتماعية: بين إشكاليات الفجوات الاجتماعية وأطروحات الاقتصاد البديل“ استضافت عددا من الباحثين الاقتصاديّين على غرار المفكّر اليساري سلامة كيلة، والأكاديمي والأستاذ الجامعي اللبناني جلبير أشقر، الباحث الاقتصادي والصحفي المصري وائل جمال والأستاذ الجامعي والنائب في مجلس الشعب التونسي فتحي الشامخي إضافة إلى ثلّة من المفكّرين والكتّاب العرب اليساريّين.

تناولت هذه الندوة أسباب التفاوت الاجتماعيّ والطبقي في العالم العربيّ والنموذج الاقتصاديّ السائد، إضافة إلى البحث عن ملامح الاقتصاد البديل القادر على معالجة الظلم الاقتصاديّ والفئويّ خصوصا بعد فشل التغيير السياسيّ في عدد من البلدان العربيّة في تغيير المنظومة الاقتصاديّة نحو أخرى قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعيّة التّي كانت المطلب الرئيسيّ للجماهير الثائرة.

الحريّة السياسيّة تطغى على البعد الاقتصادي والاجتماعي

لن يُشبع الجماهير الجائعة أي قدر من الحريّة السياسيّة. فلاديمير اليتش لينين

تناولت الندوة على لسان جلبير أشقر مسألة التغييرات التي أحدثتها التحوّلات السياسيّة الأخيرة في الدول العربيّة على المستوى المعيشيّ للمواطن، ومسالة الحريّات. حيث فشلت القوى السياسيّة اللاحقة في تحقيق المسار المتلازم بين تدعيم الحريات والتنمية الاقتصاديّة.

هذا الفشل، أو العجز عن احداث التغيير الملموس في الاقتصاد المحليّ، ناجم بحسب المتحدّثين عن تبنيّ نفس الخيارات الاقتصاديّة السابقة والتي أثبتت افلاسها وكانت القادح الاساسيّ لانتفاضات الربيع العربيّ. حيث أكّد الباحث والأكاديمي اللبناني فوّاز طرابلسي أنّ تحقيق تقدّم على مستوى تدعيم الديمقراطيّة وضمان الحريات الاساسيّة لم ينجح في حجب استمرارية المظلمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة وترسيخ حالة اللا مساواة الطبقيّة في المجتمعات العربيّة. فأساس العدالة الاجتماعيّة بحسب المتدخّل تكمن في ضمان حقّ جميع الأفراد في التوزيع العادل للثروة وفائض الإنتاج. بمعنى آخر، فإنّ تغيير النظام لم يُسقط المنظومة الاقتصاديّة القائمة التّي ركّزت امتلاك وسائل الإنتاج ضمن دائرة مغلقة من أصحاب المصالح والثروات، والذّين تمكّنوا من تكييف العمليّة السياسيّة لتستمرّ بضمان مصالحهم الاقتصاديّة، سواء عبر تمويل القوى السياسيّة المتنافسة، أو لعب دور مباشر في آليات التشريع واتخاذ القرار.

الاقتصاد الريعي: الإنتاج للآخر

اقتصاد يهدم الإنتاج كي يبني المطاعم والفنادق… محمود درويش

المفكّر اليساري سلامة كيلة تناول خلال مداخلته البنية الاقتصاديّة المعتمدة في دول الثورات العربيّة. حيث أكّد أنّ المشكلة تكمن في النمط الاقتصادي الريعي الناجم عن السيطرة الامبرياليّة الطويلة على دول المنطقة. وهو ما حدّ من قدرة الاقتصاديات العربيّة على خلق الثروة وتنويعه مصادرها.

إذ أدّت الخيارات الاقتصاديّة للحكومات العربيّة القائمة على الخصخصة في مناخ سياسيّ واقتصادي فاسد، إلى نتائج كارثيّة على الصعيد الاجتماعيّ وتهميش قطاعات بأسرها وانهاء القدرة على الإنتاج. هذا التمشّي أدّى إلى خلق اقتصاد ريعي هامشي قائم على قطاع الخدمات المرتبط بالخارج. لينبّه سلامة كيلة في نهاية مداخلته على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار التركيز على الصناعة والفلاحة كمدخل لتأسيس الاقتصاد البديل القادر على انتاج الثروة وتحقيق التنمية المنشودة.

النيو ليبراليّة كانت احدى محاور مداخلة الباحث الأكاديمي جلبير أشقر، حيث أكّد ارتباطها العضوي بالعولمة الاقتصاديّة باسم الحريّة وتعارضها بمفهومها الحالي مع مبدا السيادة المحليّة وقيامها على نسف قدرة الدول على التصدّي لرأس المال العالمي. ليستطرد شارحا انّ الحريّة لا تستقيم بين دول تملك السيادة على اقتصادها ووسائل انتاجها، ودول ما زالت خاضعة للسيطرة الامبريالية على ثرواتها وتمّ اخضاعها قسرا لتبنّي المنظومة الاقتصاديّة الرأسماليّة. في هذه الحالة يرتبط اقتصاد الدولة بموجبها بنمو وتوسع اقتصاد آخر.

جلبير أشقر

الاقتصاد البديل لتحقيق العدالة الاجتماعيّة

الباحث الاقتصادي والصحفي المصري وائل جمال تناول في مستهلّ مداخلته محور العدالة الاجتماعية. ويقصّد بهذا المصطلح انهاء الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة اجتماعيا بين الأفراد والجماعات والجهات داخل الدولة.

الخيارات المتاحة بين البدائل والبديل، كان الجزء الثاني من مداخلة الصحفي والباحث المصري، حيث أشار إلى انّ الازمة الاقتصاديّة العالميّة سنة 2008 كانت القادح الاساسيّ لمحاولة الشعوب البحث عن بدائل بعد ان بلغ النظام الرأسمالي أقصى درجات الانحطاط واستنزاف الاقتصاديّات الضعيفة في دول العالم الثالث.

وقد وضّح الباحث المصري الفرق بين البدائل الاقتصاديّة والاقتصاد البديل. حيث تعبّر الأولى عن مختلف التصوّرات التي تم طرحها خلال الحركات المطلبية والنقابيّة في مختلف القطاعات، لتُصاغ عبرها برامج اقتصاديّة متكاملة. بينما يمثّل الاقتصاد البديل اطارا أوسع وأكثر شمولا من مجرّد طرح بدائل أو إصلاحات جزئيّة في المنظومة الاقتصاديّة القائمة.

وقد أشار أنّ البدائل الاقتصاديّة تظلّ عاجزة عن تحقيق تغييرات جذريّة في المنظومة الاقتصاديّة التي تكرّس التفاوت الطبقي والاستغلال الاقتصادي، نظرا لقدرة النظام السياسي على الالتفاف على هذه الإصلاحات بهدف ضمان مصالح مالكي قوى الإنتاج في إطار استمراريّة المنظومة الاقتصاديّة الرأسماليّة. وهنا يصبح الاقتصاد البديل بما يمثّله من نسف كامل للمنظومة الاقتصاديّة القائمة وتأسيس نمط جديد يغيّر التوازنات القائمة بين قوى الإنتاج وتوزيع فائضه. ليختم موضّحا أنّه لم تتبلور حتّى هذه الساعة رؤية متكاملة للاقتصاد البديل لتكون قادرة على الإجابة على كل الأسئلة.

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

2Comments

Add yours
  1. 1
    Ahmed

    Human history shows that there was pretty much no economic growth in the period between the fall of the Roman empire and the acceleration of the industrial revolution in the mid 19th century. It is estimated that growth was around 0.06% per year on average. There is no surprise that growth, widespread increase in standard of living and political and economic freedom occurred simultaneously. The failure to deliver ‘social justice’ in Tunisia is due to lack of growth. The latter is due to a messed up economy dominated by low levels of entrepreneurship, oligarchies and a dominant state. Tunisia needs more freedom, more equal opportunity and less Reliance on the state. Arguing for social justice is meaningless in a poor state. Making more people poorer will solve nothing. What is required is more wealth creation. All the speakers argue against a ‘bankrupt’ ideology, meaning liberal economies when all of the wealthy nations (with extremely high standards of living even amongst the poorest) are liberal economies and most of the poor ones are failed social dillusions.

  2. 2
    mandhouj

    يجب أن تكون هناك سيادة على التمويل حتى يمكن إصلاح الموجود أو خلق منوال جديد .. دول مثل فرنسا ، أو غيرها من الدول الغربية هي نفسها دول في حالة يرثى لها من العجز على حلحلة القضايا الاجتماعية (البطالة ، التقاعد ، الفوارق الاجتماعية الفاحشة على مستوى الصحة بين الطبقات الاجتماعية، …)، رغم أنها دول مصنعة ، تملك القنبلة الذرية ، و الكثير من الأسلحة الهدامة (للدفاع و للهجوم )، لكن ليس لها سيادة على التمويل ، و لا على الميزانية ، كل خيراتها مرتبطة بخيارات تفرضها العولمة .. الدول المصنعة اليوم تبحث عن الحلول الاجتماعية و الاقتصادية ضمن منظومة الاقتصاد المفتوح و ما يفرضه من ليبرالية حلول .. لننظر لمشروع قانون وزيرة العمل الحالية ، السيدة الخمري ، و سنفهم .. ما الحل إذا ؟ و هل الأبواب مسدودة في وجه بلد مثل تونس ؟ مقاومة الفساد في كل القطاعات -الادارة ، الضريبي ،… ، ثم التخفيض من البيروقراطية، و منظومة ضريبية جديدة تلتئم فيها عقلية التضامن مع قيمة الوطنية .. يمكن أن يعطي الدولة سيعة على مستوى التمويلات و يمكن أن نحدث اسهامات جديدة لكثير من القطاعات الفاعلة في المجتمع .. أعتقد أن بداية محتشمة لكن جدية ، للحلول ، تبدأ من هنا .. ثم البقية تأتي .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *