المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

العملة مقياس حرارة الاقتصاد و معيار موضوعي لتقييم ازدهار أو تراجع المجتمعات وتطور أو انحدار مستوى المعيشة فيها. يشهد الدينار التونسي منذ بضعة سنوات تراجاعا حادا في قيمته أمام العملات الأجنبية مما ينذر بخطر انهيار الاقتصاد التونسي و عدم قدرة الدولة على الوفاء بتعهداتها المالية مع الدائنين و كذلك عدم قدرة الشركات التونسية على تحمل أعباء توريد المواد الأولية و المعدات الصناعية و التقنية اللازمة للانتاج.

crise-dinars-tunisie

تاريخ الدينار التونسي

كانت تونس تحت الاستعمار العسكري الفرنسي منذ سنة 1881 تاريخ انتصاب ما كان يسمى بالحماية الفرنسية على الايالة التونسية. هذه الحماية أو الاستعمار كان نتيجة لعدة عوامل منها بالأساس عدم قدرة الايالة التونسية على خلاص ديونها لدى القوى العظمى و منها فرنسا التى كانت في ذلك الوقت ممتدة على كامل التراب الجزائري المجاور و في عديد المناطق الافريقية. بحكم الاستعمار العسكري، فرضت فرنسا استعمارها السياسي و الاقتصادي، فتحكمت بدواليب الاقتصاد و منها اصدار و تقييم العملة. و اصبح لتونس عملة اطلق عليها اسم الفرنك التونسي الذي أصبح العملة الرسمية لتونس منذ جويلية 1891.

franc tunisien

بعد الاستقلال، كان مهم لدولة حديثة العهد ان تتخلص من التبعية المالية و تستحوذ على أداة أساسية في السيطرة على الاقتصاد وهي أداة اصدار العملة و تحديد قيمتها. على هذا الأساس، تم اعتماد الدينار التونسي منذ نوفمبر 1958 كعملة الرسمية للجمهورية التونسي. عند اصداره، تم تقدير قيمته ب 2،115880 غراما من الذهب الخالص من طرف البنك المركزي التونسي.

ما حاجتنا للعملات الأجنبية

geld-money-currency-change

كل دولة ترغب في تطوير اقتصادها و توفير كل عوامل النمو لمجتمعها فهي تسعى دائما الى أن تتموقع في محيطها العالمي و تقوم بخلق و تطوير مبادلات تجارية و اقتصادية مع الدول الأخرى. هذه المبادلات التجارية تتمثل أساسا في تصدير السلع و التقنيات المنتجة محليا. و هنا تقوم الدولة بدفع الاقتصاد الداخلي بفتح أسواق جديدة لشركاتها في الخارج عن طريق ما يسمى بالديبلوماسية الاقتصادية و عن طريق توقيع اتفاقيات تعاون و تبادل تجاري مع الدول الصديقة. و ينجر عن هذا حركية اقتصادية و ازدهار مناخ التجارة و الانتاج، وفتح شركات و مبادرات صناعية تصديرية مما يعني خلق فرص عمل جديدة والقضاء على البطالة تدريجيا و تحسن مستوى العيش.

المبادلات لم تعد تقام على مبدأ المقايضة و تبادل السلع بما يعادلها وزنا
المبادلات لم تعد تقام على مبدأ المقايضة و تبادل السلع بما يعادلها وزنا

وهذه المبادلات التجارية لا تنحصر في الصادرات فقط. إذ تقوم الدول باستيراد حاجياتها و العديد من المواد و السلع من الدول الأخرى .هذه الواردات تهدف إلى جلب معدات انتاج و سلع استهلاكية، لتحسين العرض و الطلب المحليين و توفير خيار استهلاكي أكثر للمستهلك المحلي. لكن الطريقة الأفضل لاستنزاف الاحطياطي من العملات الأجنبية هو انفاق هذا الاحطياطي في شراء تجهيزات و معدات انتاج ترفع من القدرة الانتاجية للشركات التونسية و ينجر عنها اجباريا الرفع من الصادرات و من جودة المنتوجات المحلية. غير أن هذه الواردات تتكون بالاضافة لما تم ذكره، من السيارات الفاخرة، التبغ، الكحول، ألعالب الأطفال، الملابس، الكماليات، التجهيزات الالكترونية الاستهلاكية. للقيام بهذا، أي بعملية التوريد و شراء السلع، تجد الدولة و الشركات نفسها مطالبة بالقيام بشراء سلع من اسواق خارجية لا تقبل التعامل الا بعملاتها مثل اليورو و الدولار.

من هنا تأتي الصادرات كأول مصدر للعملة الأجنبية التي تعتمد عليها الدولة في عملياتها المالية في الأسواق العالمية. فالشركات المحلية الراغبة في توريد او تصدير سلع او القيام بمعاملات تجارية خارجية تتوجه لسوق الصرف لتحويل العملة المحلية الى احدى العملات الأجنبية عن طريق البنوك التجارية التي بدورها تتوجه للبنك المركزي للقيام بهذه التحويلات من خزينة احطياطي العملة الأجنبية. من هنا أساسا تأتي حاجة الدول لتكوين و الحفاظ على احتياطي من العملات الأجنبية.

ماهي سوق صرف العملات

سوق صرف العملات هي سوق عالمية مبنية على مبدأ العرض و الطلب، يتم فيها بيع و شراء العملات الأجنبية من طرف مجموعة من المتدخلين كالبنوك و السماسرة و المؤسسات المالية الدولية و الشركات و الأفراد. وبما أن هذه السوق تعمل تحت مبدأ العرض و الطلب، فأسعار العملة فيها ليست ثابتة و قابلة للتغير حسب تغيرات السوق، فالأوضاع الاقتصادية المحلية و العالمية، الاوضاع السياسية و الطبيعية تلعب دور هاما أيضا في حركية و تقلب أسواق العملات الأجنبية.

قيمة الدينار كيف تحدد

يتم تحديد قيمة العملة بناءا على عدة شروط و قواعد اقتصادية من اهمها قاعدة العرض و الطلب. تمتلك كل دولة مخزونها الخاص من العملات الأجنبية المتأتي من عائدات الصادرات، من تحويلات المواطنين بالخارج، من عائدات النفط و الغاز و المواد الطبيعية التي تمتلكها الدولة و أخيرا من القروض المتحصل عليها من الدول الأجنبية، والصناديق الدولية و البنوك العالمية. كل ما كان مخزون عملة ما عاليا لدى الدولة التونسية، و الطلب على هذه العملة مستقر، كل ما بقي سعر صرف الدينار التونسي مقابل هذه العملة مستقر.
عند ارتفاع الطلب على الدولار على سبيل المثال، فان سعره مقابل الدينار التونسي سيرتفع. هذه هي أحكام السوق اذا قارنا في هذه الحالة العملة كغيرها من السلع التي تباع و تشترى. اذن فسعر الدينار أمام العملات الأجنبية مرتبط أساسا بسوق الصرف، المناخ الاقتصادي، الطلب على العملات الأجنبية من الشركات التى تقوم بالتوريد و أيضا بقدرة الشركات التونسية المصدّرة على توفير مداخيل هامة و قارة من العملات لانعاش هذا الاحطياطي.

تاثير سعر الصرف على المبادلات التجارية

سعر الصرف هو النسبة التي عليها يتم بيع و شراء العملات الاجنبية أي مبادلة العملة المحلية بالعملة الأجنبية. هذه النسبة لها علاقة مباشرة بالأسعار المحلية و الاسعار في السوق العالمية و لها دور هام في تشجيع الصادرات و جلب الاستثمار الاجنبي.لسعر الصرف تأثير مباشر على المبادلات التجارية بين الدول، فبيع و شراء السلع كما ذكرنا يتم باستعمال العملات الأجنبية و أي ارتفاع أو انخفاض في نسبة صرف هذه العملات فيما بينها سيكول له أثر على أسعار هذه السلع و حجم المبادلات.

لتبسيط الأمر سنأخذ مثالا

(كل الأعداد و الأرقام المذكورة هي مجرد فرضيات لتسهيل الفهم)

تونس تنتج زيت الزيتونة رفيع الجودة. هذا الزيت يباع في السوق المحلية بخمسة دنانير اللتر الواحد. فلاح تونسي يقوم بعصر الزيت و تصديره الى الخارج، اذا اضفنا كلفة التعليب و الشحن و التصدير، يصبح سعر اللتر ستة دنانير.

:لنبقى دائما في اطار المثال المبسط

image_no_image

  1. في الحالة الأولى : لا يوجد فرق بين العملات، الدولار يساوي دينارا واحدا، الفلاح يبيع زيته بستة دولارات اللتر
  2. في الحالة الثانية : الدولار يساوي دينارين، الفلاح يبيع زيته بثلاثة دولارات اللتر
  3. الحالة الأخيرة : الدولار يساوي نصف دينار، الفلاح يبيع زيته بأثني عشر دولار اللتر

الفلاح ينتج سنويا عشرة الاف لتر، الحالات السابقة تعطينا مدخولا بالدولار مساويا ل

  • ستين ألف دولار في الحالة الأولى
  • ثلاثون ألف دولار في الحالة الثانية
  • مائة و عشرون ألف دولار في الحالة الثالثة

كل الحالات المذكورة أعلاه لا يمكن ان تفهم في سياقها المنفصل، فالاقتصاد حلقة تشمل عديد الجوانب. يجب علينا اذن اضافة معلومات و فرضيات أخرى للمعادلة. الفلاح يقوم بشراء مبيدات و معدات من شركات أجنبية. سعر هذه المعدات مؤشر بالدولار في السوق العالمية. كل سنة يشتري الفلاح مواد كيميائية و معدات عصر الزيتون و قوارير زجاجية بقيمة جملية قدرها خمسين ألف دولار. لنعد الآن الى الحالات الثلاثة:

  • في الحالة الأولى : يبيع الفلاح زيته و يبقى له ربح صافي قدره عشرة ألاف دولار
  • في الحالة الثانية : يبيع الفلاح زيته و يقترض من البنك قرض قدره خمسة و عشرون الف دولار باحتساب الفائدة و عمولة البنك ليتمكن من شراء لوازمه و مواصلة الانتاج في الموسم القادم
  • في الحالة الثالثة : يربح الفلاح سبعون الف دولار و يفتح مدجنة و يشتري جرار جديد بعشرين الف دولار

للتلخيص، هذه الحالات المذكورة هي مبسطة ولكنها تعطي فكرة على الكيفية التي يأثر بها سعر الصرف في الانتعاشة الاقتصادية لبلد ما. فالفلاح في الحالة الثانية تأثر سلبا بتراجع قيمة عملته المحلية امام الدولار، دخل في حلقة التداين الخطيرة و سيبقى رهينة الدين و سعر الصرف و مردودية محصوله للسنة المقبلة لخلاص الدين و الا سيكون مضطرا لبيع جزء من أرضه. أما في الحالة الثالثة فسعر الصرف العالي للعملة المحلية كان له اثرا ايجابيا على الفلاح و على العجلة الاقتصادية، فمكنه من الربح و الاستثمار و شراء معدات جديدة. لسعر الصرف عديد التأثيرات على الاقتصاد الداخلي، فتحسن سعر الصرف يعني ارتفاع الاسعار عند تصدير المنتوجات المحلية للخارج مما يعود على الشركات و المجموعة الوطنية بمزيد المداخيل من العملة الصعبة و الى ارتفاع ارباح الشركات المحلية. و يعني أيضا انخفاض اسعار السلع و المعدات المستورة للأسواق المحلية، و هذا يعني توفر المزيد من الخيارات و السلع للمستهلك المحلي و تحسن السوق الاستهلاكية و كذلك انخفاض في قيمة المواد الأولية و معدات الانتاج المستوردة من قبل الشركات مما سيدعم التنافسية و يخفض في و في قيمة فتح مشاريع جديدة و وحدات صناعية تتطلب معدات من أسواق أجنبية.

الدينار التونسي: في تراجع مخيف

images

يشهد الدينار التونسي منذ بضعة سنوات تراجعا أقل ما يقال عنه بالمخيف و المرعب للاقتصاد الوطني على المدى القصير و البعيد. يتابع المهتمون بالشأن الاقتصادي التغيرات اليومية لسعر الصرف و يدق العديد منهم ناقوس الخطر كل ما تتخطى هذه الأسعار عتبة تاريخية جديدة.

لنعد عشر سنوات الى الوراء. سعر صرف اليورو كان بسعر 1.67 دينارا . و تواصل نزول قيمة الدينار منذ ذلك التاريخ الى حدود أول عتبة تارخية وهي تخطي اليورو لحاجز الدينارين في فيفري 2012. تتابعت نكسات الدينار التونسي أمام العملات أجنبية بنفس الطريقة الى يومنا الحالي حيث تقترب قيمة اليورو الى حاجز الديناران و نصف وهو ارتفاع تاريخي يسجل للمرة الاولى و ستكون له العديد من التبعات الاقتصادية و الاجتماعية على تونس.

ارتفاع متواصل في سعر صرف الدينار أمام الدولار الامريكي

أسباب التراجع

يربط العديد التراجع في سعر صرف الدينار بالمناخ السياسي الغير مستقر في تونس منذ ما يقارب الخمس سنوات. فالدولة أصبحت تواجه مطالب اجتماعية طارئة و الوظيفة العمومية أصبحت مثقلة بالانتدابات الجديدة مما يفرض على الدولة مصاريف جديدة لدفع الأجور و نفقات التصرف ولتعويض المتضررين من النظام السابق. زد على ذلك المشاكل التي ضربت احد القطاعات الحيوية في الاقتصاد التونسي ألا وهو انتاج و تصدير الفسفاط الذي يمثل موردا هاما للخزينة من العملة الأجنبية. هذا القطاع الذي أصبح يتكبد خسائر ضخمة بسب توقف الانتاج و تردي الوحدات الانتاجية.

Tunisian-dinar-tnd

و لكن هذا التراجع يمكن تفسيره بجملة من الأسباب الواضحة:

عجز متواصل في الميزان التجاري

حسب أرقام المعهد الوطني للاحصاء، فقد شهد التبادل التجاري مع الخارج انخفاضا في مجموع الصادرات ب 3،3% و ارتفاعا في الواردات ب 7،5% و ذلك خلال الأربع أشهر الأولى من السنة الحالية 2016. و قد بلغت قيمة الواردات للأربع أشهر الأولى من السنة الحالية 13488،9 مليون دينار. هذ الأرقام على الرغم من تقديمها صورة واضحة و موضوعية عنالميزان التجاري الذي سجل عجزا قدره 12047.7 مليون دينار سنة 2015 حسب أرقام المعهد الوطني للاحصاء، فيجب على المحللين التدقيق في تركيبة الواردات و الصادرات لمعرفة مدى جدوى السياسات التجارية لتونس و مدى عمق الأزمة المصاحبة لنقص احتياطي العملات الأجنبية. هنا تحدثنا عن بعض اسباب تراجع مخزون الدولة من العملات الأجنبية. يجب علينا أن نؤكد أن الصادرات و الانتاجية المحلية هما حسب رأينا أفضل الطرق لتحسين و دعم خزينة الدولة و الاحتياطي الوطني من العملات الأجنبية، تراجع صادرات المواد الطبيعية و الصناعية، اغلاق الشركات المصدرة و سوء الأحوال المناخية الذي يؤدي لتراجع المحاصيل الفلاحية المعدة للتصدير. كلها تؤثر سلبا في الاحتياطي الوطني من العملات الأجنبية.

ارتفاع قيمة الأموال المحوّلة من طرف الشركات الأجنبية

اذن تراجع المداخيل يؤدي الى تراجع الاحتياطي. ماذا عن ارتفاع نسق استنزاف الاحتياطي الوطني من العملات الأجنبية؟ نعبر هنا عن الاستنزاف بأنه تدفق العملات الأجنبية و خروجها من خزينة البنك المركزي بعدة طرق أولها الواردات. فكما ذكرنا، شراء السلع و المواد الأولية و الاستهلاكية يتم بواسطة العملة الصعبة. و كل عمليات التوريد تمر عبر البنك المركزي التونسي الذي يعطي حق سحب و دفع المبالغ بالعملات الأجنبية لشركات التوريد و ذلك حسب قانون الصرف. أمام تسهيلات الدولة و ارتفاع الطلب على السلع المستوردة، و امام تراجع جودة المنجتات المحلية في بعض المواد وانعدامها في مواد اخرى، تتوفر كل الظروف المناسبة لهذه الشركات المورّدة لزيادة مبيعات منتوجاتها الأجنبية محليا و لزيادة حجم وارداتها و استنزاف أكبر للاحطياطي الوطني للعملات الأجنبية الذي يبذر في مواد و كماليات استهلاكية لا تحتاجها المجموعة الوطنية في هذه الفترة الصعبة.

تراجع مداخيل السياحة

من بين مصادر العملة الأجنبية للبلاد التونسية، تمثل السياحة أحدى المصادر الهامة التي تنعش الدورة الاقتصادية و تخلق فرص عمل موسمية و قارة و تساهم في دفع التنمية خاصة في المناطق الساحلية و السياحية. غير أن هذا القطاع قد تم القضاء عليه بالكامل بعد سلسلة الهجمات الارهابية التي راح ضحيتها سواح أجانب في متحف باردو و سوسة، الاغتيالات السياسية كان لها أيضا تأثيرا سلبيا حيث جعلت البلاد في حالة طوارئ لا يطيب فيها التنقل بحرية و أصبح حتى مواطنو البلاد مهددين بالخطر بعد وصول التفجيرات لقلب العاصمة التونسية بعد استهداف حافلة الحرس الرئاسي، نخبة القوات الأمنية التونسية. كل هذه العوامل قلصت بشكل هام من السياحة كمصدر للعملات الأجنبيةو أثرت سلبا على الاحتياطي الوطني الي خسر احد المصادر الكبرى لدعم رصيده.

تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر

كل الأحداث الأمنية والتقلبات السياسية و الاجتماعية جعلت مناخ الاستثمار و مناخ الأعمال في تونس خانقا لكل مستثمر يبحث عن الرفع من الانتاج و الربح باستغلال اليد العاملة المختصة و منخفضة الكلفة. ارتفاع وتيرة الاضرابات وتعطيل عملية الانتاج في العديد من الوحدات الصناعية والتحويلية دفعت بالعديد من المستثمرين إلى غلق مصانعهم و مغادرة التراب التونسي. هذه مصانع كانت كلها موجهة للتصدير، فجميع عائدات التصدير تمر بالاحتياطي الوطني للعملات الأجنبية و توفر مداخيل جديدة تنعش الخزينة. خروج العديد من المستثمرين من تونس بسبب الأوضاع القائمة و عدم تواجل حلول جدّية من طرف السلطات و تفاقم التسيب و الاضرابات العشوائية لم يشجع المستثمرين على العودة بعد مرور الفترة الأولى من التحولات السياسية في تونس و لم يشجع أيضا مستثمرين جدد على القدوم و فتح مشاريع جديدة.
و بهاذا فقد شهدت تونس تراجع قيمة الأموال المحولة من طرف الأجانب بهدف الاستثمار مما جعل الدولة تبحث جاهدة على حلول لجلب الاستثمارات الأجنبية و لتشيع أصحاب الأموال على فتح مشاريع في تونس.

نتائج التراجع

انخفاض قيمة الدينار له انعكاس سلبي على الاقتصاد التونسي، فكما يعلم الجميع فقد تحصلت تونس على قروض من مجموعة من المانحين سواءا المؤسسات المالية العالمية، أو الدول الصديقة. كل هذه القروض تكون قيمتها في أغلب الحالات بالدولار أو باليورو. في العادة تنعش هذه القروض احتياطي العملة حين تكون موجهة للاستثمار و التنمية. غير أن الفترة المنقضية شهدت أسوأ شكل من أشكال التداين الخارجي ألا وهو التداين من أجل خلاص أجور الوظيفة العمومية. هذه القروض يقع تسديدها بنفس العملة التي تم صرفها بها أي الدولار أو اليورو. فاذا انخفضت قيمة الدينار أمام هذه العملات، فستجد الدولة التونسية نفسها متحملة لأعباء منجرة عن هذا الانخفاض، أي أن تونس ستدفع فوائض و أعباء القرض بقيمة مرتفعة على القيمة الأصلية التي تم ادخالها للخزينة. هذه النتيجة ستسنزف احتياطي العملة دون أن يكون له أثرا ايجابيا على الاقتصاد. نتيجة أخرى يمكن مناقشتها هي ارتفاع سعر المنتوجات الموردة و خاصة منها المواد الأولية و المواد الطاقية و التي يؤثر ارتفاع أسعارها على أسعار بعض السلع المحلية، و بهاذا فستكون هناك نتيجة سلبية على معدل الأسعار و نسبة التضخم. تأثير سلبي أيضا على المديونية ارتفاع قيمة الديون الخارجة و اثقال كاهل الخزينة.

حماية الدينار، شيئ ممكن أو مستحيل؟

تملك الدولة التونسية ممثلة في البنك المركزي أداة للسيطرة على أسعار صرف الدينار التونسي و ذلك لحماية الاقتصاد من التقلبات المفاجئة التي يمكن أن تضر بالشركات المحلية. تتمثل هذه الأداة في قدرة البنك المركزي على ضخ أو سحب العملة في السوق لتوفير الاستقرار في الأسعار في حالة تغير الطلب و تمثيله خطرا على استقرار الدينار

BCT

و للبنك المركزي أيضا القدرة على تثبيت سعر صرف الدينار في سقف معين أو ربط صرفه بقيمة عملة أخرى مثلا. هذه الأدوات التي تبدو معقدة هي أسلحة الاقتصاد التونسي أمام أي خطر يمكن أن يسبب انهياره و تراجع قيمة الدينار. و لكن هذه الأدوات ليست الوحيدة المتاحة للبنك المركزي و للدولة على حد سواء.

مقترحات لحلول عاجلة

الحلول العاجلة لوقف هذا الانهيار يمكن أن تسعف الاقتصاد التونسي اذا تم تطبيقها بصفة سريعة و صارمة و هذه بعض النقاط التي سأقوم بطرحها في مناسبة لاحقة:

  • منع الإضرابات التي تفزع المستثمرين و توقف العجلة الاثتصادية للبلاد
  • تجميد الأجور و تحديد مدة خمس سنوات كفترة لدراسة الوضع الاجتماعي و محاولة التحكم في الاسعار و تحسين مستوى العيش
  • إكتفاء الذاتي محلي من الفلاحة والزراعة قصد تخفيض التوريد للمواد الفلاحية الموجودة في تونس محليا
  • وقف توريد كل ماهو فاخر و غير مجدي من السيارات و الكماليات و السلع الاستهلاكية و دعم الصناعة الوطنية
  • محاربة الرشوة والسرقة والفساد المالي والإداري
  • تشديد العقوبات على المهرّبيين و تجار العملة
  • تطبيق القانون الجبائي و توفير تسهيلات جبائية لدخول مزيد من العوائد لخزينة الدولة من أجل تفادي التداين لخلاص الأجور.

المصادر
المعهد الوطني للاحصاء
البنك المركزي التونسي
وزارة التجارة
وزارة المالية