تقدّم عدد من نواب الشعب يوم الثلاثاء الفارط بعريضة طعن في دستورية قانون تسوية وضعيات الاستغلال غير القانوني لمقاطع الحجارة الرخامية التابعة لملك الدولة الخاص. وتأتي هذه العريضة بعد الجدل البرلماني الذي أثاره هذا القانون أثناء المصادقة عليه بمجلس النواب في جلسة عامة بتاريخ 31 ماي 2016.
مشروع القانون تقدّمت به وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بتاريخ 23 سبتمبر 2015، وكان الهدف منه حسب ما صرح به وزير أملاك الدولة ”تسوية الأوضاع الاجتماعية لعدد من المواطنين عمدوا إلى استغلال مقاطع الرخام التابعة لملك الدولة الخاص بصفة غير قانونية في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و25 جوان 2013“.
تصريحات الوزير تطابقت في جانب كبير منها مع مواقف نواب الإئتلاف الحاكم، على غرار ما ذهب إليه النائب عن حركة النهضة وليد البناني:
بالمصادقة على هذا القانون ستتم الاستجابة لطلب أبناء الجهة في التشغيل والتنمية.
وفي نفس الاتجاه تقريبا أكدت النائبة عن الاتحاد الوطني الحر درة اليعقوبي ”هذا القانون يعد أولوية ضمن ما تحتاجه ولاية القصرين لتسريع نسق التنمية“.
الإستناد إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للجهات المهمشة، وخصوصا القصرين التي تضم مقاطع الرخام بتالة وجدليان، اعتبره بعض نواب المعارضة مطيّة لتوفير الغطاء القانوني لعدد من مستغلي المقاطع الذين ينهبون ثروات الجهة. هذا إضافة إلى أن لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية والبيئة لم تتلقى تقريرا مفصّلا حول الأوضاع الاجتماعية للمستغلين وعدد العمال الذين يشتغلون في المقاطع وهو ما يعزز شبهة الفساد حول المعنيين بقانون التسوية. فهل أن المسألة تتعلق بدفع عجلة التشغيل والتنمية بالقصرين أم تخفي نهبا منظّما لثروات الجهة؟
مسؤولون ونوّاب متّهمون بتبييض الفساد
تسوية وضعيات المستغلين بصفة غير قانونية للمقاطع الدولية عن طريق إبرام عقود بالمراكنة هو استثناء للقاعدة القانونية المنصوص عليها بالفصل 86 من مجلة المحاسبة العمومية والتي تقتضي تسويغ المقاطع الدولية بالمزاد العلني.
تسوية وضعيات المستغلين غير القانونيين عن طريق إبرام عقود كراء بالمراكنة حسب ماورد في الفصل الثاني من القانون، شكّل جزءا من الخلاف داخل قبة البرلمان. وقد بررت لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية –في تقريرها- اللجوء إلى هذا الشكل من التعاقد بصعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وبالمقابل أشارت عريضة الطعن التي تقدم بها نواب المعارضة إلى الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين إلى أن ”تسوية وضعيات المستغلين بصفة غير قانونية للمقاطع الدولية عن طريق إبرام عقود بالمراكنة هو استثناء للقاعدة القانونية المنصوص عليها بالفصل 86 من مجلة المحاسبة العمومية والتي تقتضي تسويغ المقاطع الدولية بالمزاد العلني“.
اللجوء إلى عقود المُراكنة دون المزاد العلني، الذي نصّت عليه مجلة المحاسبة العمومية، جعل بعض النواب يلوّحون بوجود ارتباطات بين المستغلين غير القانونيين وبعض المتنفّذين في السلطة والأوساط السياسية، وفي هذا السياق أشار أيمن علوي، النائب عن الجبهة الشعبية، إلى أن هناك ”ارتباطات مافيوزية في ملف الرخام تُديرها بعض الشخصيات السياسية“. ومن جهتها أكدت سامية عبو، النائبة عن حزب التيار الديمقراطي، أن هذا القانون ”يهدف إلى تبييض الفساد“، مبينة في تصريح أدلت به لموقع نواة وقوف نواب ومسؤولين في الحكومة وراء تمرير هذا القانون رغم خطورته. وفي نفس السياق أشارت النائبة عن التيار الديمقراطي إلى أن قائمة المعنيين بالتسوية تحوم حولها شبهات فساد، وتضم ضمنها المدعو (و.ن) الذي كان يستغل مقاطع الرخام بمنطقة جدليان في السنوات التي سبقت الثورة بالشراكة مع لسعد الطرابلسي، ومتورط في قضية اتجار بالمخدرات، حسب ما أفادت به.
نهب منظّم
طلبت لجنة الصناعة والطاقة بمجلس النواب من وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية قائمة بأسماء المعنيين بقانون تسوية الإستغلال غير القانوني لمقاطع الرخام. فأرسلت الوزارة تقريرا كتابيا حول معاينات ميدانية لمقاطع الرخام بمنطقتي تالة وجدليان، أعدّته مصالح الإدارة الجهوية لأملاك الدولة والشؤون العقارية بالقصرين بتاريخ 4 نوفمبر 2015، وبالمقابل لم تتلقى اللجنة تقارير مفصلة حول وضعية الاستغلال الغير قانوني للمقاطع الرخامية في مختلف أنحاء البلاد.
شملت القائمة –التي تحصّل موقع نواة على نسخة منها- 53 مقطعا دوليا و3 مقاطع تكتسي صبغة أرض اشتراكية، وتضم أسماء للمستغلين والشركات المعنية بقانون التسوية. وبرغم أن تقرير لجنة الصناعة والطاقة لا يشير إلى تكرر استغلال أكثر من مقطع من طرف نفس الأشخاص الواردة أسماءهم بالقائمة، الأمر الذي يفهم منه وجود نهب منظم لمقاطع الرخام، فإن عريضة الطعن التي تقدم بها نواب المعارضة إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين –والتي تحصل موقع نواة على نسخة منها- ورد في جزءها الأخير ما يلي:
وحيث أن جل المعنيين بالتسوية لاستغلالهم الجاري للمقاطع الدولية دون صفة قانونية قد سبق وأن استغلوا وبنفس الطريقة أي بالاستيلاء على المال العام دون وجه قانوني مقاطع دولية أخرى وقاموا باستنزافها ونهبها ثم تركوها وتحولوا إلى مقاطع دولية أخرى وبنفس الطريقة وبنفس الطريقة واصلوا نهب الثروات واستنزاف الخيرات ونذكر منهم مثلا:
-فؤاد الحمري، يستغل مقطعين بمخنق عياد وجبل بولحناش وكان قد استنزف مقطعا بمحرزة ومقطعا بعين الحمدانة.
-رفيق بن صالح السعيدي، يستغل مقطعين جبل الدشرة وجبل الكرسية وكان قد استنزف مقطعا بجبل الدشرة.
-الوردي نويصري، يستغل مقطعا بكدية أولاد طريف وكان قد استنزف مقطعا بكدية أولاد طريف ومقطعا بجبل الكريسة.
-أحمد الأزهر السميري، يستغل مقطعا بفج فاهم وكان قد استنزف مقطعا بجبل شاكر ومقطعا بجبل الدشرة.
-أبو هريرة الرطيبي، يستغل مقطعا بجبل الدشرة وكان قد استنزف مقطعا بجيل شاكر.
-عائلة الرحموني، إذ أن فيصل بن محمد الكامل الرحموني يستغل مقطعا بجبل الدشرة وكان قد استنزف مقطعا صحبة حسن العباسي مقطعا بجبل الدشرة وأبوه محمد الكامل مقطعا بمخنق عياد واخوه حبيب الرحموني مقطعا بجبل الرويس.
-وكذلك عائلة السايحي والرطيبي وهميلي وبالضيافي والسعيدي والسميري وغيرهم.
هذه الأسماء ذكرناها مثلما وردت بعريضة الطعن المذكورة، والتي أشارت إلى استنزاف مقاطع الرخام وخالفة قانون التسوية لأوضاع المستغلين المذكورين لأحكام الفصل 12 من الدستور الذي ينص ”تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات“.
iThere are no comments
Add yours