العنوان: النّظام البورقيبي … الصُّعود و الإنحدَار
دار آفاق ـ برسبكتيف للنّشر، تونس
عدد الصّفحات: 130 صفحة
هذه الدّراسة التاريخيّةالموجزة سلّط من خلالها الدكتور عبد الجليل بوقرّة الضّوء على أهمّ الفترات في مسيرة بورقيبة إنطلاقا من سنة 1956إلى حدود سنة 1987 وذلك بهدف تقييم جميع المراحل و القرارات التي إتخذها بورقيبة و نقد جميع من أحاطوا به و ساهموا بدورهم في بناء الدولة و كانوا شهود عيان على تقهقرها و تراجعها. لا يمكن أن نتجاهل أهميّة هذه الشخصيّة والدّور الرّئيسي الذي تحتلّه في تاريخ البلاد فكما جاء في مقدّمة الكتاب فقد بقي بورقيبة في قلب الأحداث، ”صانعا لها و مؤثّرا فيها و دائم الحضور حتّى بالغياب.“
صورة الزّعيم : خصومات حزبيّة و منجزات وطنيّة
يرصد الدّكتور عبد الجليل بوقرّة – منذ بداية كتابه – الظّروف التي أحاطت بالإستقلال في مختلف مراحله. فمنذ سنة 1955 – أي منذ توقيع إتّفاقيات الحكم الذّاتي – ظهرت الإنشقاقات و بدأ الخلاف بين الحبيب بورقيبة و صالح بن يوسف ليتحوّل فيما بعد إلى عداوة صريحة. لقد تعرّض الكتاب إلى أهمّ تداعيات هذه الأزمة و غيرها من الأزمات التي إرتبطت أساسا بالصراع على السّلطة، فالصورة التي يقدّمها مؤلّف كتاب ”فصول من تاريخ اليسار التونسي“ هي صورة بورقيبة الرافض لكلّ رأي مخالف و الذي يمكن أن يصل إلى أبعد الحدود في معاركه السياسيّة مع خصومه و تصفيتهم جسديّا (صالح بن يوسف و اليوسفيين) أو سجنهم و التنكيل بهم (الحركة الطلابيّة) و قد تبلور التمشي الذي إتبعه بورقييبة من خلال بسط سيطرته على الحزب و تكريس آلة دعائية لتمجيده مع القضاء على كلّ معارضة إضافة إلى سنّه مجموعة من القوانين الجائرة التي لا تخدم إلاّ مصلحته الشخصيّة، تؤمّن حكمه و تهدّد كلّ معارضة.
و يعدّد بوقرّة مجموعة من الإنتفاضات و المظاهرات التي جاءت رفضا لهذا التّمشي القامع للحريات. و أمّا على المستوى الإقتصادي فقد عاد الكاتب على أهمّ المحطات في تاريخ الحقبة البوقيبيّة و نذكر منها تجربة التّعاضد و التي وضع لها بورقيبة ميزانيّة ضخمة و لكنّها إنتهت بفشل ذريع ألقى بظلاله على المستوى السياسي فتعالت أصوات المعارضة وذهب أحمد بن صالح كبش فداء و أمّا على المستوى الإقتصادي فقد شهد القطاع دمارا لا مثيل له كما إرتفعت أعداد العاطلين عن العمل.
إستغلّ المعترضون، من داخل أجهزة النظام الورقيبي، هذا الغضب العام، إضافة إلى ركود الإنتاج الفلاحي الناتج عن تعاقب سنوات الجفاف و سوء تأطير المتعاضدين من طرف موظّفين … لتشديد الخناق على أحمد ن صالح …
هوس بورقيبة بالسّلطة و سعيه لسحق المعارضة و رفضه للإختلاف لم يحجب إنجازاته التي عرضها الكاتب و أثنى عليها، فبورقيبة لطالما كان متأثّرا بالثّقافة الغربيّة و هو ما جعل ”القديم ينتفض“ كما جاء في الكتاب أي معارضة الحركات الرجعية لهذه الأفكار التنويريّة و لمشروع مجتمعي تقدمي تكون فيه للمرأة جميع حقوقها تماما كالرّجل. كما سعى بورقيبة إلى ترسيخ فكرة الدولة و القضاء على العروشيّة. هذه الإنجازات و غيرها كتوحيد القضاء و إرساء المؤسسات يرى بوقرّة أنّها نتيجة لشجاعة تحسب لبورقيبة فمجلّة الأحوال الشخصيّة و إلغاء تعدّد الزوجات تعد ثورة و إنتصارا للفكر التّقدمي على الرجعيّة.
كواليس الحكم : خلافات و صراع على الخلافة
يعود المؤرّخ عبد لجليل بوقرّة في دراسته التاريخيّة إلى مظاهر و أسباب الصراع في حاشية بورقيبة و التي كان هدفها الوحيد نيل رضا الزّعيم في العلن و التخطيط لكيفية الإطاحة به و خلافته. هذا ما ساهم في تكالب الجميع على حبك المؤامرات و اللّجوء إلى الخداع للوصول للهدف، و يرى وقرّة أنّ هذه الحرب على الخلافة بدأت منذ ”تعرّض بورقيبة إلى أوّل أزمة قلبيّة في مارس 1967، و تفاقمت إثر التّعديل الدستوري المؤرّخ في 31 ديسمبر 1976 …“ فالوزير الأوّل هو نائب رئيس الجمهوريّة و هذا ما ساهم في تأزّم الأوضاع بين المحيطين بالرئيس و الطامحين لتعويضه و هو ما كان سببا أيضا في تتالي الأسماء من الأدغم إلى نويرة مرورا بمزالي وصولا إلى بن علي الذي ظفر بما حلم به جميع من سبقه إثر إنقلاب 1987.
يُعَدُّ كتاب ”النّظام البورقيبي … الصُّعود و الإنحدَار“ تلخيصا لأهمّ الأحداث التي شهدتها الحقبة البورقيبيّة من الإستقلال و بناء الدولة إلى تاريخ إزاحته عن السلطة. و المتمعّن في مختلف الأحداث التاريخية كما عُرِضَتْ في الكتاب يلاحظ أنّ إنجازات بورقيبة و حتى خلافاته مع خصومه لا يمكن تجاوزها و نسيانها فسيبقى بورقيبة من خلال فترة حكمه حقبة تاريخيّة مهمّة في تاريخ البلاد التونسيّة و لو إختلفت آراء المؤرّخين حولها.
iThere are no comments
Add yours