المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

essebsi-reconciliation-nationale

بمجرد الإطّلاع على مقترح قانون المصالحة الإقتصادية، الذي أحالته مؤسّسة الرئاسة على مجلس نواب الشّعب، إثر حصولها على دعم من أحزاب الإئتلاف الحاكم، يتبيّن أنّه مشروع فتنة، ملغّم، يهدف بالأساس الى إفشال مسار العدالة الإنتقالية، وفي نفس الوقت، الإنقلاب على الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد برئاسة الأستاذ شوقي الطبيب.

وبالنّظر الى الفصل 18 من هذا المقترح الذي ينصّ على إلغاء الاحكام، وحتّى العبارات المضمّنة بالقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر2013 والمتعلق بإرساء العدالة الإنتقالية في فصوله 8 و 14، والفقرة ب في الفصل 43، والفقرتين 2 و3 في الفصل 45، والمطّتين 3 و4 في الفصل 46.

وحتّى نتبيّن مدى وقاحة حكّام قصر قرطاج الذين ضاقوا ذرعا بالهيئتين معا (هيئة الحقيقة والكرامة وهيئة مكافحة الفساد) وإصرارهم على تعطيل عملهما، خاصّة بعد الثّقة و شبه الإجماع الذان حظيا بهما في الأيام الأخيرة، وما اصبحا يمثّلانه من تهديد مباشر لمنظومة الفساد و الإستبداد التي يرتكز عليها نظام الحكم، توجّب علينا التّذكير بالفصول المراد إلغاؤها:

تتعهّد الدّوائر القضائية المحدثة بالنّظر في الإنتهاكات المتعلّقة بتزوير الإنتخابات والفساد المالي والاعتداء على المال العام
الفصل 8

يهدف إصلاح المؤسسات إلى تفكيك منظومة الفساد ويقتضي إصلاح المؤسّسات خاصّة مراجعة التشريعات وغربلة مؤسّسات الدّولة ومرافقها ممّن تثبت مسؤوليته في الفساد الفصل14

إعفاء أو إقالة أو إحالة على التقاعد الوجوبي في حقّ كلّ شخص يشغل إحدى وظائف الدّولة العليا بما في ذلك الوظائف القضائية إذا تبيّن أنّه قام بعمل عن قصد نتج عنه مساندة أو مساعدة للأشخاص الخاضعين لأحكام المرسوم عدد 13 لسنة 2011 في الاستيلاء على المال العام الفصل 43 الفقرة ب

تنظر لجنة التّحكيم والمصالحة في مطالب الصّلح في ملفّات الفساد المالي ولا يعلّق تقديم مطلب الصّلح النّظر في القضّية ولا تنقرض الدّعوى العموميّة إلّا بموجب تنفيذ بنود المصالحة
يترتّب عن تنفيذ بنود المصالحة بخصوص ملفّ الفساد المالي المعروض على اللّجنة انقراض الدّعوى العموميّة أو إيقاف تنفيذ العقوبة على أن يستأنف التتبع أو المحاكمة او العقوبة إذا ثبت أن مقترف الانتهاكات قد تعمّد اخفاء الحقيقة أو عدم التّصريح بجميع ما أخذه دون وجه حقّالفصل 45 الفقرتين 2 و 3

:تتعهّد لجنة التّحكيم والمصالحة بناء على اتفاقية تحكيم ومصالحة

ــ بموافقة الدّولة في حالات الفساد المالي إذا تعلّق الملفّ بأموال عموميّة أو أموال مؤسّسات تساهم الدّولة في رأسمالها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
ــ بإحالة من الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد بناء على اتفاقية تحكيم ومصالحة بين الأطراف المعنيّةالفصل 46 المطّتين 3 و 4

هكذا وبكل صفاقة يرفض المخزن إحالة ملفات الفساد وتزوير الإنتخابات على دوائر قضائية متخصّصة. كما يرفض غربلة مؤسّسات الدّولة و مرافقها ممّن تثبت مسؤوليته في الفساد، ومراحعة التّشريعات واصلاحها. كما يلغي نهائيا كلّ تعاون بين هيئة الحقيقة والكرامة وهيئة مقاومة الفساد والدّوائر القضائيّة.

وحتّى يتخلّص من الهيئتين معا ويثير بينهما الفتنة، عمد القانون إلى سحب صلوحيّات هيئة الحقيقة والكرامة وحلّ هيئة مكافحة الفساد، وتلغيم الباب الثّاني بمقترح تشكيل لجنة للمصالحة يترأسها شوقي الطبيب رئيس هيئة مقاومة الفساد، مع المحافظة على منصب الكاتب العام لنفس الشّخص في الهيئتين، ومنح الصلاحية للرّئيس في اختيار نائبه، في خرق واضح للفصل 6 من القانون المقترح الذي ينصّ على أخذ القرارات بالتوافق او بأغلبية الاعضاء .(باب عمل الهيئة.

هذا الباجي وزبانية القصر يرمون الطّعم لشوقي الطبيب بمنحه صلوحيّات هيئة الحقيقة والكرامة والزجّ به معها في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، مقابل التخلّي عن فتح ملفّات الفساد القديم منها والجديد . تحت إشراف الحكومة، المالي والقانوني، في تحديد المنح اليومية لاعضاء الهيئة ومساعديهم والتصرّف في تمديد مدة اعمالها او تقليصها.

هذا القانون سوف يكون اختبارا حقيقيا لنواب الشّعب بقطع النّظر عن دستوريته من عدمها، وعن مدى ملاءمته للإتّفاقيات والقوانين الدّولية التي وقّعت عليها تونس. كما سيكون اختبارا حقيقيّا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيسها شوقي الطبيب في الصّمود في وجه الاستفزاز والتّهديد.