المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

أيها الشعب العظيم، لست كذلك

لو سنحت لي الحياة يوما، أن أخطب في الناس جميعا، فستكون هذه آخر الكلمات التي أريد قولها لهم: أيها الشعب العظيم لستم كذلك. أتعرفون لماذا؟ هكذا ببساطة. لأن الصوت الوحيد الذي تنصتون إليه، هو صوت التلفزيون. لأن القصص الوحيدة التي تصدقونها، هي تلك التي يبثها التلفزيون. لأنكم متضامنون جدا، مع كل الفقراء والمحتاجين للمساعدة، ولكن ليس قبل أن تشاهدوهم في التلفزيون. لأن ثقافتكم متأتية من التلفزيون. لأنكم تذهبون جميعا للسينما في أيام قرطاج السينمائية ،لأنكم تذهبون جميعا للمسرح في أيام قرطاج المسرحية، لأنكم تذهبون جميعا طيلة أسبوع والكل معا، فقط لأن التلفزيون يغطي هذه المهرجانات كامل الوقت.

أيها الشعب العظيم لستم كذلك،هكذا ببساطة، لأنكم تتفاخرون بأدباء لم تقرؤوا كتبهم، وبموسيقيين لم تسمعوا موسيقاهم ، بسينمائيين لم تشاهدوا أفلامهم . لأنكم عندما تزورون الصحراء، مرة كل خمس سنوات، تركبون الجمل كسواح سويديين، لأنكم أينما ذهبتم تلتقطون صورا بأفواه مفتوحة. لأنني لست مهتما بسعادتكم المزيفة. لأنكم تثيرون إشمئزازي بتنظيمكم لقوافل المساعدة كل شتاء، تحملون الأغطية الرخيصة والمكرونة لإخوتي في الشمال الغربي، لأن قوافل المساندة التي نظمتموها، كانت كلها رخيصة ومبتذلة ولم تخبرنا بشيء، سوى أنكم حمقى وسطحيين. لأنكم لاتخجلون أبدا من عنصريتكم وجهويتكم، لأنكم لطفاء فقط مع  موظفي البنوك. لأجل كل هذا وغيره، لن تكون نهاية خطابي لكم: شكرا على الإنتباه، بل : أيها الشعب العظيم لستم كذلك

مدينة ”انت منين“ ؟

لو وقفت بعيدا قليلا، فستبدو لك مدينة ”انت منين“ هادئة ومرحة، يوجد بهذه المدينة سبعة أبواب فرعية، أطلق عليها الأسلاف إسم :”آش مجيبك“، وباب رئيسي يسمى: ”وين ماشي“. عندما تتجاوز الباب الرئيسي، ستعترضك المنازل علي اليمين وعلى اليسار، أبوابها مصنوعة من خشب :”ياحسرة“. في هذه المدينة، الناس طيبون ويلقون غالبا تحية ”منين تعرفني“ على الغرباء. في مفترق الشارع الواسع الذي يقطع المدينة إلى نصفين، والمسمى ”بره روح“، يوجد المقهى القديم الذي أسسه أول من إستوطن هناك. إنه مقهى ”الجبورة لا!“  يتكدس الرجال، في هذا المقهى طيلة اليوم، يشربون العصير التقليدي:”تقولش عليه… تقولش عليها“. في الشارع المحاذي من جهة اليسار، توجد سلسلة المطاعم الشعبية، تقدم الأكلات التقليدية المعروفة: ”حساء نافق“ ،”سلاطة وافق“، ”سندويتش غادر البلاد“. كل هذه الأكلات معدة بشكل جيد ، على نار هادئة. كل ماتحتاجه، هو أن يكون لديك فك جيد، ومعدة قوية للهضم. في الغالب يبدأ الناس هناك، بتناول الحساء أولا. إذا كنت تريد نصيحتي: أنصحك أن تتوقف عن أخذ النصائح

لن أعتذر عن الإزعاج

يجب أن يعرف الجميع أن هناك بؤس تحت البؤس، وأن هناك سجن تحت السجن، أن غرف السجون ليس بها شبابيك ولا أبواب، فقط جدران عالية مغلقة. أن الناس يغادرون السجون كل يوم، بأيادي باردة وقلوب قاسية. أن هناك ظلم تحت الظلم، وأن الكرامة تنتزع ويحقن مكانها الكراهية والعنف، في شريان القلب. أن الناس يسيرون في الطرقات، بلا هدف يفكرون: أين تبدأ حياتي؟  أين تنتهي حياتي؟ السيارات تسير في إتجاهين متعاكسين، كل منها تسير إلى نهاية، كل منها تسير إلى بداية. أيتها الأرصفة البكماء: هل توجد بداية تحت البداية؟ هل توجد نهاية تحت النهاية؟

لاأصدق أن البحر ليس أزرق

النساء الشابات يضعن حدا لحياتهن، يحملن فشلنا جميعا بلاإستثناء، لأننا شركاء في هذا الوطن، علينا أن نفكر في حل لليأس الذي نحمله معنا كبطاقة هوية. فتاة بعينان جميلتان، تختار الحبل والسماء، ملامحها لا تغادر مخيلتي. لا كلمات تليق بتأبين شابة منتحرة، الصمت هو الترياق. اللعنة على كل الفضوليين الذين فتشوا في دفاترها وكلماتها، حملوا جسدها ليضربوا به أعداءهم المختلفين معهم إيديولوجيا، بكلمات الموتى ترضون غروركم؟

في الجانب الآخر

الحبل لا يزال معلقا في السماء

لا أحد يعرف إلى أين يفضي

أما نحن

فممنوعون من الموت

لا يمكننا التوقف الآن

أنا لا أصدق أن لون البحر ليس أزرق

ربما،لا يبدو كذلك من قريب

أنا لا أصدق أن الحياة ليست رائعة

ربما ،لا تبدو كذلك من قريب

بورتريه لآخر تونسي

في كل مرة أكتب كلمات عن الحب، أتخيل أن يداهم البوليس منزلي ويلقي علي القبض، لا أفهم لم يتبعني هذا الإحساس في كل مرة، على الرغم من أن ما أكتبه شخصي جدا، ولا يهم سوى شخصي البسيط، والحب القادم. كلما أنزلت نصا على الفايسبوك، كانت إشارات إعجاب الأصدقاء الإفتراضيين، أشبه بالأيادي التي توقظ المحققين. أتخيل أن يكونو ضمن قائمة أصدقائي، فأنا أقبل كل طلبات الصداقة. لا أستطيع تحديد الوقت الذي يتسللون فيه إلى النصوص ليجدوا ما يدينني بتهمة: اللاإيجابية أو اللاتفاؤل. لنعد الان لبورتريه آخر تونسي، إنه لايحصى ولا يعد، ينهمر كالسيل الجارف، يمر في طريقه بأراضي كثيرة، ولكن لا نبات ينمو، لاشيء غير الحجارة والأرض المتشققة، إنه يمر، حاملا معه كل الغضب ثم ينكسر في البحر. يعجبني هذا الوصف الشاعري ولكني أحبذ هذا أكثر : إن بورتريه آخر تونسي يصعب رسم ملامحه، كل شيء فيه يبدو دائري، مثل حلقة مفرغة تدور وتدور بلا إنقطاع

عشت سعيدة في بلد حزين

كانت عيناها صغيرتان مثل بئر جافة، كلما نظرت إليهما أرى الفردوس المفقود، ربما كان حلمها أن أصير رجلا ثريا، أنا لا أعلم بالتحديد ماذا كان يدور في ذهنها عندما كنت في بطنها. اليوم  تنظر إلى الشيب الذي غزا رأسي ولحيتي، تخبرني أن وضعي لا يفرحها، أنها على الرغم من كل شيء، سعيدة لأني أزورها من وقت لآخر، وهي لا تفهم حزني الذي يشبه الأفلام الوثائقية. على الرغم من أنني لم أسبب لها الكثير من المتاعب، إلا أنها كانت تحلم أن يكون لدي أطفال ومنزل واسع، أن أحلق شعري المجعد الطويل، وأرتدي ملابس أكثر أناقة. هي لم تقل ذلك، ربما تخاف أن تقل زياراتي لها، هناك أشياء كثيرة لا تقولها الأم بالكلمات، هناك أشياء كثيرة لا أجد لها الكلمات، مثل أن أسألها عن حياتها السابقة، عن قناعتها أنها تعيش سعيدة في بلد حزين. أنا الذي يقبع على الجانب الآخر، أبدو كرجل يعيش حزينا في بلد سعيد

من عيناها الصغيرتان

أطل على البئر القديم،

أشاهد الناس من بعيد،

الشمس من بعيد

السعادة من بعيد

الإبن الشرعي للحب

العنف يطغى على سلوكنا، الخوف يسيطر على ردود أفعالنا، لنتفق أننا لسنا بهذا القبح، ولنبدأ من هذه النقطة، لنرى ماذا يمكننا فعله معا. لا أحد يمكنه النجاة وحيدا. لنهزم الكراهية، علينا أن نتبع مسارا واضحا، أنظر لأسراب الأسماك في البحر، أ نظر لأسراب الطيور في السماء.  ليجرب بعضنا أن يكون أسماكا، منذ زمن فقد القرطاجنيون السيطرة على البحر المتوسط، منذ ذلك الوقت ونحن نسبح خارج الماء، كالسمكة التي تتخبط تحت الثلج. ليجرب بعضنا أن يكون كالطيور، منذ زمن كان الأمازيغ يصارعون الريح في الحروب، لاشيء يضاهي أن تمنح الحب والأمان. أنظر في العيون القاسية، لا يوجد حب، في زمننا هذا كل شيء يتحول بسرعة حتى المشاعر، لاشيء يعيش طويلا لحسن الحظ، الزمن يركض سريعا، كحصان عربي أبيض بجناحين. لا تقع في فخ الحكم على أفكاري، إفتح قلبك، إقتنص السعادة، إنها الإبن الشرعي للحب