eau-pollution-tunisie

بعد الانقطاع المتكرّر للمياه في العديد من جهات البلاد خلال هذه الصائفة، شهدت مؤخرا بعض المناطق، المرناقية وباجة وبوسالم، تحركات احتجاجية مُندّدة بتردّي نوعية المياه. إذ لاحظ المواطنون تغيّرا كبيرا في رائحة وطعم المياه دون إشعار مسبق من الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وهو ما عزّز الشكوك في تلوث المياه وعدم صلاحيتها للشرب.

eau-sonede-coupure-couleur

أثبتت تحاليل مخبريّة أجرتها مصلحة حفظ الصحة بالإدارة الجهوية للصحة بباجة في 21 و22 و23 جويلية 2016 أن المياه ملوّثة وغير صالحة للشراب بسبب نقص في مادة ”الكلور“ المُعقّمة للمياه. وإزاء التّحركات الأخيرة التي نفّذها أهالي باجة يومي الاثنين والثلاثاء 8 و9 أوت 2016 احتجاجا على رداءة المياه، عادت الإدارة الجهوية للصحة لتؤكد أن المياه باتت صالحة للشراب بعد تدخل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وفي هذا السياق أشار محمد القرامي رئيس مصلحة حفظ الصحة أن تحليل مخبري تم إجراءه يوم 3 أوت الجاري أثبتَ أن ”مياه الشرب لا تشكّل تهديدا لصحة الإنسان“.

تحركات احتجاجية مماثلة شهدتها منطقة بوسالم من ولاية جندوبة يوم الاثنين 8 أوت 2016، إذ طالب الأهالي في وقفة احتجاجية نفذوها أمام مقر المعتمدية بإعادة المياه إلى عذوبتها السابقة رافعين شعار ”رجّعولنا ماءنا“. من جهتها شهدت منطقة المرناقية التابعة لولاية منوبة يوم أمس الأحد تحركات مماثلة، إذ لجأ سكان حي النصر بالمرناقية إلى غلق الطريق الرابطة بين العاصمة ومجاز الباب احتجاجا على تغير طعم المياه.

رغم أن الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لم تُشعر حرفاءها بهذا التغيّر المفاجئ في نوعية المياه، ولم توضّح أسبابه، فإن الاحتجاجات الأخيرة أجبَرتها على الخروج من حالة الصمت، لتبرّر هذا التحول بانخفاض منسوب المياه في السدود بسبب الجفاف، الأمر الذي اضطرها إلى الاستنجاد بمصادر تزويد أقل جودة وعذوبة. وفي هذا السياق ذكرت مصادر من الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أن تراجع منسوب المياه بسد بني مطير دفع الشركة للاستعانة بسد بوهرتمة لتفادي النقص في التزويد، وهو ما أثّر على جودة المياه بكل من باجة وبوسالم. أما منطقة المرناقية التي تتزود هي الأخرى من سد بني مطير فقد تمّ ربطها بسد غدير القلة (15 كلم غرب العاصمة)، الأمر الذي جعل متساكني المنطقة يتذمرون من تغير مذاق المياه.

السياسة المائية الجديدة التي توختها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لا تعكس في نظر العديد من النشطاء والأخصائيين تكيّفا مع الوضع المناخي، الذي تصفه الشركة بالجفاف، بل تخفي وراءها سوء تصرف في إدارة الثروة المائية. في هذا السياق أكد خليل الجميلي، الناشط بحملة مانيش مسامح بباجة، لموقع نواة أن ”هناك إهدار للثروة المائية تم تسجيله في خريف سنة 2015، حيث عمدت السلطات إلى خفض منسوب المياه في بعض السدود بمنطقة الشمال الغربي على غرار سد بني مطير، وذلك تحسّبا لفيضانات قادمة في شتاء 2016 الجاري، وتبين أن هذا التقدير خاطئ لأن السنة الحالية سجلت نزول كميات أمطار منخفضة“. وأضاف محدثنا أن هذا الإجراء جعل المضخات غير قادرة على إيصال الماء إلى كامل المناطق التي تتزوّد من سد بني مطير، الأمر الذي اضطرّ الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه إلى الالتجاء إلى سد بوهرتمة، الذي يشكو من التلوّث بسبب رواسب الأتربة المتراكمة. وفي هذا السياق أشار خليل الجميلي إلى أنه ”كان من المنتظر أن يتم جهر سد بوهرتمة لتنظيفه من الرواسب، ولكن هناك شبهات تحوم حول صفقة التهيئة التي تدخّل فيها البنك العالمي، الأمر الذي أدى إلى تعطل المشروع“.

من جهته بَيّن علاء المرزوقي، منسّق المرصد التونسي للمياه، لموقع نواة أن ”هناك سوء تصرف في استغلال المياه من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، الأمر الذي أدّى إلى ضياع نسبة مهمة من الثروة المائية تبلغ حدود الـ30 بالمائة سنويا“. وبخصوص تردي نوعية المياه بالعديد من المناطق أضاف محدثنا أن هناك تقصير في التهيئة واستصلاح التجهيزات، لأن المياه يتم نقلها من السدود عبر القنوات ومحطات المعالجة تحت إشراف الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه.

الشّبهات التي تحوم حول صفقات فساد في مجال معالجة المياه صلب الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أكدته مؤخرا مصادر من داخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، حيث أحالت هذه الأخيرة في شهر جويلية الفارط ملف فساد لوكيل الجمهورية يثبت تورط مسؤولين للشركة في إسناد مناقصة شراء لإحدى الشركات المختصة في صناعة المواد المطهرة للمياه، وقد تبين أن الشركة المذكورة قامت بتصنيع مواد غير مطابقة للمواصفات الصحية، لأنها تحتوي على مادة ”نيكال“ المضرة بصحة الإنسان.