قطاع الوظيفة العمومية التي تشغّل أكثر من 650 ألف موظّف في مختلف القطاعات والمصالح العمومية والوزارات، أحد الملفّات الشائكة التي تتعاطى وإياها حكومة يوسف الشاهد من منطلق تخفيف الضغط على المصاريف العمومية، في حين يرى فيها الطرف النقابي خطّا أحمرا يمثّل انتهاكه خطوة جديدة في مسار تصفية القطاع العمومي بأسره.
ملّف الوظيفة العمومية عاد ليحتل صدارة المشهد الإعلامي منذ إعلان رئيس الحكومة الجديد خلال الجلسة العامة لتنصيبه عن نيته إيقاف الانتدابات في المؤسسات العمومية ومراجعة وضعية آلاف من موظّفي القطاع العام. وثيقة جديدة من صندوق النقد الدولي، هي التي رسمت ملامح ميزانية 2017، وحدّدت الإجراءات “الضرورية” لتقليص ضغط الوظيفة العمومية.
في ضلال اتفاق قرطاج
خلال توقيع اتفاق قرطاج في 14 جويلية 2016، كان وفد من صندوق النقد الدولي يعدّ وثيقة مهمّة ميدانية في تونس، لتشخيص الوضع الاقتصادي والمالي الراهن وإعداد جملة من التوصيات لحكومة يوسف الشاهد المنتظرة حينها. ليخلص هذا الوفد إلى إصدار وثيقة في 16 من نفس الشهر تحت عنوان “الخلاصات الاولية لمهمة 12-19 جويلية 2016”. هذه الوثيقة التي تنشرها نواة، تضمّنت ثلاثة محاور بالأساس؛ الأوّل يتعلّق بتشخيص الوضع الاقتصادي والمالي، والثاني “الافاق والمخاطر” المحدقة بالوضع الاقتصادي التونسي، أمّا المحور الثالث بعنوان “السياسات الاقتصادية الكبرى”، فقد تضمّن جملة من التوصيات المتعلّقة بالميزانية، السياسة المالية ومعدلات الصرف، إضافة إلى اصلاح المؤسسات والحوكمة. كما تضمّنت الوثيقة المذكورة ملحقا بعنوان “استراتيجية هيكلة الوظيفة العمومية: العناصر الأساسيّة”.
الضغط على المصاريف العموميّة: الموظّفون العموميّين في قلب الرحى
الملحق الوارد في وثيقة فريق خبراء صندوق النقد الدوليّ، تمحورت حول كيفيّة هيكلة أو “اصلاح” الوظيفة العمومية، التي تعتبرها أحد العوامل الرئيسيّة في إثقال كاهل الاقتصاد التونسي. الوصفة التّي قدّمها وفد الهيئة المالية الدولية، تتلخّص بالأساس حول إعادة النظر في هيكلة الأجور، والتراتيب الخاصّة بالمنح بهدف التقليص منها بشكل تدريجيّ. كما أوصى فريق خبراء صندوق النقد الدولي بمراجعة آليات الانتداب في الوظيفة العمومية، تزامنا مع وضع خطّة لتقليص حجم الانتدابات والتحكّم في كتلة الأجور بإتجاه تحقيق تقليص سنويّ خلال السنوات الأربع التالية (ابتداء من سنة 2017 إلى موفى سنة 2020) لتصل نسبة كتلة الأجور من اجمالي الناتج المحلي الخام إلى حدود 12 بالمائة بدلا من 14 بالمائة سنة 2016.
تطعيم الملحق المذكور بتوصيات تتعلّق بتحسين جودة الخدمات والاعتناء بالمصالح والمؤسسات العمومية في المناطق الداخليّة، والعمل على تحسين كفاءة الموظّف العمومي، لا تحجب الهدف الأساسي من “استراتيجيّة هيكلة الوظيفة العمومية” القاضي بتقليص دور الدولة ومسؤوليتها في التشغيل وتوفير الخدمات للمواطن والاستثمار العمومي، وفتح المجال في المقابل للقطاع الخاصّ لملأ حالة الشغور المنشودة تحت عناوين الإصلاح وتحسين جودة الخدمات وضمان النجاعة والسرعة.
مشروع قانون المالية لسنة 2017: صندوق النقد يشترط والحكومة تنفّذ
ورقة خبراء صندوق النقد الدوليّ، لم تتأخّر كثيرا حتّى تتحوّل إلى خطّة حكوميّة متكاملة للضغط على نفقات التصرّف وكتلة الأجور بالأساس. هذا ما ترجمه مشروع قانون المالية لسنة 2017، الذّي استجاب للتوصيات المضمّنة في ملحق “استراتيجيّة هيكلة الوظيفة العموميّة” عبر سنّ عدّة أحكام تتعلّق بنفقات الأجور والانتداب في القطاع العامّ. حيث لم تتجاوز نفقات الأجور لسنة 2017، 13700 مليون دينار مقابل 13121 مليون دينار سنة 2016، أي بنسبة زيادة 4.2 بالمائة.
عمليّة ضبط نفقات الأجور تمّت عبر سلسلة من الإجراءات والأحكام التي تمحورت حول تأجيل صرف قسط سنة 2017 بعنوان البرنامج العام للزيادات في الأجور والمقدّرة ب600 مليون دينار، إضافة إلى تأجيل صرف قسط سنة 2017 بعنوان البرنامج الخصوصي للزيادات في الأجور بقيمة 315 مليون دينار. هذه الإجراءات تتناقض مع الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول الترفيع في الأجور في القطاع العام، وهو ما خلق أزمة بين الطرفين عقب نشر مشروع الميزانية، ليبادر الاتحاد العام التونسي للشغل إلى إصدار بيان شديد اللهجة في 17 أكتوبر الجاري عبّر من خلاله عن رفضه لتجميد زيادة الأجور العملة وموظّفي القطاع العام، محمّلا الحكومة مسؤولية زعزعة السلم الاجتماعي، داعيا منخرطيه إلى التجنّد للدفاع عن حقوقهم بكافة الوسائل السلمية.
الاستجابة الحكومية لتوصيات فريق خبراء صندوق النقد الدولي للضغط على نفقات الأجور لم تتوقّف عند هذا الحدّ، حيث تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2017 “تدابير استثنائية ” تتلخّص في التأكيد على عدم القيام بانتدابات جديدة سنة 2017، باستثناء خريجي مدارس التكوين بوزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية ووزارة المالية وخريجي المدرسة العليا الوطنية للإدارة. كما شملت هذه التدابير الحكومية عدم اللجوء إلى تعويض المحالين على التقاعد سنة 2017، والذّين ناهز عددهم 11200 موظّف بالقطاع العّام، إضافة إلى إيقاف العمل بتعويض الشغورات المسجلة خلال السنة المقبلة بسبب الاستقالة أو الوفاة أو الإلحاق، كما سيتّم تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة صلب المصالح والوزارات الحكومية. أمّا في باب المنح والترقيات، فاستنسخت الحكومة ما جاء في تقرير صندوق النقد الدوليّ عبر الإعلان عن التقليص من منح الساعات الإضافية والتحكم في منح الانتاج.
وزراء لتلطيف الانصياع
سلسلة الإجراءات والتدابير الخاصّة بتنفيذ إملاءات هيئات النقد الدوليّة، لم تبدأ مع حكومة يوسف الشاهد، حيث استجابت الحكومات المتعاقبة لبرنامج الإصلاح الهيكليّ المقدّم من قبل صندوق النقد الدوليّ، مقابل جرعات التسكين ومحاولة الضغط على الاحتقان الاجتماعي وإيقاف التدهور المتسارع للاقتصاد التونسي. بدءا بالاتفاقيات السريّة، ومفاهمات الكواليس، مرورا إلى سياسة الترهيب الاقتصاديّ، وتصوير المديونيّة كجدار أخير للاحتماء من الكارثة الاقتصاديّة المخيّمة منذ سنوات على الاقتصاد التونسي، مارست الحكومات المتعاقبة أساليب مختلفة لتلطيف وقع سياساتها وآثارها.
ملّف الوظيفة العموميّة، استعمل بعد سنة 2011 للالتفاف على ضرورة اخضاع الاقتصاد الوطني لمراجعة هيكلية وإعادة النظر في السياسات التنموية بشكل جذري، إضافة إلى تسخير القطاع العام لإسكات المطالبين بالتشغيل وترضية المساندين والقواعد الانتخابية عبر الانتدابات العشوائيّة. وها هو يعود اليوم ليتصدّر المشهد الإعلاميّ بعد تبنّي الحكومة الجديدة لوثيقة صندوق النقد الدولي وإصرارها على تنفيذه بحذافيره عبر سنّ التشريعات والتدابير، أو عبر سلسلة من التصريحات الحكومية التي تحاول تجميل التعاطي الراهن مع هذا الملّف وإعداد الرأي العام لتقبّل الإجراءات الحكوميّة. فتصريحات عبيد البريكي، الوزير المكلّف بملفّ الوظيفة العمومية، تصبّ في هذا الإطار. إذ لا يمكن عزل مداخلاته الإذاعية والتلفزية التي تذكّر بالأعداد الهائلة من الموظّفين الزائدين عن حاجة الدولة، أو أنّ الحكومة لا تملك أي هامش للتحرّك سوى الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي وتبرير التجاء الحكومات السابقة إلى هذا الخيار عن مسار متواصل نحو التنفيذ الحرفيّ لبرامج هيئات النقد الدوليّة والذّي شمل القطاع المالي والبنكي ومجلّة الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ، ليفتح هذه المرّة ملفّ الوظيفة العموميّة بإجراءات أحاديّة تقصي الشركاء النقابيين والاجتماعيين وتنذر بمعارك محتملة لن تكون بجديدة على المشهد التونسي.
Si l’on se place du point des citoyens usagers des administrations, le constat est accablant: lourdeurs, tracasseries et maltraitance doublées d’inefficacité qualifieraient objectivement les prestations.
Si l’on y ajoute le poids financier que cela représente au sein du budget de l’Etat, on ne pourrait que partager les préconisations des bailleurs de fonds.
Seule réserve, le risque de mise au chômage de dizaines de milliers de personnes.
Le dogmatisme consisterait à dénoncer facilement les FMI et autres officines au privilège du maintien d’un système inopérant et inefficient, dont les pratiques s’assimilent à celles des dictatures.
Je dis cela sur la base d’expériences vives et d’observations effectuées sur les terrains durant deux mois.
La désorganisation, les procédures lourdes et la toute-puissance des bureaucraties inefficientes convertiraient aux dogmes du “mois d’Etat”, les plus Radicaux des anti-liberaux.
Il faudrait une révolution des pratiques et des institutions attentives au citoyen.
Il nous reste l’espoir que cela advienne.
إن الشعارات المرفوعة اليوم والتي يتصدى أصحابها لمناقشة الشان العام هي في ظاهرها، رنانة ومثيرة، وقادرة على أن تجتذب إليها أولئك الناس الذين ينطلقون في مواقفهم من خلال مشاعرهم وأحاسيسهم. ولا يملكون من المعايير الفكرية ما يمكنهم من تقييم الأمور بطريقة صحيحة وموضوعية.
بل إن المشاعر والأحاسيس تختلس منهم فرصة التفكير الهادئ والرصين، لتكون ترجمتها هيجاناً عارماً، وانحيازا فظيعاً مجانبا للحق والدولة ، وبطشاً بشعاً ومريعاً بكل المقومات والثوابت
ويزيد هذه الشعارات تأثيراً في عنف الحركات والاحزاب هو كونها تنطلق في هذه المناخات الموبوءة والمريضة، وفي ظل مظاهر الانحراف السياسي عن جادة الحق .
بالإضافة إلى ذلك فإن تلك الشعارات والمواقف تصاغ بشكل يتناغم مع مشاعر الشباب الذين يميلون إلى التمرد، وحب الاستقلال، والرغبة بالاضطلاع بأعمال كبيرة، تجذب أنظار الآخرين. وغير ذلك من حالات تختزنها شخصية الشباب الناشئ، والحدث الذي لم يجرب الأمور، بل يندفع إليها برعونة وطيش، وبلا حساب، أو تُسوق لجهات في اوقات الاحتقان التي تنشا هنا او هناك نتيجة اختلاف مع الدولة ،وتجد من بين هؤلاء من هو وهو متلبس بجبة الحكم ولكنه ضد الحكم يتتبع الرعية او الغوغاء لا يهمه منها سوى كسب الانصار وتسجيل المواقف ، فتُصدم كيف لهذا ان يكون من رجالات الدولة او سياسييها ، وكيف للاتباع وإن ساندهم أن ياتمنوه.
ولعل هذه الشعارات وتلك العواطف الجياشة التي تهيج في مثل هاذه المناخات كانت هي السبب في ضهور فورات تتميز بالعنف والطيش والرعونة، ثم تخمد تحت وطأة الضغوط والظروف الموضوعية، التي تنشأ من حالات الفعل وردات الفعل، مما لم يكونوا يحسبون له حسابات صحيحة أو كافية لاستيعاب تداعيات الحدث الذي يثيرونه في الواقع العام.
وهكذا.. فقد كانت تلك الشعارات تسقط أمام ضغط الواقع، وتتلاشى في زحمة نزوات الأهواء، وعثرات الميول ـ وينتهي الأمر بحاملي تلك الشعارات إلى أن يصبحوا ـ حسبما كل التنبؤات ـ في نهاية الأمر لصوصا سلابين ولكنهم في النهاية يذهبون ويبقى الوطن أما المواطن فوليه الله . اتضح ان كل الفرق والأحزاب غير مؤهلة للحكم وغير مؤمنة بتأسيس دولة القانون القائمة على حقوق المواطنة وليس حقوق مجموعة او منطقة او انتماء ، لذا تبدو الصدمة هائلة في تداعياتها على الوطن وعلى الشعب مالم تُقدم كل الفرق والنخب السياسية نقدا ذاتيا ومراجعات ربما بها تتطهر من الآثام التى عطلت نهضة هذا الشعب