marouane-mabrouk-cyrine-ben-ali-orange

على عكس عدد من أصهار وأقارب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، استطاع مروان المبروك الخروج بأقلّ الأضرار بعد التغيير السياسي الذّي شهدته البلاد عقب 14 جانفي 2011. لكن متاعب هذا الأخير لم تنتهي، بعد تهديدات الرئيس المدير العام لأورنج فرنسا بتعليق نشاط الشركة في تونس، تزامنا مع قرار وزارة الإقتصاد والمالية الفرنسية يوم الثلاثاء 02 نوفمبر 2016 القاضي بإعادة تجميد حسابات وممتلكات عائلة بن علي وزوجته وأقاربهم ومن ضمنهم صهره السابق. قضيّة مروان المبروك تعيد إلى الأضواء قضية تلازم الثروة والسلطة في عهد بن علي، بعد أن غُيّب تقرير عبد الفتّاح بن عمر منذ سنة 2011، وتبرئة القضاء التونسي لهذا الأخير. كما تكشف وجها آخر لصراع الشركات العالمية الكبرى على “الكعكة” التونسيّة كما سمّاها رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة.

أورنج في تونس: فساد منذ الخطوات الأولى

الخطوات الأولى لشركة أورنج للاتصالات بدأت سنة 2008 عندما قررت الدولة ممثلة في وزارة تكنولوجيات الاتصال في أواخر سنة 2008 إسناد إجازة لإقامة واستغلال شبكة عمومية للاتصالات، لتوفير خدمات الاتصالات القارة والجوالة من الجيل الثاني والثالث بعد الدعوة إلى المنافسة وطرح طلب عروض دولي بتاريخ 4 ديسمبر 2008.

أوّل التجاوزات، كما أشار إليها التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، تتعلّق بالفصل السابع من نظام طلب العروض. حيث نصّ هذا الأخير وجوبا على أن يكون المشارك متحصّلا على إجازة في إرسال المعطيات عبر الأقمار الاصطناعية بصدد الاستغلال بالجمهورية التونسية.

⬇︎ PDF

هذا الشرط لم يكن اعتباطيا، باعتبار وجود مشغّل وحيد يلبّي هذا الشرط وهو شركة Divona Telecom المملوكة لصهر الرئيس السابق مروان المبروك وزوجته سيرين بن علي. المنافسة على لزمة المشغّل الثالث انحصرت في نهاية المطاف بين كلّ من مجمّعPrincesse Holding/TURKCELL  (الذّي يتكونّ من مشغل في تراسل المعطيات عبر الهاتف القار والجوال والأنترنت في تركيا إضافة إلى مجمّع Princesse-Holding الذّي تعود ملكيته لصهر الرئيس السابق صخر الماطري) ومجمّعDIVONA /ORANGE .

الاخلالات بشروط التنافسية والمساواة في البتّة العمومية لم تنته عند هذا الحدّ، إذ يكشف التقرير المذكور أنّ مصاهرة مروان مبروك للرئيس السابق لعبت الدور الرئيسي في فوزه بلزمة المشغّل الثالث في السوق التونسية حينها. البداية كانت بالعرض الذي تقدم به مجمع Divona / Orange الذّي كان دون انتظارات الوزارة، حيث بلغت قيمته 110,250 مليون دينار في حين أن تقديرات الإدارة كانت في حدود 158,5 مليون دينار. كما أنّ قيمة العرض الفرنسي لم ترتقي لمنافسة نظيره التركي والذي تقدم به مجمع TURKCELL بقيمة جملية ناهزت 207,000 م د. كما يؤكّد تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة أنّ عملية الفوز بإجازة إقامة استغلال شبكة عمومية لتوفير خدمات الاتصالات للهاتف القار والجوال من الجيل الثاني والثالث (أورونج) أحاطتها شبهات تتعلّق بالإخلال بقواعد الشفافية الضامنة للمنافسة وتكافؤ الفرص، حيث لعبت علاقة المصاهرة التي تجمع بين مالك أحد المتنافسين في ترجيح الكفّة لصالحه. هذا وقد تمّ تضخيم أصول شركة Divona Telecom عبر ادماج مرابيح الشركة ضمن أرباحها، انتهاء بقبول مؤسسة Orange participations الفرنسية بنصيب لا يمكّنها من إدارة الشركة الجديدة؛ حيث لم تتجاوز مساهمتها نسبة 49% وذلك رضوخا لرغبة الشريكين الرئيسين المالكين Divona Telecom مروان المبروك وسيرين بن علي ومكافأة لهما على دورهما في الظفر باللزمة.

رياح جانفي 2011 لم تكن كافية

عمليّات المصادرة للأملاك المنقولة وغير المنقولة لعائلة الرئيس السابق والمقرّبين منه عقب 14 جانفي 2011، لم تستثني مروان المبروك، لتضع لجنة المصادرة يدها على شركة أنفاستاك المالكة ل51% من أسهم شركة أورونج. لتنقل الملكية لوزارة أملاك الدولة التّي وضعتها بدورها تحت إدارة المتصرّف القضائي في 24 ماي 2012. الفرع التونسي من هذه الشركة الفرنسية العملاقة لم يلبث أن ردّ الفعل برفع قضايا تتعلّق بطلب التدقيق في التدفقات المالية لمجموعة أنفستاك التابعة لمروان مبروك. ليتوصل الخبراء الماليون إلى أن رؤوس الأموال المرصودة للمجمع أنفستاك هي أرباح شركات ورثها مروان المبروك وأشقاؤه من والدهم وهو ما ينسحب بالتالي على شركة أورنج تونس. الضغط من  أجل رفع التصرّف القضائي في النصيب الأكبر من هذه الشركة، اتخذ بعدا آخر بتوظيف الضائقة المالية لأورونج بعد مصادرتها عقب الثورة وتململ إطاراتها وموظّفيها خوفا من تدهور الأوضاع المالية للشركة وافلاسها. هذه الضغوطات، بالإضافة إلى الدور الذّي لعبه وزير العدل نور الدين البحيري والوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة التونسية المكلف بالشؤون الاقتصادية رضا السعيدي في تبييض مروان المبروك كما أوردته نشرية Maghreb confidentiel، أفضت في نهاية المطاف إلى إصدار حكم قضائيّ في 11 فيفري 2014 من الدائرة الاستعجالية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة يقضي بتأكيد احقية ملكية مجموعة “أنفستاك” التابعة لمروان المبروك لمؤسسة اورنج تونس وابطال قرار اعفائه من رئاسة مجلس ادارة أورنج تونس وشركة ”غات للتأمين” بعد القضاء ببطلان الاجراءات السابقة. قرار قضائيّ أسقط ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، وتغاضى عن التجاوزات القانونية واستخدام النفوذ السياسي لافتكاك لزمة المشغّل الثالث للاتصالات، والفساد الذّي شاب العمليّة منذ الوهلة الأولى.

ظلال الماضي تلاحق مروان المبروك

على لسان الرئيس المدير العام لشركة أورنج، ستيفان ريشار، نقلت مجلة  “Jeune Afrique”نيّة هذه الشركة التي دخلت السوق التونسية منذ سنة 2009 تعليق نشاطها ومغادرة البلاد. هذا المقال المنشور أواخر شهر أكتوبر الفارط، أشار إلى ضيق الشركة الفرنسية باستمرار وضع جزء من أسهم الشركة تحت التصرّف القضائي. القضيّة التي اثارتها المجلّة المذكورة والتي تبّنت فيها وجهة النظر الفرنسيّة، تعود بالأساس إلى تعيين أنور معروف وزيرا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حكومة يوسف الشاهد. هذا الأخير المنتمي لحزب حركة النهضة، تولّى سابقا خطّة مدير القطب التكنولوجي في الكرامة القابضة المهتمة بإدارة الممتلكات المصادرة لعائلة بن علي. العلاقة العدائيّة بين ستيفان ريشار و أنور معروف ، ألقت بظلالها على الأزمة الراهنة، حيث اتهّم الرئيس المدير العام للشركة الفرنسيّة حسب المقال المذكور وزير الاتصالات الحالي بتعطيل خدمات “اورنج تونس” والعمل على طرد مروان مبروك من رئاسة مجلس الإدارة وعرقلة تنفيذ الأحكام القضائيّة سنتي 2013 و2014. كما قام معروف، حسب نفس المصدر، بإرسال رسالة تهديد إلى ستيفان ريشار حثه فيها على الاستثمار في شركته وإلا سيقع سحب رخصته، وهو ما جعل رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، يقدم اعتذاراته لريشار.

مشاكل مروان المبروك لم تنتهي عند هذا الحدّ، إذ جاء قرار وزارة الإقتصاد والمالية الفرنسية يوم الثلاثاء 02 نوفمبر 2016 القاضي بإعادة تجميد حسابات وممتلكات عائلة بن علي وزوجته وأقاربهم، ليسلّط عليه الضوء من جديد على بعد ان تمكّن طيلة السنوات الخمس الماضية من تجنيب  مجموعته المالية ارتدادات التغيير السياسي عقب جانفي 2011.