إسقاط الفصل 37 من مشروع قانون المالية لسنة 2017 –المتعلق برفع السر البنكي- من قبل نواب حركة النهضة ونداء تونس صلب لجنة المالية، أيقظ الجدل حول : مقاومة التهرب الضريبي، إصلاح المنظومة الجبائية، تطبيق مبدأ الشفافية والمساواة في تحمل الأعباء الضريبية. هذا وكشف في جانب كبير منه عن تعارض التصورات داخل منظومة الحكم، حيث أن هذا الفصل المقترح من “حكومة الوحدة الوطنية” تم إسقاطه تحت قبة البرلمان من طرف أكبر مكوناتها: نداء تونس وحركة النهضة.
حركة النهضة: اشتباك السياسة بأوساط الأعمال
حركة النهضة ونداء تونس والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هم أبرز المعارضين لإجراء رفع السر البنكي الوارد في مشروع قانون المالية لسنة 2017. من هذا الموقع سعى كل واحد منهم إلى حشد الحجج الاقتصادية والقانونية لتبرير هذا الرفض. وتلوح حركة النهضة الأكثر تحمّسا للحيلولة دون تمرير هذا الإجراء، إذ استغلت تواجدها الأغلبي (5 أعضاء) في مداولات لجنة المالية يوم الجمعة الفارط لفرض موقفها، ويشار إلى أنه غاب عن الجلسة المذكورة 8 نواب من مختلف الكتل البرلمانية. دفاعا عن هذا الموقف ذهب عبد اللطيف المكي، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، إلى أن “رفع السر البنكي يؤثر على السيولة البنكية ويدفع رجال الأعمال نحو الانخراط في الاقتصاد الموازي”. وأضاف المكي في ذات التصريح أن موقف الحركة يعد انعكاسا للآراء السائدة في أوساط الأعمال.
الربط بين رفع السر البنكي والاقتصاد الموازي لا يبدو منطقيا في نظر بعض الخبراء الجبائيين، إذ أكّد لسعد الذوادي، رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين، لموقع نواة أن “الكثير من رجال الأعمال يقدمون كشفا بحسابات مؤسساتهم، وهو ما يجعل هذا الإجراء موجها للفئة القليلة التي تمتنع عن التصريح بحساباتها”، مضيفا أن “معارضة رفع السر البنكي يهدف إلى شل مصالح المراقبة الجبائية وتحصين المتهربين جبائيا”.
موقف حركة النهضة الذي وضعها في مساءلة إزاء مبدأي الشفافية ومقاومة التهرب الضريبي، جعل مجلس الشورى المنعقد يوم السبت الفارط يلجأ إلى التعديل الشكلي لموقف الكتلة البرلمانية من خلال التأكيد أن “الحركة مع الاقتصار على رفع السر البنك على حسابات السياسيين ورجال الأعمال الناشطين في الحياة العامة”. وقد اعتبر الكثير من الخبراء الجبائيين هذا الاستثناء خرقا لمبدأ المساواة في الأداء الضريبي.
اتحاد الأعراف وشبح الإلتزام الضريبي
من جهته عارض الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هذا الإجراء، إذ ورد في مذكرته حول مشروع قانون المالية لسنة 2017 “رفع السر البنكي دون ضمانات هو علامة أخرى من العلامات أو الإشارات التي يمكن الحديث عنها في مجال العوائق أمام المؤسسة….وبلا شك فانه كان من الأحرى قبل التفكير في مراجعة هذا الأمر، البدء في البحث عن كيفية إعادة بناء الثقة وتحرير الإمكانيات الهائلة من أجل دعم المبادرات الخاصة وبعث المشاريع”. [1] ويظهر أن اتحاد الأعراف يربط رفع السر البنكي بمسألة الإلتزام الضريبي، الذي يُنظر إليه في أوساط الأعمال كعائق أمام نشاط المؤسسات، وقد شكّل طيلة الفترة السابقة موضوع احتجاج من قبل اتحاد الأعراف على قانون المالية الجديد.
بالمقابل كشفت دراسة حول مشروع الميزانية لسنة 2017، أعدّها أستاذ الاقتصاد عبد الجليل البدوي بالشراكة مع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عن الامتيازات التي حظي بها القطاع الخاص تحت عنوان التشجيع على الاستثمار من بينها “التراجع عن الضريبة التي تخص المؤسسات المصدِّرة بـ10 بالمائة، طرح من الضريبة بنسبة 50 بالمائة عن أجور حاملي الشهادات العليا ممن سيقع إدماجهم بشكل قار، إعفاء من الأداء على التكوين المهني، التخفيض من نسبة الضريبة على الشركات المدرجة أسهمها بالبورصة من 25 بالمائة إلى 15 بالمائة مدة 5 سنوات، إقرار حوافز أخرى تخص المساهمات الإجتماعية”. وقد علّقت الدراسة المذكورة على هذه الإجراءات بأنها “ستجعل المردود المالي خاصة الصافي غير ثابت وغير مضمون، خاصة في ظل التهرب الجبائي وضعف المراقبة وتشابك المال بالسياسة. مما يجعل من إرساء العدالة الجبائية خاصة وقت التضحية مسألة لا تدرك”.[2]
اتحاد الشغل: خارج سرب التوافق
علاوة على أن مسألة رفع السر البنكي كشفت عن تعارض بعض التوجهات بين حكومة يوسف الشاهد والكتل البرلمانية الحاكمة، فإنها أعادت أيضا التساؤل حول مدى الالتزام السياسي بـ“اتفاقية قرطاج”، التي نصّت ضمن باب إجراءات التحكّم في عجز ميزانية الدولة وفي المديونية العمومية على “مقاومة التهرّب الجبائي بتطوير ودعم إدارة الجباية والاستخلاص وتمكينها من استعمال الآليات الحديثة للرقابة وفقا للمعايير الدولية في المجال، والقيام بإجراءات واسعة وشاملة من أجل استخلاص الديون الجبائية العالقة وكذلك ديون الصناديق الاجتماعية”. ولعل رفع السر البنكي يعد من إجراءات المراقبة الموافقة للمعايير الدولية، إضافة إلى أن تونس صادقت على عدة اتفاقات دولية تنص على تبادل المعطيات المالية والبنكية.
الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أبرز المكونات التي ساهمت في صياغة اتفاقية قرطاج التي تشكلت على ضوءها حكومة يوسف الشاهد، وجد نفسه المدافع الوحيد عن مقررارت الاتفاقية (خصوصا في الجانب الجبائي). ومن هذا المنطلق عبر عن دعمه لإجراء رفع السر البنكي إذ اعتبره سامي الطاهري، الأمين العام المساعد باتحاد الشغل “إجراء يتناسب مع الشفافية ومبدأ الموطنة، ومصالح الجباية دون رفع السر البنكي كالذي يسير في الظلماء بلانور”، ملوحا بإصبع الاتهام إلى الكتل البرلمانية الحاكمة، مؤكدا أنها “تريد حماية جهات ولوبيات معينة تعيش على المعاملات المالية غير القانونية”.
رفع السر البنكي: أية ضمانات؟
ذهبت العديد من الآراء إلى أن رفع السر البنكي من شأنه أن يفتح المجال أمام “إفشاء الأسرار المالية الخاصة” وهو ما يؤثر سلبا على مناخ الأعمال والاستثمار، ويوسع من سلطة الإدارة الجبائية إلى درجة تسمح لها بابتزاز المُطالًبِين بالأداء. في هذا السياق أكد لسعد الذوادي، رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين، لموقع نواة أن “ربط هذا الإجراء بالابتزاز وانتهاك المعطيات الخاصة ليس واقعيا لأن التضييق على إجراء السر البنكي سينتفع به المتهربين من الضرائب، في حين أن الملتزمين جبائيا يصرحون بكشوفات حساباتهم المالية والبنكية بشكل عادي لمصالح الجباية”. وأضاف الذوادي بأن هذا الإجراء مُعتمدا منذ سنوات في المعايير الجبائية العالمية ويعد من باب التأخر إقراره الآن في تونس، وفي نفس الوقت أكد بأن “هذا الإجراء يعد قانونيا وقائم الذات في تونس إذ أنه لا يمكن مجابهة بعض الهيئات الرقابية والدستورية بمسألة السر البنكي من بينها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة، وهياكل الرقابة العمومية التابعة لوزارة المالية والكتابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية”.
تزامنا مع الجدل حول رفع السر البنكي تبرز مسألة إصلاح الإدارة الجبائية التي تشكو من العديد من النقائص أبرزها انعدام الإمكانيات، حيث يوجد 27 مركز جهوي لمراقبة الأداءات موزعة على 24 ولاية، ولا يتجاوز عدد المكلفين فيها بإجراء المراجعة الجبائية المعمقة الـ300 موظف، أي بمعدل 10 ملفات جبائية لكل موظف طيلة السنة. وهو ما يطرح تساؤلا مهما: أي مصداقية سياسية لمقاومة التهرب الجبائي في ظل الحفاظ على هذا الجهاز المشلول؟
الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية: مذكرة حول مشروع قانون المالية لسنة 2017، ص 4[1]
[2] عبد الجليل البدوي: مشروع قانون المالية لسنة 2017 من وهم التوافق إلى حقيقة التباين، ص 29. قسم الدراسات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نوفمبر 2016.
النقاش الدائر حول هذا الفصل من مشروع قانون المالية لسنة 2017 ، يُشير الى وجود اشكاليات حقيقية ، ناتجة عن فراغ تشريعي بشأن مؤسسة “السر البنكي ” رغم طابعها واهميتها الاقتصادية الكبرى ، خاصة في ظل سياسة الانفتاح والمنافسة لاستقطاب رؤوس الاموال وكبار المستثمرين التونسيين أو الاجانب ..وعليه فنحن اليوم امام ضرورة وضع “قانون مستقل”ومتكاكل يُعنى بتنظيم “السرية البنكية ” وبرفعها وبتنظيم أحكامها وكافة الضوابط القانونية المرتبطة بها ، ويجيب عن كل الاسئلة العالقة في هذا الباب ،على غرار مافعلت باقي الدول التي لها قوانين خاصة بالسر المهني البنكي افرزت له خصائص أخرجته عن باقي المهن المشمولة بالسرية والتي نصت عليها قواعد القانون الجنائي ووضعت بذلك توازنا بين جريمة التهرب الضريبي وغسل الاموال وجريمة افشاء السر البنكي والزمت الادارات العمومية (الضرائب ) والمؤسسات البنكية بقواعد الحيطة والحذر وانشات لذلك اجهزة رقابية مختصة في مجال المعلوماتية وراعت المصداقية الائتمانية للمؤسسات البنكية والمالية وما يمكن ان يترتب عن رفع السر البنكي دون ضوابط من مشاكل جمة تدفع الى تحويل رؤوس الاموال والحسابات من هذه البنوك الى بنوك اخرى تبدو لاصحاب الحسابات اكثر اماانا فيما يتعلق بافشاء السر المهني .الخلاصة انه يمكن للحكومة ان تتخلى مؤقتا عن هذا الفصل وان تدفع لاصدار قانون مستقل ومتكامل نظم قواعد واحكام السر البنكي ويملا الفراغ التشريعي الحالي ويقلص من الاجتهادات .ب
“تعارض التصورات داخل منظومة الحكم”، رغم إلتقاء المصالح …
المشكل أن العقل السياسي التونسي يعيش خارج المنظومات العالمية .. و كأنه جاهل بالاليات “آليات الشفافية خاصة ” التي تعتمدها كثير من الدول ، و أجهزة منظمة الأمم المتحدة ..
غريب أمر هؤلاء !