تنتهي اليوم رسميّا أشغال الندوة الدوليّة لدعم الإستثمار والإقتصاد، تونس 2020، والتي استمرّت 48 ساعة. الدعاية الإعلامية الضخمة لهذه الندوة، إضافة إلى التغطية الاستثنائيّة التي حظيت بها، حملت العديد من الوعود وقائمة طويلة من المشاريع المتنوّعة. لكنّ فوضى الأرقام التّي ازدحمت بها مختلف وسائل الإعلام، كانت أشبه بالواجهة البرّاقة لسياسة استثماريّة أثبتت افلاسها وعمّقت المشاكل الاجتماعية والاقتصاديّة، وحافظت على خطوطها الكبرى في التوزيع القطاعي والجهويّ.

67 مليار دينار و145 مشروعا استثماريا مقترحا، لم تكن سوى محاولة لتلميع صورة الفريق الحاكم بعد أن بهتت وعوده الانتخابيّة واستنفذ هامش المناورة مع مختلف الأطراف الاجتماعيّة والسياسيّة، ليلجأ مرّة أخرى لقنابل الدخان والاستعراضات الكبرى.

الاستثمارات العمومية ودوّامة القروض

بحسب المخطط الرسمي لتونس 2020، تهدف الندوة الدولية للاستثمار إلى تعبئة 67 مليار دينار من الاستثمارات على مدى الأعوام الخمسة القادمة، تتوزّع بين المشاريع الحكومية أو التابعة لمؤسسات القطاع العام إضافة إلى مشاريع مشتركة بين القطاعين العام والخاصّ ومشاريع استثمارية للقطاع الخاصّ. وقد تضمّنت القائمة التي نشرتها وزارة التنمية والإستثمار والتعاون الدولي 145 مشروعا في مختلف القطاعات. الأرقام الأوليّة  تسند النصيب الأكبر للقطاع العامّ بنسبة 46.2% وبقيمة جمليّة تفوق 30 مليار دينار. لتتوزّع باقي الاستثمارات بين القطاع العام والخاصّ بقيمة 15.70 مليار دينار ونسبة 23.44%، فيما يحظى القطاع الخاصّ بنسبة 30.34% من اجمالي الاستثمارات بقيمة 20.33 مليار دينار.

القطاع العام المتأزّم والمقبل على إضراب عام في 08 ديسمبر القادم، سيكون بحسب هذه الأرقام دفّة الاستثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة بحسب تقرير وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدوليّ، لكنّ التقرير المذكور خلا من أي اخصائيات حول مصادر التمويل العموميّ، ليكتفي بالإشارة إلى القروض الخارجيّة التي ستموّل أكثر من 93% من المشاريع العمومية في مختلف القطاعات، أي انّ الدولة ستلجأ لاقتراض 29.04 مليار دينار للإيفاء بوعودها خلال هذه الندوة. علما وأنّ المديونية ستناهز خلال سنة 2017 56 مليار دينار وهو ما يكلّف الدولة 62 بالمائة من ناتجها المحلي الخام، ويتسبّب في تفاقم العجز إلى 6500 مليون دينار.

القطاع الخاص يستحوذ على القطاعات “المغرية”

تبرز الاحصائيات المصاحبة، أنّ القطاع الخاصّ سيوجّه استثماراته نحو المجالات الأكثر مردوديّة على صعيد المرابيح، حيث سيكون للمستثمرين الخوّاص النصيب الأكبر في قطاع السياحة بنسبة 69% والصناعة بنسبة 67% والبعث العقّاري أو ما يعرف بالمقاولات بنسبة 75%. أمّا في قطاع الصحّة، فستقتصر الاستثمارات الخاصّة على المصحّات والمراكز الاستشفائية السياحيّة ليبقى للدولة 5 مشاريع تتعلّق بتحسين المستشفيات الجهوية وتوفير بعض التجهيزات. أمّا القطاعات الحيوية على غرار المياه والفلاحة والطاقة، فسيكون الخوّاص حاضرين كشركاء للقطاع العام بنسب تتراوح بين 30% و66%.

التقرير الصادر عن وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، يكشف أنّ حضور الدولة سيقتصر في هذه القطاعات على منح التراخيص أو اعمال التهيئة وتحسين البنى التحتية وتوفير الإمكانيات اللوجيستية.

مناطق الظلّ تحافظ على عزلتها

145 مشروعا استثماريا سيوجّه 75% منها إلى الشريط الشرقي للبلاد، فيما لن يتجاوز نصيب المناطق الداخلية 25%. حصيلة تثبت أن الندوة الدولية للاستثمار حافظت على السياسة التنموية للمنظومة الاقتصادية القائمة ولم تبحث عن كسر العزلة الاقتصاديّة للشريط الغربي الأكثر حاجة للاستثمارات ولتخفيف حدّة التفاوت الجهويّ المتفاقم.

في مجالات التعليم والصحّة والمياه والبيئة، لم تحظى المناطق الداخليّة التي تتذيّل مؤشراتها التنموية قائمة الولايات، سوى بنسب تراوحت بين 0% و20% في أحسن الحالات من المبالغ المرصودة للاستثمار في هذه القطاعات. أمّا القطاعات عالية المردودية على صعيد التشغيل كالصناعة والسياحة فاستأثر الشريط الشرقي للبلاد بنسبة 90% من المشاريع السياحيّة و78% من المشاريع الصناعيّة. لتقتصر الاستثمارات في الجهات الداخلية على اعمال التهيئة ومدّ المسالك الريفيّة والاستثمارات الفلاحيّة.

خلال حفل افتتاح الندوة الدولية للاستثمار، أسهب المتدخّلون في مديح تونس وتعداد خاصياتها الاقتصاديّة واستعدادهم لدعم التجربة التونسيّة، لم يكلّف أحد من الحاضرين نفسه التساؤل حول سبب فشل “المعجزة التونسيّة” السابقة حسب تعبير الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وإمكانية فشل الرهان الحاليّ في ظلّ استمرار نفس الخيارات الاقتصاديّة والتمادي في سياسة التسوّل والالتفاف على المشاكل الهيكلية للاقتصاد التونسي.