تُوّجت سلسلة التحرّكات الاحتجاجيّة التي تشهدها معتمدية المكناسي في ولاية سيدي بوزيد منذ أواخر شهر ديسمبر الفارط بإعلان الإضراب العام المحلّي في المدينة وتنظيم مسيرة شعبية جابت شوارعها للمطالبة بفتح ملفّات التنمية والتشغيل في الجهة. التحرّك الذّي انطلق اليوم الخميس 12 جانفي 2017، من أمام مقرّ الاتحاد المحلي للشغل في المكناسي جاء على إثر توحيد التحرّكات بين عمّال الحضائر واعتصام هرمنا لأصحاب الشهائد العليا المعطّلين عن العمل والناجحين في مناظرة فسفاط المكناسي، وبدعم من الاتحاد المحلّي للشغل في المدينة.

تصعيد في مواجهة الصمم الحكومي

انطلق اعتصام “هرمنا” لأصحاب الشهائد العليا منذ شهر فيفري 2016، بعد موجة الاحتجاجات التي عمّت غالبية ولايات البلاد، للمطالبة بحلول حقيقيّة للمعطّلين ومعالجة الوضعية الهشّة لعمّال الحضائر والاختلال التنموي بين الجهات. لكنّ تواصل السياسة الحكومية تجاه الحراك الاحتجاجي والمطالب الاجتماعية لشباب المكناسي دفع المحتجّين إلى التصعيد التدريجيّ.

في هذا السياق، يؤكّد زياد عماري، أحد المعتصمين من أصحاب الشهائد العليا أنّ الحراك استنفذ كلّ وسائل الحوار مع الحكومات المتعاقبة، التي اعتمدت المماطلة والتسويف وكسب الوقت. وقد عقدت الحكومة ممثّلة بوزارة التشغيل ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، جلستين مع المعتصمين خلال الأشهر الثلاث الماضية، حيث استمعت خلال الاجتماع الأوّل في شهر سبتمبر الفارط إلى مطالب المحتجّين، لتقدّم إليهم في الجلسة الثانية في 30 نوفمبر 2016، حلول هشّة ووعود واهية، وهو ما دفع شباب المكناسي إلى اللجوء إلى التصعيد حسب محدّثنا.

الانطلاقة الرئيسيّة للحراك الأخير كانت مع توحيد تحرّكات المحتجّين من عمّال الحضائر والمشاركين في إعتصام هرمنا من أصحاب الشهائد العليا والناجحين في مناظرة فسفاط المكناسي، ليتمّ إعلان العصيان المدني في المدينة بداية من 30 ديسمبر 2016 للمطالبة بعقد اجتماع وزاري لفتح ملفّات التنمية والتشغيل في الجهة.

الردّ الحكومي تجاه المحتجّين كان التجاهل التام، فيما استمرّ العصيان المدني طيلة 9 أيّام، لتأخذ الأحداث منحى تصعيديّا جديدا مع توجّه المعتصمين إلى وقرّ ولاية سيدي بوزيد يوم الثلاثاء 10 جانفي 2017، أين تعرّضوا إلى العنف والتنكيل من قبل قوّات الأمن وما أسماه المشاركون في التحرّك الاحتجاجي ميليشيات والي الجهة. ليتمّ مساء ذلك اليوم عقد اجتماع طارئ في مقرّ الاتحاد المحلي للشغل في المكناسي جمع أطراف الحراك الاجتماعي بالنقابيّين وعدد من ممثّلي المجتمع المدني على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان فرع سيدي بوزيد التّي أصدرت بيان مساندة للتحرّكات الاحتجاجيّة وللمعتصمين.

وقد أعلن المكتب المحلّي للاتحاد في الجهة دعمه للمعتصمين ومقاطعته للجلسة الصلحية التي طالب بها والي سيدي بوزيد في 11 جانفي 2017، وإعلان الإضراب العام المحلّي في المدينة وتنظيم مسيرة شعبية في 12 جانفي 2017.

السلطات تستفزّ وتدين

قبل ساعات من تاريخ الإضراب العام المحلّي، شهدت المدينة ليلة الإربعاء 11 جانفي 2017، مواجهات عنيفة بين عدد من شباب الجهة وقوّات الأمن التي استعملت الغاز المسيّل للدموع لقمع الاحتجاجات. وحول تفاصيل هذا التطوّر في المدينة التي تعيش حالة من الاحتقان منذ أكثر من أسبوعين، يؤكّد زياد عماري، أحد المشاركين في إعتصام هرمنا لأصحاب الشهائد العليا، أنّ قوّات الأمن تعمّدت استفزاز الأهالي والتحرّش بهم. وقد أفاد هذا الأخير انّ السلطات الأمنية عمدت إلى نقل تعزيزات إلى مدينة المكناسي منذ صباح الأربعاء 11 جانفي 2017، من نفس القوّات التي اعتدت على المعتصمين في مقرّ ولاية سيدي بوزيد، وهو ما دفع عددا من مواطني المدينة إلى التوجّه إلى مركز الأمن والمطالبة بمغادرتهم بعد تعمّدهم الاعتداء على المتساكنين واستفزازهم. ليتمّ على إثرها نقل تلك القوّات إلى مشارف المدينة، لتعود مجدّدا ليلا وتشرع من جديد في إهانة الأهالي ودفعهم إلى ردّ الفعل، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى تلك المواجهات العنيفة طيلة ليلة أمس.