صرّح الطيب المدني، النائب عن حركة نداء تونس ورئيس لجنة التشريع العام، لموقع نواة ”من المنتظر إعادة النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية داخل اللجنة أواخر شهر فيفري القادم، وسيكون ذلك بعد استكمال النظر في مشروع قانون المخدرات وقانون عدول التنفيذ“.

من جهتها أكّدت سناء المرسني، النائبة عن حركة النهضة ومقررة اللجنة، لموقع نواة ”عودة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية إلى النقاش داخل اللجنة أمر وارد جدّا، ولم يتبقى سوى المصادقة على فصوله قبل إحالته على الجلسة العامة“.

تتزامن تصريحات رئيس لجنة التشريع العام ومقررتها مع معطيات أخرى واردة من مجلس نواب الشعب تشير إلى إثارة النقاش حول هذا القانون من قبل بعض نواب حركة نداء تونس، ومع تواصل الجدل حول إسقاط مقترح إحداث لجنة للتحقيق في “شبهة فساد مالي وإدراي لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة”، أثناء جلسة عامة التأمت يوم الثلاثاء 17 جانفي 2017، بسبب عدم بلوغه الأغلبية المطلوبة.

قانون المصالحة ومأزق الرئاسة

العودة المرتقبة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية ستُنعش الجدل مجددا حول هذه المبادرة التشريعية التي تقدمت بها رئاسة الجمهورية منذ شهر جويلية 2015 ولم تُفلح إلى حد الآن في تحويلها إلى نص قانوني نافذ المفعول. وقد جُوبه هذا المشروع منذ إعلانه بمعارضة شبابية تزعمتها حملة ما نيش مسامح، وبمعارضة حقوقية وسياسية واسعة، الأمر الذي أدى إلى تعطيله وجعل الرئاسة تعبر عن استعدادها لتعديله، كخطوة أولية لاحتواء الزخم المناوئ له.

أواخر أكتوبر 2016 أعلنت لجنة التشريع العام تأجيلها النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية لـ”عدم أولويته“. وفي نفس الوقت أشار نورالدين بن نتيشة، المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية، إلى ”أن المبادرة الرئاسية لم تُسحب وسيتم تنقيحها بمقترحات جديدة قبل عرضها مستقبلا على الجلسة العامة“. المقترحات الرئاسية المُشار إليها لم ترد –إلى حد كتابة هذه الأسطر- على لجنة التشريع العام حسب ما أكده لنا رئيسها الطيب المدني.

تعديل مشروع القانون سبق وأن جُوبِه منتصف جويلية 2016 باحتجاج من قبل نواب المعارضة، خصوصا الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي، الذين دعوا إلى سحبه من مجلس النواب. وفي الأثناء تلوح كتلة حركة النهضة الأكثر انفتاحا على مشروع القانون، إذ سبق وأن أوضح رئيس كتلة الحركة نورالدين البحيري لموقع نواة ”إن الحكم بالجملة ضد مشروع القانون ليس عقلانيا“. ولئن عكس هذا الموقف التوجه العام للحركة التي طالبت بتوسيع مفهوم المصالحة لتصبح ”شاملة“ وغير مقتصرة على الجانب الاقتصادي، فإن بعض المواقف الشخصية لنواب النهضة تُحيل على مطالبة صريحة بسحبه على غرار النائبة يمينة الزغلامي التي سبق وأن صرحت لموقع نواة منتصف جويلية 2016 ”كان من المفروض أن تسحب الرئاسة مشروع القانون وتقدم مشروعا جديدا أكثر انسجاما مع قانون العدالة الانتقالية“.

إزاء هذه المواقف مازالت رئاسة الجمهورية متمسكة باستكمال النقاش حول مشروع القانون وتمريره بأغلبية مُريحة في الجلسة العامة، معولة على تأييد الكتلة البرلمانية لنداء تونس وعلى حشد المساندة له من بعض كتل الأحزاب الحاكمة الأخرى على غرار النهضة وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحر. وقد لا تجد رئاسة الجمهورية المساندة المرجوة خصوصا في ظل الانقسامات التي تشق حزب نداء تونس والتحفظ الذي أبداه بعض نواب النهضة من مشروع القانون. علاوة على أن المصادقة على مشروع القانون في الجلسة العامة لن تنجيه من آلية الطعن الدستوري، إذ سبق وأن طعنت لجنة البندقية في دستوريته منذ 27 أكتوبر 2015 وبيّنت عدم انسجامه مع كشف الحقيقة وإصلاح المؤسسات.

العدالة الانتقالية: جوهر الخلاف

يشكّل التناقض مع مسار العدالة الانتقالية أحد الحجج المعتمدة في مناهضة المبادرة الرئاسية، باعتبار أنها ستستحوذ على آلية التحكيم والمصالحة في الجرائم الاقتصادية، التي سبق وأسندها قانون العدالة الانتقالية للجنة التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة. ومن هذا المنطلق تلازم النقاش حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مع الجدل حول هيئة الحقيقة والكرامة. وقد عرف مجلس النواب في الآونة الأخيرة صراعا بين الكتل البرلمانية حول تشكيل لجنة تحقيق في شبهة فساد بهيئة الحقيقة والكرامة.

هذا المقترح دفعت إليه أساسا كتلة نداء تونس، التي واصل رئيسها سفيان طوبال الاحتجاج على نتائج التصويت بالطعن فيها لدى كتابة المجلس. وبالمقابل عارضته كتل المعارضة ونواب من حركة النهضة. في هذا السياق أوضح مراد الحمايدي، النائب عن كتلة الجبهة الشعبية وعضو لجنة التشريع العام، لموقع نواة ”صوتنا ضد هذا المقترح لأنه يخفي أهدافا سياسية مناوئة لمسار العدالة الانتقالية غلّفها أصحابها بالتركيز على شبهة فساد ضد رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة“. وفي نفس الاتجاه أشار غازي الشواشي، النائب عن حزب التيار الديمقراطي إلى أن ”تمسك نواب نداء تونس بتشكيل لجنة جديدة تبحث في شبهات فساد في هيئة الحقيقة والكرامة رغم سقوط المقترح الأول يكشف عن إصرار سياسي على تعطيل عمل الهيئة ومن خلفها مسار العدالة الانتقالية”.

محاولة العودة إلى تفعيل مشروع قانون المصالحة وارتباطه بمواقف مناوئة لهيئة الحقيقة والكرامة سُيعيد الجدل في المدة القادمة حول مسار العدالة الانتقالية بمضامين ومواقف متناقضة، إذ ستسعى الرئاسة إلى كسب الدعم السياسي لمشروعها خصوصا من الكتل الحاكمة، وبالمقابل ستسعى الفعاليات الشبابية والحقوقية والسياسية المناهضة له إلى التعبئة مجددا من أجل إسقاطه.