لم تكن “شهادة المنصف المرزوقي على العصر” بتلك الشهادة العادية التي يقدمها رئيس سابق لدولة ما بالصراحة والوضوح المطلوبين لكتابة التاريخ بالقدر الذي كانت فيه “شهادة” المرزوقي ضربا من الدعاية السياسية لنفسه في المقام الأول عبر وضع نفسه في مقام الضحية منذ طفولته في عهد بورقيبة إلى حدود تركه لرئاسة الجمهورية بانتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا، وفي المقام الثاني فإن كلام المرزوقي على امتداد 17 حلقة، بين الأحد 19 مارس والأحد 23 جويلية، كان بحثا عن انتماء ما، من اليوسفيين إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى المجموعات الحقوقية إلى المؤتمر من أجل الجمهورية. وفي وصف تلك المسيرة، لم يخلو كلام المرزوقي من مركزية الأنا المتضخم حتى أنه صور كل من خالفه الرأي على أنه من “القاذورات غير أخلاقية تمارس الأكاذيب والدعايات التي تنال من شخصه”، وهذا ما أدى به إلى تبني نظرية المؤامرة خاصة عندما كان رئيسا.
المرزوقي “ضحية” التاريخ التونسي المعاصر
خصص أحمد منصور مقدم برنامج “شاهد على العصر” الحلقتين الأولتين بتاريخي الأحد 19 مارس 2017 والأحد 26 مارس 2017، كي يروي المرزوقي ما شهده في طفولته من “عذابات” جراء معارضة أبيه لبورقيبة وكيف أن والده اليوسفي كان مقاوما للاستعمار وثم بورقيبة، حتى أن المرزوقي قال “كنت بين ساقي صالح بن يوسف عندما كان يلقي خطابا من شرفة شقته في باب بنات أمام جمع غفير من الناس لحضهم على مقاومة الاستعمار”.
هذا التمهيد كان البوابة الوصفية أمام المرزوقي كي ينتقل إلى الحديث عن فترة بورقيبة التي قمع فيها اليوسفيين رغم مناهضتهم للاستعمار، وركز المرزوقي وأحمد منصور معا على وصم حقبة بورقيبة بأنها دموية وشنيعة وموغلة في التوحش، من ذلك ترديد كلمات ومعاجم من نوع “مذابح، مجازر، تنكيل، قتل، تجويع، تهجير، استقلال منقوص” وأعيدت تلك الكلمات طيلة الحلقتين الأولتين، حتى أن المرزوقي عاش تلك الفترة في سياق طفولة استثنائية كان الناس يدعونه فيها بـ”إبن الخائن” حسب قوله. وهنا يسعى لتصوير نفسه وعائلته على أنها تحمل همّا نضاليا منذ البدايات المبكرة. وكان أحمد منصور في كل مرة يتدخل لمزيد تصوير وحشية نظام بورقيبة ويعلن مواقفه السياسية بعلنية قد لا تتلاءم مع دوره كصحفي، وكأن أحمد منصور هو الذي يقدم “شهادته” على العصر وليس المرزوقي.
انتهى عهد بورقيبة وبدأ عهد بن علي بعد انقلاب 7 نوفمبر، وفي هذه المرحلة كان المنصف المرزوقي طبيبا مهتما بالنشاط الاجتماعي وأحد النشطاء في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان “التي كانت متكونة من النخبة التونسية المثقفة والتي دعته ليكون ضمن نشطائها باعتباره مثقفا”، ومن ثمة ترأسها سنة 1989 إلى حدود سنة 1994. وفي روايته لهذه الفترة أطنب المرزوقي في وضع نفسه الخصم الوحيد لبن علي حتى أنه غالط التاريخ في مواضع عديدة.
تضخم الأنا بعد لعب دور الضحية
بداية قال المرزوقي إن “الرابطة هي الطرف الوحيد تقريبا الذي كان يجابه النظام في تلك الفترة وأنا من كان يدفعها في هذا الاتجاه”. وفي هذا يجانب المرزوقي الحقيقة نظرا لوجود وجوه عديدة قد واجهت قمع النظام ولا تزال على قيد الحياة من بينهم عبد الفتاح مورو الذي اعتقل عديد المرات سنة 1991 وجلول عزونة مؤسس رابطة الكتاب الأحرار وعدد من قيادات حزب العمال الشيوعي التونسي آنذاك الذي أصدر بيانات للتنديد بالتعذيب وبتصفية الإسلاميين.
كما قال المرزوقي أيضا أنه الوحيد تقريبا مع سهام بن صدرين ومصطفى بن جعفر من كان يناقش بن علي ويصارعه حول الوضع الحقوقي في تونس ووضع المساجين والتعذيب وغيرها، وقد روى أنه اجتمع ببن علي وبشير التكاري الذي كان مستشارا لديه وعبد الله القلال الذي كان وزيرا للداخلية وكان مصاحبا بمناضلين كانا معه في الاجتماع، وقال “كنت أصرخ وأناقش لوحدي والشخصان اللذان كانا معي كانا صامتين، لقد واجهت بن علي ومستشاريه لوحدي”، وربما نسي المرزوقي مقالته بتاريخ 25 مارس 1989 في الصباح بعنوان “صوتوا لتونس” والتي دعى فيها المرزوقي إلى التصويت “لبن علي رئيسا”. ولا تهم المقالة التي نشرت في ذلك التاريخ بقدر ما يهم متابعي “شاهد على العصر” الوقوف عند التناقض بين التصريح الذي قال فيه “أنا من إكتشف زيف الخطاب الديمقراطي لبن علي مبكرا، بعد 8 أو 9 أشهر من انقلاب 7 نوفمبر شعرت أنه لن يكون أمينا للديمقراطية” وبين موقفه من حكم بن علي سنة 1989.
بعد الثورة.. المرزوقي “مضطهد” أيضا
في الجزء السادس عشر من “شاهد على العصر” الذي بث بتاريخ الأحد 16 جويلية 2017، صور الرئيس السابق المنصف المرزوقي جل السياسيين من حوله على أنهم متآمرون ويمارسون السياسة بشكل غير أخلاقي و”دنيء”، ولم يستثني في ذلك حلفاءه في السلطة ومن بينهم حركة النهضة، خاصة في ما يتعلق بملف تسليم القيادي في النظام الليبي السابق البغدادي المحمودي. وهنا يكشف المرزوقي أن تونس خلال تلك الفترة التي كان فيها رئيسا لم تكن تديرها عقلية الدولة والقوانين والمؤسسات بالقدر الذي كانت فيه العلاقات الشخصية والذاتيات هي التي تدير الشؤون.
وفي ما يخص ملف البغدادي المحمودي، فقد أكد المرزوقي أنه شخص يحتكم بشكل تام لمزاجه وقد كشف ذلك نوعا من التضارب في أقواله. فقد أشار المرزوقي أولا أن “تسليم البغدادي المحمودي كان طعنة في شرفه” أي أن جل تراثه الحقوقي لم يشفع له عندما أصبح في السلطة كرئيس للجمهورية. ومن ناحية أخرى، قال المرزوقي “كنت غاضبا جدا وكنت بالفعل قد كتبت استقالتي في الطائرة، لكنني عند نزولي لم أجد الصحفيين لأتلو عليهم نص الاستقالة، لكنني وجدت مساعدي اللذين قالوا لي عد إلى بيتك ولا تأخذ قرارات في لحظة غضب وكان الأمر كذلك، ومنذ ذلك الحين قررت أن ينتهي الأمر بيني وبين حمادي الجبالي لأنه طعنني في الظهر”. أي أن المرزوقي إذا وجد صحفيين في المطار لاستقباله لكان قد أعلن استقالته. ويضيف قائلا “لقد بعثوا لي بـ4 وزراء لطلب الاعتذار وقد رتبوا الموضوع”، أي أنه قبل الاعتذار عن تسليم البغدادي الذي يعد خرقا واضحا لمبادئ حقوق الإنسان في تسليم شخص مطلوب لدولة لا تملك ظروف المحاكمة العادلة. وتواصل كلام المرزوقي في الكشف عن حدة الخلافات بينه وبين النهضة، مؤكدا أن النهضة كانت تسعى للتغول على السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة عبر تعيينات الولاة. وكان رده على ذلك لم يتجاوز مجرد “خطاب ألقاه أحدهم بالنيابة عنه” في مؤتمر 24 أوت 2012 لحزبه المؤتمر من أجل الجمهورية، أي أن رد المرزوقي على “تغول النهضة في السلطة” بقي مقتصرا على دائرته الحزبية دون أن يعلن موقفه للشعب كرئيس للجمهورية.
أحداث السفارة الأمريكية: المرزوقي “بطل” يؤمن بنظرية المؤامرة
في الجزء السابع عشر من “شاهد على العصر” الذي بث بتاريخ الأحد 23 جويلية 2017، قال المنصف المرزوقي:
أعطيت تعليماتي للأمن الرئاسي الذي أنقذ الموقف، وتمت السيطرة على الأمور بفضل تدخلي أنا الشخصي.
بدأت أزمة السفارة الأمريكية يوم 14 سبتمبر 2012 بخروج المئات من السلفيين للتظاهر أمام السفارة الأمريكية بتونس ضد الفيلم الأمريكي “براءة المسلمين”، وقال المرزوقي عن تلك المظاهرات: “كانت القيادات الأمنية قد أغلقت هواتفها ولا ترد على الاتصالات” فما كان منه سوى الاتصال بالأمن الرئاسي كي يحسم الأمر ويعيد الأمن إلى نصابه في محيط السفارة. كما أشار المرزوقي إلى أن “رشيد عمار قائد أركان الجيش في ذلك الوقت يماطل”. هذا التصريح أثار حفيظة وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي ورئيس الأركان الأسبق رشيد عمار اللذان ردا على المرزوقي مؤكدين أن كلامه غير صحيح وأن المرزوقي طلب في وقت من الأوقات تدخل المارينز الأمريكي إلا أن الجيش رفض ذلك. ولئن كانت هذه الردود ربما تدخل في إطار صراع أجنحة السلطة في تلك الفترة إلا أنها تعكس ارتباكا في تصريحات المرزوقي وأن “شهادته على العصر” لا تعكس فعلا تأريخا وحفظا للذاكرة بالقدر الذي يريد من خلالها المرزوقي أن يجد مساحة أوسع للدعاية السياسية التي يقوم بها.
بعد ذلك يواصل المرزوقي الحديث عن الوضع في عهده، معرجا على سلسلة حرق الأضرحة في تلك الفترة التي وصلت إلى 130 جريمة اضرام النار في مقامات أولياء صالحين منذ الثورة إلى حدود 2015 وقال معلقا على تلك الأحداث “إن هناك أياد خفية كانت تحرك المجموعات المتطرفة لحرق الأضرحة”. ولم يتوقف تصريحه عند ذلك الحد ليعكس إيمانه بنظرية المؤامرة، بل واصل “كنا نقترب من حسم قانون تحصين الثورة فقتل شكري بلعيد، وفي جويلية 2013 كنا نقترب من مشاورات الدستور فقتل محمد البراهمي، وبالتالي تشعر أن هناك غرفة عمليات تتحكم في كل هذا”.
وقد طغت نظرية المؤامرة على المنصف المرزوقي بشكل لم يترك له مجالا ليقول أن الإرهاب هو الذي دفع الحركات التكفيرية إلى حرق الأضرحة والقيام بتلك الاغتيالات، وهذا ما يؤكد أن استضافة المرزوقي في “شاهد على العصر” قد تكون مكافأة له على موقفه الداعم لقطر في الأزمة الخليجية المندلعة بينها وبين السعودية والإمارات منذ أسابيع.
Il convient de vous remercier pour ce travail de recension et d’analyse.
On y découvre Monsieur Marzouki tel qu’en lui-même, léger avec les faits, volontier porté à se mettre en scène et probablement fragile psychologuement, complice des tripatouillages des gens de Ennahdha qui favorisèrent l’activisme
Salafiste et le terrorisme.
Voilà qui apparaît au grand jour, un personnage frêle, verbeux, que le sort à installé dans un trône qui s’avèra bien trop grand pour lui.
Whether we agree with him or not, and whether he was driven by duty or ego or both, the man has an interesting story to tell the young generations and it is very hard to think about any other politician in Tunisia who has never been on the side of the oppressors during his whole life.
Another quality of Marzouki that is unfortunately lacking in the Tunisia political sphere is his global views and strategic thinking. I haven’t seen other politicians in Tunisia actively campaigning about matters such as global warming, water resources, food safety and independence from big pharma and agro-chemical conglomerates, the AI revolution, …
It is not for his political acumen that practically every top 10 university in the world invited him to conferences, but because he is that rare breed or politician/intellectual/scientist that can offer a truly a deeper more complete view about a problem. It is unfortunate that most in Tunisia, as well as in this article, people rather focus on his ambition or ego, or sometimes quite ridiculously on the color of his skin or his modest attire.