تمسّك أنور بلحسن، رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بالنيابة خلال اللقاء الذي نظّمته للنظر في مسار الانتخابات البلدية يوم الاثنين 18 سبتمبر 2017 بحضور ممثلين عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نوّاب الشعب، بالقول أنّ ” التأجيل لأجل غير مسمّى هو مضرّ للعمليّة الانتخابية“، محمّلا “جميع الأطراف مسؤولية التأجيل“. وقد استغلّ  هذا الأخير اللقاء لعرض رأي الهيئة في قرار التأجيل ومناقشة جملة من الترتيبات الإجرائية واللوجيستية لتدارك الأضرار التي لحقت بالروزنامة الانتخابية.

تبعات مادية ولوجيستية وترتيبية مُجحفة على عاتق الهيئة

لم يغفل المتحدّث باسم الهيئة الوقوف على مختلف التبعات الناجمة عن قرار تأجيل الانتخابات البلديّة الواحدة تلو الأخرى، موضّحا أنّ قرار تغيير موعد الانتخابات يعني تعطيل مختلف الالتزامات التي اتخذتها الهيئة منذ الانطلاق في التحضير للاستحقاق الانتخابي. ليضيف أنّ هذه الخطوة ستحمّل المجموعة الوطنية نفقات إضافية غير مبرمجة، موضّحا أنّ ” الهيئة تعدّ 1025 إطار وعون منهم حوالي 83 عضو هيئة فرعية”، وأنّ كلّ شهر إنفاق واحد “يكلّف ما لا يقلّ عن مليون و200 ألف دينار“.

من جهة أخرى، أشار أنور بلحسن إلى انتهاء الهيئة من تركيز قواعد البيانات الخاصّة بالتسجيل وقبول الترشّحات. ليطالب في المقترح الذي قدّمه باسم الهيئة بالإبقاء على نفس الروزنامة واستكمال المحطّات القادمة مع تعديل الموعد إلى غاية 25 مارس 2018، وهو ما يعني عدم إعادة فتح باب التسجيل إثر غلق قاعدة البيانات والسجلّ الانتخابي. هذا المقترح مثّل أحد النقاط الخلافية بين مختلف الأطراف المشاركة في النقاش حول تأجيل الانتخابات. الأحزاب السياسية وخصوصا تلك التي طالبت بالتأجيل في مواعيد سابقة، اعتبرت ضعف نتائج التسجيل أحد المؤشّرات الفارقة لحسم قرار المضي قدما في الموعد المحدّد سابقا للانتخابات. في هذا السياق، صرّح ياسين إبراهيم عن حزب آفاق تونس، خلال الندوة الصحفية التي عقدها ائتلاف من الأحزاب الداعية لتأجيل الانتخابات، قائلا “نحن التحقنا بهذا الالتفاف اثر عملية تقييم تلت انتهاء عملية التسجيل“، مضيفا أنّهم في آفاق تونس يعتبرون “حملة التسجيل غير ناجحة، فتسجيل 500 ألف ناخب فقط والإبقاء على أكثر من مليونين و800 ألف تونسي خارج السجل الانتخابي عملية غير ناجحة“.

عملية التسجيل التي استمرّت 59 يوما تطلّبت انتداب 1752 عون تسجيل و500 عون تحسيس موزّعين على 350 دائرة انتخابية بلدية. وتعتبر العمليّة في حدّ ذاتها محطّة منفصلة عن بقية المراحل التي تليها في الروزنامة الانتخابية. حيث تمّ تعليق قائمات الناخبين في أجل أقصاه أسبوعان من غلق باب التسجيل وقبل فترة كافية من فتح باب الترشّحات، ثمّ تمّ فتح باب الاعتراض على قائمات الناخبين في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيام من نشر القائمات وفق ما ينصّ عليه القانون. لكن الهيئة ورغم تمسّكها بعدم إعادة فتح باب التسجيل إلاّ أنّها أقرّت بضرورة إلحاق الناخبين الجدد البالغين 18 سنة كاملة عند الموعد الجديد، والذّي يُعتبر حقّا دستوريا يتجاوز التبريرات القائمة على ضعف إمكانيات الهيئة اللوجيستية والترتيبية.

الأحزاب السياسية الحاضرة والمعنية بشكل مباشر بالترشّح للانتخابات اغتنمت اللقاء داخل الهيئة للإشارة إلى الإشكال المتعلّق بعملية إيداع ملفّات الترشّح والتي انطلقت الأحزاب والقائمات المستقلّة في اعدادها. هذا وقد نشرت الهيئة في وقت سابق دليل الترشّحات للانتخابات البلدية لسنة 2017 يتضمّن شرحا تفصيليّا لمختلف المراحل والإجراءات الخاصّة  بالمترشّحين والوثائق المطلوبة، إضافة إلى ضبط مواعيد إيداعها، والتّي كانت مبرمجة خلال شهر سبتمبر الجاري وفق الروزنامة السابقة. حول هذه النقطة بالتحديد عبّر رياض الشعيبي المتحدّث باسم حزب البناء الوطني عن تخوّفه من التعقيدات الإجرائيّة التي ستنشأ إثر تأجيل الانتخابات وما سيترتّب عن ذلك من دعوة لتحيين الوثائق أو إعادة التراتيب الإدارية. هذه التبعات -لوجيستية كانت أو إجرائية- لن تنجح في إعادة النظر في مسألة التأجيل ولكنها لا تقلّ أهمية باعتبارها محدّدا أساسيّا في المشاركة السياسية في الانتخابات البلدية كما ستستوجب ترتيبات استثنائية في هذه الظروف لم يتمّ البتّ فيها بعد.

مشروع اللامركزية أحد المتضرّرين

لم يكن أنور بلحسن، المُتحدّث باسم هيئة الانتخابات، الطرف الوحيد الذي أعرب خلال اللقاء تململه من الضرر الناجم عن تأجيل الانتخابات. الحكومة بدورها أبدت امتعاضها من هذا القرار بالنظر إلى التزاماتها المتعلّقة بمشروع اللامركزية. وفي هذا الإطار، تدخّل مختار الهمامي، رئيس هيئة الاستشراف والمصادقة على اللامركزية التابعة لوزارة الشؤون المحليّة، للتذكير بهذه الالتزامات الحكومية التي ترتبط ارتباطا وثيقا مع موعد الانتخابات، قائلانحن ملتزمون بتمكين البلديات من الاستثمار“، مشيرا إلى 86 بلدية جديدة و187 بلدية تمّت توسعة حدودها، “وهذا الالتزام تموّله اتفاقيات وهبات من عدد من المانحين والمموّلين“، وليواصل مداخلته موضّحا أنّ “الاعتمادات التي ستصرف للبلديات في شكل منح موجودة لكن مشروطة بالانتخابات البلدية وتركيز المجالس المنتخبة، وبقدر ما تؤخّر الانتخابات بقدر ما ستتقلّص هذه المنح“.

في نفس السياق، انطلقت وزارة الشؤون المحليّة في عقد عدد من الاجتماعات مع المانحين الدوليين المموّلين لمشروع اللامركزية، في إطار متابعة عمليات الاستثمار التي تموّلها البنوك الدولية على غرار البنك الدولي المموّل الرئيسي لبرنامج الحوكمة المحلية والتنمية الحضرية والتي تصرف منه منح في شكل مساعدات موظّفة وغير موظّفة للبلديات لتطهير ديونها وتنفيذ مخطّطاتها الاستثمارية السنوية. وقد استقبل وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر في 14 سبتمبر الجاري، بعثة من البنك الدولي قصد تقييم ومتابعة البرنامج، قبل المضي في الاتفاق على تمويل القسط الثاني من البرنامج.

قصر قرطاج الذي توجّهت نحوه الأنظار للحسم في عمليّة الانتخاب تنصّل من مسؤولياته. حيث اكتفى رئيس الجمهورية خلال حوار تلفزي بشرح مقتضب لأسباب عدم دعوته الناخبين للاقتراع العامّ في الآجال المُرتقبة، مُحيلا إلى مجلس نوّاب الشعب مسؤولية سدّ الشغور في هيئة الانتخابات والمصادقة على مجلّة الجماعات المحليّة، دون التطرّق إلى الضغوطات والحسابات التي أدّت إلى تعطيل هذه الإجراءات وغياب الإرادة السياسية الحقيقيّة للمضي نحو الانتخابات البلديّة في موعدها المتفّق عليه سابقا. من جهته، لم يعلن رئيس الحكومة عن تدابير واضحة لتدارك التبعات الماديّة والسياسيّة التي سيتحمّل ارتداداتها المواطن دون غيره.