أحسن 10 أغنيات في 2017: من خارج السائد والمُعتاد

الأغنيات التي سنتكلّم عنها محدّدة في فترة زمنيّة معيّنة، خارجة من بوتقة السائد والمألوف، لذلك يمكن أن نقول أن سنة 2017 كانت سنة النُضج بالنسبة إلى العديد من المجموعات المستقلّة والفنّانين، كانت سنة مُترعة بالإنتاجات الفنيّة المتباينة والمتنوّعة، ولعلّ نصيب الأسد كان للرّاب، حيث استمعنا إلى ألبومات يتدفّق فيها الإيقاع وتنفجر فيها الكلمات لترسم ملامح موجة جديدة من الراب التونسي الذي أحدث ثورة حقيقية على الموروث الموسيقي الكلاسيكي خاصّة على مستوى اللغة. المجموعات والفنّانين الذين سنتحدّث عنهم اختاروا أن يسيروا ضدّ التيّار، وألاّ يستنسخوا تجارب غيرهم وألاّ يحصروا أنفسهم في دوّامة “الدعم”. ربّما هم غير معروفين جماهيريّا، وبعضهم لم يسمع بهم سوى الباحثون عن المغمورين وهم قلّة. الترتيب الذي سنعتمده ألفبائي وغير تفاضلي.

أمين وحمزة المرايحي – حلم إبراهيم

عندما كان أمين وحمزة شابين، لم يجدا من يدعم شغفهما اللامحدود بالموسيقى، كان الجدّ إبراهيم هو الوحيد في تلك الفترة من آمن بهما وشجّعهما على العزف، وتخليدا لذكراه قاما بتأليف مقطوعة “حلم إبراهيم” والتي تأخذنا بسلاسة إلى عالمهما. موسيقى “حلم إبراهيم” من ألبوم “المتناقضات الخصبة”، هي مراوحة بين واقع مشحون وخيال جامح متحرّر من القيود، تتمازج فيها آلات مختلفة، العود والقانون كأبرز مكوّنات التخت الشرقيّ والساكسفون والكلارينات سليلتي الموسيقى الغربيّة. نستمع في بداية “حلم إبراهيم” إلى موسيقى هادئة، ثمّ يتصاعد النسق تدريجيّا لنستمع إلى موسيقى غاضبة وواثقة ولكنّها في نفس الوقت غير خالية من الحيرة. يعود الهدوء ببطء في آخر المقطوعة وكأنّ بالأخوين المرايحي قد انقطعا عن اللهيث بعد أن تمكّنا من إقناع والدهما بأن رغبتهما في العزف محمومة وبلا نهاية. يروي لنا لحن هذه المقطوعة وتوزيعها العجائبيّ المسار الطويل الذي قطعه أمين وحمزة ليصبحا ما عليهما الآن، عازفين ومؤلّفين مهمّين لم يكتفيا بمخيّلتهما بل خاضا تجارب عديدة حتى لا يسيرا في طريق واحدة.

أنور براهم – Blue Maqams

في بداية مقطوعة “بلو مقام”، نسمع صوت أنور براهم وكأنه يدندن، في صوته حنين دائم لا نعرف مأتاه وهو المنغلق على ذاته والمفتوح على العالم بموسيقاه. عود أنور براهم في حالة تأمّل أبديّة، لا ينفكّ عن التفكير والإنتاج التخييليّ. لا تحسّ بالملل وأنت تستمع إلى عزف أنور براهم وتحديدا إلى هذه المقطوعة والتي تحمل نفس عنوان الألبوم الذي تعامل فيه لأوّل مرّة مع عازف البيانو وضابط الإيقاع الأمريكيّ جاك دوجونات إلى جانب كلّ من جانغو باتس على البيانو ودايف هولاند على الكونترباص. مقطوعة “بلو مقام” لها قدرة عالية على التلوّن، فعندما يصمت عود أنور براهم فاسحا المجال للبيانو والكونترابص تتشكّل نغمات حيّة في توليفة مطواعة وناعمة. يتنقّل أنور براهم بخفّة بين النوتات رغم ثقل تجربته ذات الأطياف المتعدّدة والتي تمتزج فيها موسيقات متنوعة من الجاز مرورا بالموسيقى الشرقيّة الكلاسيكيّة إلى الموروث الغنائيّ التونسيّ.

بلحسن امباير و داب أم دي – نيك الزب

يُمكننا أن نكتشف عوالم بلحسن  Empireو WMDبالاستماع إلى أغانيهم ذات الإيقاع السريع والقوافي المُتباينة، ونحاول من خلالها فهم أفكارهم الرافضة لنظام فاسد ينهار بأقلّ نفخة من أفواههم. يُمكننا أيضا أن نقتنص بعض لحظات عُنفهم وغضبهم، فمع هاذين الفنانين نفهم حتما أنّنا مازلنا في مرحلة التقيؤ الكبرى وأنّنا لم نتخلّص بعد من إرث الأنظمة السابقة، فالراب الذي كان شاهد عيان على دكتاتورية بن علي، ظلّ غاضبا وثائرا على واقع الأشياء. مع بلحسن و”داب أم دي” لا يمكن أن نتحدّث عن راب معزول عن سياقه السياسي والثقافي والاجتماعي ولكلّ منهما استخداماته اللغويّة الخاصة التي تحكمها تصورات حياتيّة وتجارب شخصيّة أثّرت فيهما، وهذا يظهر جليّا في أغنية “نيك الزب” التي ضربت عرض الحائط كلّ المحدّدات السخيفة والمعايير الجاهزة والتعريفات الكلاسيكيّة لما يجب أن تكون عليه الأغنية، أو الفنّ، أو الثقافة عموما.

دنيا أخرى – لا أنام لأحلم

ربّما اشتهرت مجموعة دنيا أخرى نسبيّا بإعادة النشيد الوطني وإدماجه في عالم الموسيقى الإلكترونية. تتكون مجموعة دنيا أخرى من فاطمة صفر(غناء) ويوسف جربي (اللوبر Looper). اخترنا أغنية “لا أنام لأحلم” ضمن أحسن الأغنيات الصادرة في 2017 لما لها من قدرة على كشف هويّة مجموعة دنيا أخرى المستقبلية والطابع الموسيقيّ الذي تتميّز به. “لا أنام لأحلم” هي محاكاة إلكترونية لقصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، استخدمت فيها المجموعة بطريقة مكثّفة المؤثّرات الصوتيّة، حيث نلاحظ إعادة العديد من المقاطع الصوتيّة دون انقطاع، والتكرار في الموسيقى الالكترونية مقصود دائما فهو يعطي بعدا ميكانيكيّا غنائيّا للموسيقى. في “لا أنام لأحلم” البيت بوكس هو قاعدة الإيقاع الأساسية والمزج بين المؤثرات الصوتية كان سلسا، فصوت فاطمة صفر المعالج بالمشفر الصوتي يأخذنا إلى عالم آخر، دنيا أخرى تمتزج فيها الموسيقى الالكترونية بقصيدة النثر.

طريق – ما يدوم حال

طريقTree9 ، مجموعة موسيقية لم تتحرّر من قيود الأسئلة الوجوديّة وهذه ميزتها، فالحيرة الدائمة والمتجدّدة ترينا مدى انغماس نبيل مناعي (غناء/غيتار) وطارق المعروفي (باتري) بأعمالهما الفنيّة التي يريدان من خلالها كشف تصوراتهما للعالم وتثبيت ذائقتهما الجماليّة. موسيقى طريق تتشكّل في أفق المعنى، والمعنى مقصود وغير ارتجاليّ، ويعبّر عن خيارتهما الموسيقيّة الخارجة عن المألوف. الموسيقى بالنسبة إلى مجموعة طريق تحقق فعل الالتقاء، الالتقاء بالمختلف، بذوات أخرى، وبأفكار مفتوحة على إمكانيّات التحرّر، لذلك كان اللقاء بين نبيل وطارق تجسيدا حيّا لهواجسهما ليخلقا ديناميكيّة مدفوعة بلهفة حيّة ورغبة جامحة في الإبداع. تأثّر نبيل وطارق بموسيقى النيو سول والريجي والهيب هوب والجرانج (Grunge) وخاصّة الجاز، ويقول نبيل مناعي لنواة أنه مازال يكتشف ثراء موسيقى الجاز من خلال فنّانين لهم قدرة خارقة على الارتجال والتجرّد من الضوابط التي يفرضها المقام الموسيقيّ بذكاء حسيّ (فطري) شبيه بذكاء تأقلم الغريب في محيط جديد. تختزن طريقة العزف طاقة مجازيّة تعبّر عن الحالات والوضعيّات التي نعيشها، وهو ما نلمسه في أغنية “ما يدوم حال” من ألبوم “من وراء حدود السائد”. هذه الأغنية والتي رافقتها صور تحريكيّة من تصميم هيجو دو فوكومبري Hugo De Faucompret تترجم أسئلة نبيل وطارق الوجوديّة، هي بوح بين صديقين افترقا وانغمس أحدهما في بوتقة “الحرام والحلال” فكانت كلمة “ما يدوم حال” الشيفرة السريّة بينهما.

فايبا – تروشكيك

فتح فنّان الراب فايبا  Vipaآفاق التجريب الموسيقي ليمزج بين الراب والمزود كأحد أهم مكوّنات الموسيقى الشعبية في تونس من خلال مشروع “إركز هيب هوب” بمعيّة الدبو والذي تمّ تقديمه لأوّل مرّة بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى في 21 جوان 2017، في شارع الحبيب بورقيبة مع مجموعة من الرابورات الأجانب مثل الرابور الفرنسي “إيشون” Ichon. “تروشكيك” من بين الأغنيات التي يمتزج فيها جنون فايبا بصخب المزود، ربما قد يستغرب البعض هذا المزج بين عالمين موسيقين مختلفين لكنّ أوجه التشابه بينها خاصّة في ظروف النشأة أكثر من أوجه الاختلافات الموسيقيّة بينهما، فالمزود كما الراب فنّ مهمّش ومرتبط بالأحياء الشعبيّة، وأنتج الالتقاء بينهما جماليّات جديدة على مستوى الإيقاع السريع. فايبا لا يلتزم بالحدود والضوابط الفنية المتعارف عليها حيث يبني نصّه من زخم الواقع ومن لغتنا العامية، وفي أغنية “تروشكيك” تبرز قدرته على الارتجال والتلاعب بالكلمات وتحميلها دلالات مغايرة لدلالتها المتعارفة.

نور حركاتي وأيتما – أيّام

بدأ نور حركاتي مشواره الفنيّ بألبوم Dive الذي صدر في 30 سبتمبر 2013، وكان هذا الألبوم بمثابة اختبار لشغفه بالموسيقى والتأليف والذي انطلق منذ أن كان تلميذا بالمعهد، حيث ألّف أغنية باللغة الانجليزية بعنوانSay it to me . هذه الأغنية، والتي يفاخر نور بتأليفها وهو مراهق، تكشف عن موهبة حقيقية في نظم الكلمات وتلحينها. التقى نور حركاتي فيما بعد بمجموعة “أيتما”  Aytmaوالتي تتكون من أهمّ العازفين الذين كانوا ضمن فرقة صبري مصباح وهم يوسف ومروان سلطانة (باص ودرامز) وسليم عرجون (بيانو) والهادي الفاهم (غيتار). أثمر اللقاء أعمالا لها خصوصياتها الجمالية، ومن بين أهمّ الأغنيات التي ساهمت في إظهار ملامح شخصية نور الموسيقيّة أغنية “أيّام”. تعبّر هذه الأغنية بوضوح عن نضج في تجربة نور الفنيّة ولكنّها في نفس الوقت تعلن عن انفتاحه على التجربة في المطلق، يخوض غمارها دون حسابات مسبقة. يكتب نور حركاتي لأوّل مرّة بالعاميّة التونسيّة، فتتدفّق الكلمات بحرارة وصدق مع لحن يمزج بين أنماط مختلفة وبصوته المتحشرج. “أيام” هي أحد أغنيات ألبوم “هلواس” الذي خوّل له الانفتاح على جمهور الشرق الأوسط.

نوري – Frfrfr

موسيقى أمين نوري إفريقيّة بامتياز ولكنّها مفتوحة على موسيقات العالم الأخرى، موسيقى غير محدودة أو مُنمّطة. بدأ أمين نوري العزف على الباتري منذ أن كان تلميذا في المعهد، وأسّس فرقة صغيرة تحتفي بموسيقى الجرانج، تساوق أسلوب مجموعة نيرفانا. ثمّ أسّس فرقة “كلاندستينا” Klandestina مع أخيه وهي فرقة ريجي ملتزمة سياسيّا. عُرف نوري كضابط إيقاع في مجموعة “قول تره” Gultrah Sund System، وعزف إلى جانب العديد من فنّاني الاندرجرواند في تونس مثل بندير مان وبديعة بوحريزي إلى جانب مجموعة لاباس الجزائرية. انتقل إلى الدنمارك ومنها بدأ يخطّ ملامح موسيقاه المتشبّعة بالتربة الإفريقيّة وبثراء إيقاعاتها ومخزونها اللحنيّ. Frfrfr هي اختصار لكلمة “تبا للعنصريّة”Fuck racism ، ورغم أن تبّا هذه لا تعبّر عن المعنى الحقيقيّ للكلمة إلاّ أنّ المهم في المقطوعة هو أن نوري ينتقل من إيقاع إلى آخر بسلاسة عجيبة وبأسلوب تحريضيّ راقص. Frfrfr هي واحدة من بين مقطوعات عديدة ضمن ألبوم Drup  الذي أنتجه أمين نوري مستلهما إيقاعاته من رحلاته وتجاربه وخاصّة من صخب الموسيقى الإفريقيّة.

قمح – القسم

قمح  Gam7من أهم فرق الراب في تونس والتي لا يهتمّ أعضاؤها بالشهرة وبمجاراة الذائقة العامّة. من بين رابورات قمح ياسين الذوادي المعروف بـ”دودة” وعصام العبسي و”نوردو”، وقد تأسست المجموعة سنة 2012، وكان خطّها الفنيّ واضحا، أناركيّ معادي للسلطة والنظام. كان للناشط عزيز عمامي دور مهمّ في التأصيل النظري لراب قمح المختلف عن الموجة السائدة، كما ساهم بنصوصه في بعض الأغاني مثل أغنية “معولة”. “القسم” من بين الأغنيات التي تترجم أفكار المجموعة اللاسلطوية وشغفهم بالموسيقى ولحمتهم فـ”القمح لا ينقسم ولا يبيع”، محافظين على نهجهم الثوريّ والاحتجاجيّ.

يلا باي – فيك نعاني

تذكرنا أغنية “فيك نعاني” لجوهر باسطي (يلا بايYallah bye ) بأغاني الشعر الأخضر الإباحيّة، والتي تتحرّر فيها ألسن المُحبّين ليعبّروا عن مشاعرهم بكلمات قد تبدو للبعض “بذيئة” ولكنّها جزء مهمّ من لغتنا المتداولة واليوميّة. موسيقى إلكترونية حادّة وإيقاع مخمور يحملاننا إلى عالم جوهر المنبهر بثقافة الشارع. أثّرت مسرحية “حب ستوري” للطفي عاشور والتي تتحدّث عن الحب والجنس في مجتمعاتنا، وكان جوهر أحد ممثّليها، في مسيرته الفنيّة فأعاد التفكير في اللغة التي يكتب بها، وكيف يخاطب المُحبّين ويتكلّم عنهم بكلمات من صميم اللهجة العاميّة دون مساحيق أو صنصرة. “فيك نعاني” أغنية تُدخلنا في دوار جماعي لا ينتهي حتى بعد انتهاء إيقاعها. “فيك نعاني” هي إحدى الأغنيات التي قلبت موازين المعتاد، معبّرة بكلماتها المتحرّرة وإيحائاتها الجنسيّة عن النفس الجديد الذي ما ينفكّ بعض الفنّانين ضخّه في الأغنية العاطفية التونسية التقليديّة.

 

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

iThere are no comments

Add yours

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *