بعد 5 أيّام من قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التمديد للجنة الأمميّة للتحقيق في ارتكاب جرائم حرب في اليمن والتّي يرأسها التونسيّ كمال الجندوبي، أعلنت وزارتا الدفاع التونسيّة والسعوديّة عن انطلاق مناورات عسكريّة مشتركة للقوّات الجويّة يوم الأربعاء 03 أكتوبر الجاري في تونس لأوّل مرّة في تاريخ البلدين. خطوة لا تنفصل عن مسار متواصل منذ سنة 2011، للدبلوماسيّة التونسيّة التّي اصطفّت في أكثر من مناسبة وراء الحليف الثريّ في مغامراته الإقليميّة لاهثة وراء جزرة المساعدات الإقتصاديّة التّي أحسن آل سعود توظيفها لجرّ تونس نحو التعامي عن جرائم اليمن ودور النظام الوهّابي منذ عشرينات القرن الماضي في صناعة التنظيمات الإرهابيّة التّي طالت شظاياها التونسيّين في عقر دارهم.
تونس تدير ظهرها للدمّ
من قاعدة سيدي أحمد قرب مدينة بنزرت في تونس، نشرت وزارة الدفاع السعوديّة صورا لطائرات F15 التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية مُرفقة بأطقمها الجوية والفنية والمساندة لتعلن عن انطلاق المناورات المشتركة لسلاح الطيران في كلا البلدين في 03 أكتوبر الجاري وعلى امتداد أسبوعين. هذه التدريبات التّي تجري لأوّل مرّة على الأراضي التونسيّة تهدف بحسب بيان وزارة الدفاع السعوديّة إلى “تبادل الخبرات مع الأشقاء في سلاح طيران الجيش التونسي” إضافة إلى “الرفع من مستوى الجاهزية القتالية للقوّات الجوية السعوديّة” التّي تشنّ غارات يوميّة ضدّ المدن اليمنيّة منذ 26 مارس 2015، مخلّفة خسائر بعشرات الآلاف في صفوف المدنيّين ودمارا هائلا.
المناورات المشتركة التّي تمّ الإعلان عنها نهاية شهر سبتمبر الفارط، تزامنت مع جلسة التصويت على تمديد عمل لجنة الخبراء الأمميّين المكلّفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن والتّي انتهت إلى المصادقة على قرار التمديد بموافقة 21 دولة من أصل 47 لصالح القرار مقابل 8 أصوات ضده وامتناع 18 دولة عن التصويت ومن ضمنها تونس التّي احتفظت بصوتها رغم ترأس كمال الجندوبي لهذه اللجنة. وقد خلص التقرير السنويّ لمفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الصادر في 28 سبتمبر 2018، بشكل واضح إلى أنّ “أفرادا في الحكومة والتحالف، بما في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحّدة، قد ارتكبوا أفعالا ربّما تصل إلى حدّ جرائم الحرب، بما يشمل سوء المعاملة والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والإغتصاب، والتجنيد الإلزامي أو الطوعي لأطفال دون سنّ الخامسة عشر أو استخدامهم للمشاركة النشطة في الأعمال العدائيّة”. كما لم يكتف التقرير المذكور بتقديم جرد للضحايا المدنييّن في اليمن والذّين بلغ تعدادهم 16800، بل أشار بشكل صريح إلى أنّ السبب الرئيسيّ لمقتل المدنيين هو استهداف القصف الجوّي لطائرات ما يُسمى بالتحالف العربي الذّي تقوده السعوديّة للأسواق والأحياء السكنيّة وتجمّعات الأفراح والجنازات وحتّى المرافق الطبيّة. الإدانة الصريحة والأرقام المفزعة التّي تمّ كشفها حول ضحايا العدوان السعوديّ على اليمن وتوصيفها بجرائم الحرب، لم يثن الدبلوماسيّة التونسية عن الاحتفاظ بصوتها خلال جلسة التصويت على قرار تمديد عمل لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
الموقف التونسيّ لم يمرّ بدوره دون ردود محليّة، إذ أصدر عدد من المنظّمات الوطنيّة التونسيّة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مركز تونس لحرية الصحافة إضافة إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، بيانا مشتركا أدانت عبره ما أسمته “قرار الحكومة التونسية المخجل” ودعتها إلى “القطع مع مثل هذه المواقف المهادنة ورفض الاصطفاف وراء أي قرار يمس من مصداقية المنظمة الأممية ويشجع على مواصلة الحرب الأهلية المدمرة على الشعب اليمني” مذكّرة “بضرورة احترام دستور البلاد الداعي إلى حفظ السيادة الوطنية والانتصار لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في السلم والأمن والديمقراطية.”
دبلوماسيّة العين الواحدة مقابل جزرة المساعدات
لم تكن المناورات العسكريّة الجويّة المشتركة والأولى من نوعها بين تونس والسعوديّة سوى استمرارا لمسار دبلوماسيّ وسياسي متواصل منذ سنة 2011، عماده الإصطفاف في تحالفات عربيّة أو إقليميّة تقفز على المصالح الاستراتيجيّة لتونس مقابل مساعدات ماليّة وقروض هي أشبه بانتزاع مواقف دبلوماسيّة مدفوعة الأجر. التدثّر بالعباءة السعوديّة والذي تجلى بشكل واضح كخيار سياسيّ صريح منذ سنة 2014، انعكس من خلال عديد المحطّات والتّي كان أهمّها زيارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى السعوديّة في 22 ديسمبر 2015 بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. هذه الزيارة التّي تلت الإعلان في العاصمة السعودية الرياض عن تشكيل تحالف “إسلامي” عسكري من 34 دولة من ضمنها تونس لمحاربة الإرهاب، فتحت باب التعاون العسكريّ بين البلدين بعد منح السعودية لتونس هبة من 48 طائرة مقاتلة أمريكيّة الصنع من طراز F5، والتّي تم إنتاجها في ستينات القرن الماضي، بعد أن خرجت فعليا من الخدمة في السلاح الجويّ السعودي منذ أكثر من عقدين. مساعدة عسكريّة استتبعتها حزمة من القروض ناهزت المليار دولار. في المقابل، كان على الطرف التونسي أن ينساق بشكل كامل وراء المواقف السعوديّة إزاء عدد من القضايا الإقليميّة انطلاقا بالانضمام إلى “التحالف الإسلامي” الموجّه ضدّ إيران وحزب الله والنظام السوري في سبتمبر 2015، وغضّ الطرف عن تصنيف حزب الله كمنظّمة ارهابيّة، والتعامي عن العدوان السعوديّ على اليمن والمشاركة في المناورات العسكريّة المشتركة للتحالف الإسلامي “رعد الشمال” في فيفري 2016. إضافة إلى المصادقة على البيان الختامي للقمة العربيّة سنة 2016، الذّي تضمّن تهديدا صريحا لإيران. بل وصل النفوذ السعوديّ إلى دفع الحكومة التونسيّة إلى إقالة وزير الشؤون الدينيّة في 04 نوفمبر 2016 عقابا له على تصريحات اعتبرها هؤلاء مناهضة للمملكة.
رغم الإدانة الدوليّة للعدوان السعوديّ على اليمن واتهام حكّام الرياض بجرائم حرب، وتفاقم تدهور الوضع الحقوقي في مملكة آل سعود مع تتالي الإعتقالات والإعدامات في حقّ النشطاء السياسيّين والحقوقيّين والصحافيين والذي كان آخرهم الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي الذي اختفى في القنصلية السعودية في اسطنبول إضافة إلى إيواء وحماية الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي منذ سنة 2011، إلا أنّ الحكومة التونسيّة ما تزال لا ترى حرجا في تقديم الدعم السياسي لمملكة آل سعود وفتح سماءها أمام الطيران السعوديّ للتدرب على إتقان القتل، منساقة وراء جزرة المساعدات وإغراء البترودولار في لعبة الاصطفاف الطائفي الذي لا تتقن الجوقة الحاكمة من آل سعود سواها ولا تملك غيرها جدارا تحمي وراءه سلطتها على شبه الجزيرة العربيّة.
مع الأسف .. لأنه ليس لنا ما نجني من هذه المناورات .. خاصۃ أن الجيوش الكبری ترفض ربما القيام بمناورات مع هذا الجيش المجرم في اليمن و ليس فقط .
ثم هذه المناورات جاءت في أسبوع ما يسمی إختفاء لكن يبدو أنه إغتيال شنيع للناشط السعودي جمال خاجقشي ! !
تونس يجب أن تفهم أن قوتها في شعبها .