قالت لمياء الفرحاني، شقيقة أنيس الفرحاني الذي أسقطه رصاص الأمن مساء 13 جانفي 2011، أنها تلقت مؤخرا رسالة تهديد وُضِعت تحت باب مكتبها بالعاصمة، ورغم أن الفرحاني لم تقدّم تفاصيل أخرى حول مضمون الرسالة مكتفية بالإشارة إلى أن القضية تحت أنظار الوحدة الفرعية لمكافحة الإرهاب بالقرجاني، إلا أنها أكدت ارتباط  التهديد بمتابعتها لقضايا الشهداء والجرحى بصفتها رئيسة جمعية أوفياء لشهداء وجرحى الثورة. وقد أضافت لمياء الفرحاني، خلال ندوة صحفية نظمها ائتلاف لعدد من منظمات المجتمع المدني يوم الثلاثاء 06 نوفمبر 2018، أن “هناك تغييب ممنهج لصوت الضحايا وعائلاتهم، وبالمقابل تتم شخصنة ملف العدالة الانتقالية من خلال ربطه حصريا بسهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة” وأشارت الفرحاني إلى أن “القضاء التونسي في مفترق طرق خطير، إما أن ينصف الضحايا أو يخضع للسلطة السياسية وللحملات الإعلامية”. ويُذكر في هذا السياق أن ملف أنيس الفرحاني من ضمن ملفات أخرى تنظر فيها الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية المؤرخ في 24 ديسمبر 2013، وقد سبق وأن نظر القضاء العسكري في هذا الملف ولكن شقيقة الفرحاني أكدت أن هذا القضاء لا تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة.

التعذيب حد الموت

تشكل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في نظر بعض عائلات الضحايا ملاذا أخيرا في ظل الاعتراضات المرفوعة ضد القضاء العسكري وحتى القضاء العادي، في هذا السياق قال جمال بركات، شقيق فيصل بركات الذي تعرض إلى التعذيب الوحشي حد الموت أوائل التسعينات، “لم يبقى أمامنا سوى الدوائر القضائية المتخصصة لأن القضاء العادي لم ينصفنا، وملف شقيقي فيصل بركات فُتح قضائيا أربع مرات ولكن منذ 2009 إلى حدود اليوم مازلنا في القضاء الاستقصائي”. تعرض فيصل بركات في أكتوبر 1991 إلى التعذيب الوحشي حتى الموت بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش بنابل في إطار حملة التصفية التي خاضها نظام بن علي ضد الحركة الإسلامية آنذاك، وقد سعى الجناة إلى إخفاء جريمتهم من خلال الإيهام بأن بركات تعرض إلى حادث مرور. وقد شهدت الجلسة الأخيرة للنظر في جريمة قتل فيصل بركات الملتئمة بالدائرة القضائية المتخصصة بنابل في 12 أكتوبر 2018 انسحابا للمحامين بسبب منع وسائل الإعلام من تصوير الجلسة. هذا وسبق أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا في أكتوبر 2017، أشارت فيه إلى أنه “على الرغم من توجيه الاتهام بتعذيبه إلى 21 شخصاً، في أكتوبر 2016، إلا أنه لم يتم بعد الانتهاء من الخطوة الأهم المتمثلة بإعلان استكمال التحقيق في ظروف مقتل فيصل بركات، الذي انقضت على مباشرته ثماني سنوات.”

من جهته أكد رضا البركاتي، شقيق نبيل البركاتي الذي تعرض للتعذيب حد الموت، أن “الهدف من فتح قضايا الانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الإنسان هو تفكيك منظومة القتل والتعذيب، ولم تكن لدينا رغبة في الانتقام والتشفي، ونحن ضد عقوبة الإعدام حتى وإن صدرت ضد الجناة الموجهة إليهم تهم التعذيب حد الموت”. وأضاف البركاتي بأن “هناك تواطؤ سياسي وإعلامي من أجل طمس جرائم التعذيب والقتل التي مارستها الأنظمة السابقة”. وتُطالب عائلة نبيل البركاتي بجعل يوم 08 ماي –اليوم الموافق لاستشهاد نبيل البركاتي- يوما وطنيا ضد التعذيب، وقد تلقت وعودا من الرئيسين السابق والحالي، المرزوقي وقائد السبسي، ولكن لم يتم تفعيل الإجراءات الرسمية. ويُذكر أن نبيل البركاتي، مناضل حزب العمال، قد اعتقل في ماي 1987 بمركز الأمن بمدينة قعفور بسبب نشاطه السياسي، وتم استنطاقه وتعذيبه حد الموت. هذا وقد سبق أن نظرت الدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بالكاف في قضية نبيل البركاتي يوم 04 جويلية 2018، ومن المنتظر أن تنظر في نفس القضية مرة أخرى يوم 14 نوفمبر الجاري.

قضاء العدالة الانتقالية في مواجهة التشكيك السياسي والإعلامي

امتد الصراع السياسي حول إنهاء مهام هيئة الحقيقة والكرامة ليشمل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، خصوصا الملفات التي أودعتها الهيئة لدى هذه الدوائر بعد 31 ماي 2018 الذي يوافق تاريخ انتهاء عمل الهيئة. في هذا السياق أشارت روضة قرافي، الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين إلى أن “هناك مغالطات تروج حول عهدة الدوائر المتخصصة من قبيل إعادة محاكمة المتهمين أو افتقادها لشروط المحاكمة العادلة، ولكن ينسى مروجو هذه المغالطات أن هناك استثناءات بخصوص قضاء العدالة الانتقالية على غرار عدم التمسك بالعفو ورجعية القوانين واتصال القضاء والتقادم، وقد نص عليها الدستور ومنصوص عليها في المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية على غرار المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب والمعاهدة الدولية للاختفاء القسري”. ويُذكر أن دستور 2014 ينص في الفقرة التاسعة من الفصل 148 أن “تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن”.

وقد أضافت القرافي أن “مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لا تصلهم الاستدعاءات القضائية، ولا يَمثل العديد منهم أمام المحاكم، وهناك خطاب إعلامي يظهرهم كضحايا على غرار وزير الداخلية الأسبق أحمد فريعة الذي فُتحت أمامه المنابر الإعلامية رغم أنه ليس فوق المحاسبة”. ويُذكر في هذا السياق أن كتلتي نداء تونس ومشروع تونس أعلنتا أواخر أكتوبر المنقضي تعليق حضورهما في الجلسات العامة بالبرلمان بسبب ما اعتبروه إعادة لمحاكمات سابقة ومواصلة هيئة الحقيقة والكرامة لأعمالها. كما سبق وأن دعت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل منخرطيها إلى عدم الاستجابة للاستدعاءات الصادرة عن هيئة الحقيقة والكرامة.