خلال كلمته المقتضبة في 11 فيفري الجاري، أشار رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى أنّ حكومته، وإن تجاوزت الأزمة مع الأجراء، فهي ما تزال تواجه تحديّات اجتماعيّة أخرى تتعلّق بالعائلات المعوزة ومحدودة الدخل. هذه الفئة التّي يناهز تعدادها 10% من مجموع الأسر التونسيّة، تخضع من منذ 22 سنة تقريبا للمنشور المشترك لوزير الدّولة المكلّف بالدّاخليّة ووزير الشؤون الاجتماعيّة عدد 21 المؤرّخ في 20 أوت 1987 المتعلّق بالبرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة، إضافة إلى منشور وزير الشؤون الاجتماعية عدد 5 المؤرخ في 15 ماي 1988 والمتعلق بالتصرف في البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة. تراتيب تقضي بتخصيص “إغاثة” شهريّة لفائدة هذه الأسر، تمّ زيادتها تباعا لتبلغ حسب قانون الماليّة الأخير 180 دينارا لكلّ عائلة.

منحة العائلات المعوزة: قشّة لن تنقذ الغريق

رغم تخصيص 759 مليون دينار تحت عنوان نفقات التدخّل دون الدعم في ميزانيّة الدولة لسنة 2019، لفائدة العائلات محدودة الدخل، إلاّ أنّ تفاصيل توزيع النفقات تكشف محدوديّة هذه المخصّصات في تخفيف وطأة المعاناة الإقتصاديّة والإجتماعيّة لهذه الفئة. وتتوزّع هذه الإعتمادات بين 10 دينارات شهريّة كمساعدات على نفقات التعليم للتلميذ الواحد، ومساعدات خلال المناسبات الدينيّة، إضافة إلى منح شهريّة بقيمة 513 مليون دينار موزّعة على 285 ألف عائلة ليكون نصيب الأسرة الواحدة 180 دينارا. هذه “الإغاثة” الشهريّة حسب وزارة الشؤون الإجتماعيّة، تعتبر أهمّ أوجه التدخّل الحكوميّ لمساعدة العائلات المعوزة. إلاّ أنّ هذه المنحة التّي تطوّرت من 120 دينارا سنة 2012 إلى 150 دينارا سنة 2016 وأخيرا 180 دينار سنة 2019، تبدو بعيدة كلّ البعد عن الاستجابة للحاجيات الأساسيّة للعائلات المستهدفة والحدّ الأدنى الذّي يحفظ كرامتها. فبموازاة الترفيع الشحيح والمتباطئ لقيمة هذه المنحة، شهدت البلاد تواصل الإرتفاع المطّرد لنسبة التضخّم التّي قفزت بين سنوات 2014 و2018 من 4.8% إلى 7.1%. لتخّلف ارتدادات سلبيّة على المؤشرات العامة لأسعار الإستهلاك العائلي. حيث قفز الرقم القياسي العام لأسعار المواد الغذائيّة ب30 نقطة خلال نفس الحقبة الزمنيّة حسب بيانات المعهد الوطني للاحصاء،  كما تطوّرت الأرقام القياسيّة العامة لأسعار السكن والصحّة بنسب تجاوزت 20%. أمّا نفقات التعليم، فقد ارتفعت بنسبة 25.6% خلال السنوات الخمس الأخيرة.

الزيادة الأخيرة في قيمة منحة العائلات محدودة الدخل، بقيمة 30 دينار، رفعت ميزانيّة نفقات التدخّل دون الدعم من 570 مليون دينارا سنة 2018 إلى 759 مليون دينار للسنة الجارية. إلاّ أنّ نصيب مخصّصات الدولة للنهوض بالوضع الإجتماعي والاقتصاديّ للفئات المعوزة ومحدودة الدخل لم يتجاوز 1.85% من إجماليّ ميزانيّة الدولة، بل لا تتجاوز القيمة الجملية للمنح الشهريّة 1.25% من إجمالي الموازنة العمومية لسنة 2019 والمقدّرة ب40861 مليون دينار. كما تكشف أرقام المعهد الوطني للإحصاء، أنّ مجموع المنح الشهريّة للأسرة الواحدة خلال سنة 2015 لم يتجاوز 1440 دينارا، وهو ما يمثّل 9.25% من معدّل الإنفاق السنويّ للأسرة التونسيّة الواحدة.

برنامج الأمان الإجتماعي: أحد وصايا صندوق النقد الدولي

أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعيّة عن دخول برنامج الأمان الإجتماعي حيّز التنفيذ بعد صدوره في الرائد الرسمي كقانون أساسي عدد 10 لسنة 2019 مؤرخ في 30 جانفي 2019 في 5 فيفري الجاري. منظومة الرعاية والإحاطة الاجتماعيّة التّي طُبّقت أولى خطواتها عبر الزيادة الأخيرة في منحة العائلات محدودة الدخل، ليست في حقيقة الأمر سوى تنفيذا لأحد وصايا صندوق النقد الدوليّ حول مراجعة منظومة الدعم. حيث تكشف الرسالة (الرابط المرافق – الصفحة 8) الموجّهة إلى كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، من قبل الشاذلي العيّاري، محافظ البنك المركزي السابق وإلياس الفخفاخ، وزير الماليّة الأسبق، في فيفري 2013، والتّي نشرتها نواة في الشهر الموالي من نفس السنة، عن توصيات الهيئة الماليّة الدوليّة بمراجعة آليات الإحاطة بالعائلات محدودة الدخل وذلك عبر الترفيع في قيمة المنحة المخصّصة للعائلات المعوزة خلال السنوات المقبلة بنسبة 40% وهو ما تمّ عبر الانتقال من 110 دينار سنة 2012 إلى 180 دينارا سنة 2019 (38.88%). في المقابل، وتحت عنوان توجيه الدعم إلى مستحقيه، أوصى أن تتزامن هذه الزيادة مع تخفيض تدريجي في دعم المواد الأساسيّة وبالأخصّ المحروقات، وهو ما ترجمته سياسة الحكومات المتتاليّة عبر الترفيع في أسعار المحروقات بنسبة 36% خلال السنوات السبع الأخيرة.

رغم الأزمة الإقتصاديّة الخانقة التّي عصفت بالطبقة الوسطى، وأغرقت البلاد في المديونيّة وخلقت حالة من الانكماش الاقتصادي الذّي أطاح بمعظم المؤشرات الإحصائية، إلاّ أنّ الدولة تبدو غير معنيّة بالارتدادات العنيفة للوضع الإقتصادي الراهن على أحد أكثر الفئات الاجتماعيّة هشاشة. حيث ما تزال منحة العائلات محدودة الدخل، أو الإغاثة الشهريّة، أو منحة الفقر كما درج على تسميتها عموم النّاس، بعيدة عن تلبية الحاجيات الأساسية للأسر المعوزة، إضافة إلى تحوّلها إلى أحد عناوين تمرير برنامج الإصلاح الهيكليّ لصندوق النقد الدوليّ تحت مسميّات تصحيح مسار الدعم.