صورة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات

لباس قد لا يبدو مرتديه أنه جاء ليقدم ملف ترشحه لرئاسة دولة، مصاحب بتصريحات غريبة لا توحي بأن قائلها جدّي في المضي قدما نحو السباق الرئاسي التونسي، من قبيل “نجّحت هولاند وأوباما باش وصلو للحكم وأنا مختص في الحكم” ثم يعقبها بالقول “أنا متأكد من فوزي بالانتخابات الرئاسية والكل سينتخبني”. متقدم آخر يقف أمام الصحفيين بثقة ويقول “أنا سأقدم لتونس ما يبهر العقل ويدهشه، وأنا أدرك السر الذي يتحكم في تطور الدول”. لم تتوقف مظاهر عدم الجدية في تقديم ملفات الترشحات عند هذه السلوكات والتصريحات فقط، بل توجد أخرى تكشف مدى الاستخفاف بصورة الانتخابات الرئاسية.

بدأت الأخطاء الاتصالية عمليا منذ اليوم الأول الذي فتحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مكتبها لقبول ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية وذلك عبر نشر صورة “نصف” لـ”عليه حمدي” ذاته صاحب صورة أخرى التقطها مصور صحفي وراجت كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك، تظهره وهو ممدّد مطلقا ساقيه بأريحية على الأريكة بلباس غير متجانس فيه بقع صفراء فاقعة وسوداء داكنة وأخضر مشعّ وسترة لونها بين الأخضر والأصفر. متقدم آخر رفض ملف ترشحه اسمه فتحي الكريمي التقط له اتصاليو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صورة بأزرار فوقية مفتوحة لقميصه الأبيض وربطة عنق سوداء نصف مفتوحة وسترة بنية داكنة.

صورة للمصور الصحفي ياسين قايدي

أصبحت هذه الصور التي نشرت على الصفحة الرسمية للهيئة محل تندر وسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع مسؤولي الاتصال بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى التوقف عن نشر الصور للمرشحين. تقول نورس الشارني مسؤولة العلاقات الخارجية بهيئة الانتخابات لـنواة :”خطر لي أن أتوقف عن نشر صور المرشحين على الصفحة الرسمية للهيئة بعد أن تفطنا إلى أن تلك الصور أصبحت مصدر تندر و”تنبير” على وسائل التواصل الاجتماعي. لا يستطيع أحد التأكد من جدية أي مرشح حتى يستكمل الوثائق المطلوبة طيلة المدة بين 2 و9 أوت ثم تجتمع لجنة النظر في الترشحات. في تلك الأثناء، أردنا التعامل مع جميع المقدمين على حد السواء وبموضوعية، لكن ما حصل هو أننا التقطنا صورا لمرشحين غير جديين كانت موضوع تندر ونكات في مواقع التواصل الاجتماعي. ما زاد الطين بلة هو وسائل الإعلام التي أخذت تصريحات من المرشحين خارج مقر الهيئة وقد كانت تصريحات كارثية”.

تتحمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية المساهمة في الترويج لصورة مهتزة للانتخابات عبر نشر صور مرشحين تبين أنهم غير جديين. هذه المسؤولية لا تتوقف فقط عند النشر إنما استدراج وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء أكثر على تصريحات المرشحين غير الجديين والذين كانت لهم مداخلات مثيرة للسخرية لرواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين وجد جزء منهم في تلك التصريحات مرتكزا للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات. توجد إشكالية الاهتمام الإعلامي المبالغ فيه في ما يتعلق بالمترشحين. فقد تم التركيز في العديد من المحامل، خاصة القنوات التلفزية على بعض المرشحين الذين وصلت ردود الأفعال حول ترشحهم إلى السخرية منهم نتيجة تصريحاتهم )أو دفعهم إلى التصريح أمام الكاميرا( بمواقف غريبة لعل أبرزها أحد المقدمين لملف الترشح الذي لحقه صحفي قناة الحوار التونسي في برنامج “في البرنامج” ليتحدث إليه فأجاب أنه “على عجلة من أمره كي لا تفوته حافلة النقل العمومي”.

يقول العضو مسؤول الاتصال في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي في تصريح له لـنواة إن “النقاشات بين الأعضاء حول التغطية الإعلامية لموضوع المتقدمين بملفات ترشحاتهم أفضت إلى تعبير الأعضاء عن نوع من الانزعاج لانسياق العديد من وسائل الإعلام وراء البوز buzz وتصوير العملية الانتخابية على أنها مجرد سباق بين أناس غير جديين”.

تبقى لوسائل الإعلام مسؤولية زيادة الطين بلة بعد مسؤولية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. لكن في حدود ضعف هيئة أخرى أيضا هي الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، والتي تعاني ضعفا في تنفيذ قوانينها والسيطرة على التجاوزات التي يمكن أن تحدث، خاصة وأن قرارها في خصوص غلق قناة نسمة ظل مجرد حبر على ورق.