قدمت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب تقريرا حول تدابير المراقبة الإدارية التابعة لوزارة الداخلية في إطار سياسة مكافحة الإرهاب، واعتبرت أن هذه التدابير “اعتباطية ودمرت حياة الأشخاص الخاضعين لها”، خاصة وأن هذه التدابير غير قانونية ولا يعلم بها الشخص الخاضع لها إلا أثناء ايقافه للتأكد من هويته أو خلال مروره عبر المعابر الحدودية حسب ما أكده نائب رئيس المنظمة مختار الطريفي.
الاجراء S17 هو أكثر الاجراءات تداولا في تونس وتضرر منه آلاف المواطنين، وهو عبارة على استشارة يقوم بها عون الأمن اثناء عبور المواطن الخاضع لهذا الاجراء، لكنه تحول بعد ذلك إلى أوامر صريحة بحظر السفر رغم غياب أي حكم قضائي بذلك. وفي غياب أرقام رسمية عن عدد الأشخاص الخاضعين لإجراء S17، نشرت منظمة العفو الدولية سنة 2018 تقريرا أشار إلى أن “وزارة الداخلية قيدت حركة ما يقارب 30 ألف شخص منذ 2013 في إطار إجراءات سرية تعرف باسم S17 وهي إجراءات لا يمكن للعموم الإطلاع عليها وتفتقر إلى الإشراف القضائي الكامل”.
ويروي الشاب قيس، 30 سنة مقيم في تونس العاصمة، أنه يخضع لإجراء S17 مما جعل عناصر الشرطة دائمة التردد على مقر اقامته وعمله وغالبا ما يتم استدعاءه إلى مركز الشرطة. قام الأمن بتفتيش منزله وهاتفه الجوال وحسابه على الفايسبوك بالإضافة إلى حرمانه من تجديد بطاقة الهوية وجواز السفر والبطاقة عدد 3.
ذكر تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن وزارة الداخلية لا تستعمل اجراء S17 فقط بل هناك قائمة من الاجراءات الشبيهة ضمن fiche S وهي:
وقال مختار الطريفي، نائب رئيس المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في مؤتمر صحفي الأربعاء 11 ديسمبر2019، إن جميع هذه التدابير “غير قانونية وغير دستورية وتتعارض مع الدستور التونسي ومبادئ حقوق الانسان وحرية التنقل”، مشيرا إلى أنه من غير المعقول اخضاع مواطن لإجراء معين دون حكم قضائي ودون التمتع بحقه في الطعن حسب تعبيره. وذكرت المنظمة أن المتضررين من مختلف الاجراءات الرقابية تظلموا لدى المحكمة الإدارية التي أصدرت بدورها أكثر من 800 حكم بإلغاء هذه التدابير في حقهم نظرا لعدم استنادها لأيمرجع قانوني، لكن وزارة الداخلية لم تتعامل مع هذه الاحكام بجدية.
ولا توجد أرقام رسمية بخصوص الخاضعين لهذه التدابير حيث لم تفصح وزارة الداخلية عن قائمة أو عن عدد المواطنين تحت طائلة هذه الإجراءات، إلا أن شبكة الملاحظ للعدالة التونسية أوردت في تقرير نشرته سنة 2017خضوع 100 ألف مواطن تونسي للإجراء الحدودي S17 فقط دون احتساب بقية الإجراءات، مما يعني أن عدد الخاضعين لمختلف الإجراءات المذكورة سابقا يتجاوز هذا العدد. من جهتها اعتبرت وزارة الداخلية أن هذا العدد “مبالغ فيه” دون أن تقدم رقما رسميا لعدد المواطنين الخاضعين لهذا الاجراء بحجة أنها تقوم بعمليات مراجعة دورية لقائمات الخاضعين لـ S17 وغيرها من الإجراءات. وكان وزير الداخلية الأسبق لطفي براهم قد صرح في وقت سابق أن الاجهزة الأمنية منعت حوالي 29 ألف و450 تونسيا من السفر بحجة تجنب استقطابهم في الخارج وتنقلهم إلى بؤر التوتر (وخاصة سوريا وليبيا والعراق).
كثيرة هي الحالات التي اعتمدتها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في صياغة تقرير “اعتباطية تدابير المراقبة الإدارية في تونس: أن تكون مصنفا”، فهناك من فقد عمله بسبب كثرة الاستدعاءات والحد من حريته في التنقل وهناك من تم عزله اجتماعيا بسبب كثرة المداهمات، وهناك من عُزل في محيطه العائلي والاجتماعي بعد وصمه بالإرهاب دون حكم قضائي وفيهم من لم يدخل السجن يوما واحدا وكان اخضاعه إلى هذه التصنيفات مستندا إلى تقارير امنية تتحدث عن لباسه ولحيته ومع من يجلس في مقهى الحي. حدثنا محمد أمين الذي كان حاضرا أثناء الندوة الصحفية عن قصته مع إجراء S17:
لقد كنت استعد لسهرة زفافي قبل أن تأخذني فرقة أمنية من المنزل إلى مركز الشرطة بعد هجوم متحف باردو، بقيت في السجن ستة أشهر بتهمة التخطيط لعملية باردو حيث تعرضت لأبشع أنواع التعذيب مازالت آثاره على جسدي إلى اليوم. لكن قاضي التحقيق حفظ القضية في حقي ورفعت النيابة العمومية قضية في التعذيب من تلقاء نفسها وغادرت السجن دون أن تتم محاكمتي وبقي ال S17 يلاحقني إلى حد الآن.
غالبا ما تعتمد عناصر الشرطة على هذه التصنيفات من اجل القيام بمداهمات وعمليات تفتيش واستجواب مواطنين دون أذون قضائية، ويروي أحد ضحايا هذه الاجراءات أن حياته أصبحت جحيما بسبب المراقبة المستمرة له من قبل الأمن والتي كانت من بين أسباب وفاة والدته المريضة التي زادت هذه المداهمات من مرضها حسب ما جاء في الفيديو الذي بثته المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
لم تشمل هذه التدابير المشتبهين أو العائدين من بؤر التوتر أو الذين سجنوا سابقا بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب فقط، وإنما شملت أيضا مقربين أو إخوة أو أصدقاء لمن كانوا متهمين بالإرهاب في السابق. وفوجئ عدد من الأشخاص بإخضاعهم لإجراء S17 أو غيرها من الإجراءات التي تتبعها الداخلية فقط بسبب علاقة قرابة أو إخوة أو صداقة بأحد المشتبهين بالإرهاب، وليس بالضرورة لأحد الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية.
نورة هي فتاة تبلغ من العمر 32 عاما، يقضي شقيقها عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة الإرهاب. تم إيقاف نورة سنة 2017 عند مرورها بنقطة أمنية أثناء زيارتها لأخيها في السجن وتم اقتيادها إلى مركز الشرطة واستجوابها مطولا وتفتيشها ثم وقع ادراجها ضمن S17 دون سبب واضح، وتعتقد نورة أن النقاب الذي كانت ترتديه هو السبب في ذلك.
تجمع المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية أن هذه التدابير الاستثنائية منافية تماما لحقوق الانسان ومخالفة لكل القوانين، ويعتبر الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب جيرالد ستابروك أن “ما يتم مناقشته هنا هو ليس ضرورة حماية الدولة التونسية لمواطنيها من العمليات الإرهابية التي تمس من أهم قيم حقوق الانسان، إنما طريقة تطبيق هذه الحماية. هل أن الحماية تحترم القانون أم انها مشوبة بالتعسف؟ فلنكن واضحين: نظام المراقبة القمعي لا يعزز الأمن بل يهدد بتغذية التطرف العنيف كما أظهرت التجربة مرارا وتكرارا”.
من جهتها حافظت وزارة الداخلية على نفس التعامل في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذه التدابير الغير قانونية، فهي في نفس الوقت تستغل قانون الطوارئ لسنة 1975 والذي اتفق الجميع على عدم دستوريته وفي نفس الوقت تتعهد بمراجعة هذه المنظومة (منظومة التصنيف الاعتباطي) احتراما لحقوق الانسان وحرية تنقل المواطنين. وتبرر الداخلية استعمالها لهذه الاجراءات باتباعها للاستراتيجية الوقائية الوطنية لمكافحة الإرهاب وإلى سلطتها التقديرية التي تخوّل لوزير الداخلية مراقبة جولان الأشخاص بكامل تراب الجمهورية ومنها الحدود الترابية والبحرية ومباشرة الشرطة الجوية حسب احكام الفصل 4 من الأمر عدد 342 لسنة 1975 المؤرّخ في 30 ماي 1975.
وفي جلسة عامة بمجلس نواب الشعب في14 جوان 2019 قال وزير الداخلية هشام الفوراتي إنه “تم حصر مجال العمل بالاستشارة قبل العبور، المتعارف عليها اصطلاحا بإجراء S17في المعابر الحدودية فقط، حيث تم منذ مدة الانطلاق في المراجعة الدورية للمشمولين بهذا الاجراء الحدودي”، مشددا على أن الداخلية تسعى إلى التوفيق بين احترام الحقوق والحريات وإنفاذ القانون حسب قوله. وزارة الداخلية تؤكد ايضا أن “هذا الاجراء الإداري ليس بمعزل عن رقابة القضاء الإداري” بالإضافة إلى أنها رفعت أسماء ألف شخص من قائمات المشمولين بهذا الاجراء الحدودي بالإضافة إلى حصر مجال العمل بهذا الاجراء في المعابر الحدودية فقط”.
لكن للمحكمة الإدارية رأي آخر حيث صرح رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة عماد الغابري لموزاييك في 5 نوفمبر 2018 أن “المحكمة الإدارية قضت بإيقاف تنفيذ وإلغاء الإجراء الحدودي المتعلق بالإشارة قبل العبور والمعبّر عنه بـ (S17) في الحالات التي وردت عليها واعتبرته غير قانوني وفاقد للشرعية”.
iThere are no comments
Add yours