صورة لأحمد زروقي، مارس 2020.

ما كان البلد يحتاجه سياسيا، قيادة لديها رؤية وتؤمن بدور الدولة الأساسي في رعاية وحماية القطاعات الاستراتيجية وهي الصحة والمعيشة والتعليم إضافة للخدمات الأساسية. لا تلك الليبيرالية المتطرفة التي ترى أن البقاء في جميع المستويات للأقوى ماليا واجتماعيا. والحقيقة أن كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهمورية يمثلان، نظريا على الأقل، هذا التوجه أي تلك الرؤية التي تسمى الديمقراطية الاجتماعية.

قيادة بثلاثة رؤوس

إذن كان المطلوب عقد سياسي واجتماعي على مستويين، الأول إدارة أزمة كورونا بكل ما تتطلب من جهود وتضحيات بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، والثاني خارطة طريق لإدارة ما بعد كورونا، وما سينجر عنها من آثار اقتصادية واجتماعية ولضمان عودة الحياة الطبيعية للدولة بأخف الأضرار وبأسرع وقت، ولما لا الاستفادة من الأزمة.

مع ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا من تونسيين عائدين من الخارج في بداية شهر مارس، بدت السلطة السياسية مرتبكة، وكان بارزا سوء التنسيق بين رأسي السلطة التنفيذية، إذ لم يكن الخطاب موحدا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في إعلان الإجراءات وفي توقيتها. كما برز الخلاف حادا داخل السطة التشريعية، وخاصة في مسألة التفويض لرئيس الحكومة على معنى الفصل 70 وبرزت تجاذبات وصراعات بين مكونات الائتلاف الحاكم. وعوض أن يكون هناك تضامن قوي وتناغم بين الائتلاف الحكومي في توفير الآليات لمجابهة الوباء، أظهرت حركة النهضة أهم مكون في التحالف السياسي الحاكم، توجّسا من الياس الفخفاخ، وماطلت من أجل عدم تمكينه من التفويض الذي طلبه من البرلمان لسن مراسيم تحتاجها إدارة المعركة. وبدت حركة النهضة بوضوح أنها لا تثق في رئيس الحكومة، وأنها متخوّفة من إمكانية استغلال هذا التفويض ضدها، إضافة إلى أنها كانت ترغب في أن يستأثر وزير الصحة وأحد قيادييها البارزين عبد اللطيف المكي بدور القيادة.

عجز ودموع وشبهات فساد

في إطار التدابير التي اتخذتها الحكومة للتوقي من تدعيات فيروس كورونا، أعلن رئيس الحكومة عن جملة من الإجراءات الاستثنائية والقرارات والتي ناهزت كلفتها 2500 مليون دينار، ومن ضمن هذه القرارات تمكين العائلات التي تضررت من وباء كورونا وليس لديها مورد رزق قار من منحة بقيمة 200 دينار. وكانت طريقة تقديم الدعم أثارت كثيرا من النقد. ففي الوقت الذي كان مطلوبا التطبيق الصارم للحجر الصحي، جلبت الحكومة عشرات الآلاف إلى مكاتب البريد لتوزيع المنح، وهو ما أعطى رسالة سلبية بأن الحكومة لا تتحكم في إدارة الأزمة كما ينبغي. ولمعالجة هذه الفوضى وإصلاح الخطأ بحثّ المواطنين على احترام الحجر الصحي، ظهر وزراء الصحة والشؤون المحلية في وسائل الإعلام وهما يذرفان الدموع لإقناع المواطنين بخطورة الوضع. ومررا رسائل سلبية للمواطنين بأن حكومتهم لا تسيطر على الوضع.

قبل نهاية المعركة، ومع الهدوء النسبي الذي شهدته البلاد، باستقرار معدل الإصابات، حاول كل طرف استغلال الموضوع سياسيا حتى وإن أدى ذلك إلى خسارة ما كسبناه خلال أسبوعين من الحجر، إذ ظهر وزير الصحة في تجمع بمئات المواطنين وأعوان الصحة خلال تدشين وحدة صحية بمدينة سوسة.

أما رئيس الجمهورية فقد ذهب أبعد من ذلك حيث خرج ليلا في تجاوز للحجر الصحي ولحالة الطوارئ التي أعلنها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي. وتحول إلى أحد أرياف القيروان ليلا ودون ضرورة ملحة، ليتجمع حوله المئات من المواطنين، بتعلة أن أحد المواطنين أهداه بيضة وهو يريد رد الجميل. المشكلة أن رئيس الجمهورية الذي أعطى المثل السيئ للمواطنين في عدم احترام القانون، برر فعلته بأنه أراد التشبه بالخليفة عمر ابن الخطاب.

مع كل هذا التخبّط في إدارة الأزمة يبدو الوضع إلى حد الآن غير كارثي ويمكن السيطرة عليه. لكن المشكلة هي في ما بعد الازمة وبناء مستقبل البلاد ما بعد كورونا. خلال الأسبوع الماضي، تراجع اتحاد الأعراف عن تعهداته بدعم مواطن الشغل وأجور العمال حتى خلال فترة الحجر الصحي. وبعد أن عبرت منظمة الأعراف عن “ارتياحها للإجراءات، التي أعلن عنها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، لمجابهة هذا الوضع سواء بالنسبة للفئات الهشّة أو للمؤسسات الاقتصادية المتضرّرة..” تراجعت عن تعهداتها وقالت أن ” المبالغ التي دفعت في فترة الحجر لشهر مارس والتي ستدفع كأجور لشهر أفريل، استهلاك الرصيد العطل الخالصة أو تسبقة على العطل خالصة الأجر لسنة 2020، أو كقروض يتم سدادها عن طريق ساعات العمل الإضافية حال رجوع الأمور إلى طبيعتها أو عبر منح آخر السنة.” (1) وهو ما جعل التوتر مع اتحاد الشغل يصل مستوى غير مسبوق قد يؤثر على المناخ الاجتماعي العام في البلاد خلال المرحلة المقبلة.

أما على المستوى السياسي فبدا ما يسمى بالائتلاف الحاكم في غاية الهشاشة وهو قابل في كل لحظة للإنفراط. وتواترت الأخطاء القاتلة لفريق الفخفاخ، بداية من وزير الصناعة الذي اتهم باستغلال الوضع الاستثنائي لعقد صفقة صناعة مليوني كمامة مع احد الصناعيين ونائب بمجلس الشعب، وهي عملية تحيط بها شبهات فساد. وصولا الى مستشاره الإعلامي الذي راسل المؤسسات الإعلامية للتعامل مع وكالة اشهار واتصال خاصة، تربط أصحابها علاقات حزبية برئيس الحكومة، وهو ملف تحيط به  شبهات تضارب مصالح. في الأثناء، تزداد حياة شرائح كثيرة من التونسيين بؤسا نتيجة الازمة، كل ذلك يؤشّر إلى أن كورونا ليست التحدي الأخطر الذي ستواجهه تونس في قادم أيامها.