أصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بيانا بتاريخ 12 ماي 2020 استنكرت فيه “المبادرات التشريعية الّتي تهدّد حرية الإعلام واستقلاليّته”. وأكّدت الهيئة تعارض هذه المبادرة التشريعية مع أحكام الفصل 148 من الدستور الّذي ينصّ على مواصلة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أعمالها إلى حين انتخاب هيئة الاتصال السمعي البصري. كما دعت إلى ضرورة سنّ قوانين أساسيّة عوضا عن المراسيم واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية، ونبّهت إلى “نوايا بعض الأحزاب الرامية لوضع اليد على قطاع الإعلام من خلال إخضاع الهيئة التعديلية المستقلة للمحاصصة الحزبية ولسيطرة مراكز النفوذ الخفية” عبر التّشريع لمثل هذه المبادرات. كما أشارت الهيئة صراحة إلى أن هذه المبادرة “تسعى لبلوغ أهداف تتنافى والمصلحة العامة وتتعارض بشكل صريح مع واجبات النائب والتزاماته الدستورية خاصة وأنها تصب في خدمة مصالح غير مشروعة وغير شرعية لفائدة جهات سياسية”.
تفاصيل التنقيح
شمل التنقيح الّذي تقدّمت به كتلة ائتلاف الكرامة نقطتين، تتعلق الأولى بتجديد تركيبة مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري من خلال تعديل الفصل 7 من المرسوم عدد 116، فيما يتعلّق التنقيح الثاني بإضافة فصل جديد للمرسوم يتمّ بمقتضاه إحداث قنوات تلفزيّة من خلال تصريح بالوجود لدى الهيئة عوضا عن إسناد إجازات بثّ وفق كرّاس شروط. كما يدعو الفصل إلى إلغاء التراخيص فيما يتعلّق بإحداث القنوات التلفزية والمحطات الإذاعيّة.
وفيما يتعلّق بالتنقيح الأوّل، فإنّ الفصل 7 من المرسوم 116 حدّد مدة عمل مجلس الهيئة بستّ سنوات غير قابلة للتجديد على أن يتمّ تجديد ثلث أعضاء الهيئة كلّ سنتين بالتناوب. وقد تأسّست الهيئة وبدأت نشاطها الفعلي يوم 3 ماي 2013، ممّا يعني أنّ عهدتها قد انتهت منذ 3 ماي 2019. ولكن إزاء الفراغ التشريعي وعدم إرساء هيئة الاتصال السمعي البصري المنصوص عليها بالدستور، هل يمكن إنهاء مهامّ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) دون أن تفوّض مهامّها للهيئة الدستورية الدّائمة، خاصّة وأنّ الدستور ينصّ في باب الأحكام الانتقالية على مواصلة عمل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) إلى حين انتخاب الهيئة الدستورية ؟
من المعلوم أنّ أعضاء الهايكا لم يتمّ انتخابهم من السلطة التشريعيّة وإنّما تمّ تعيينهم من هيئات مهنيّة قضائية وإعلاميّة. فيما ينصّ الدستور في فصله 125 على انتخاب أعضاء الهيئات الدستورية بأغلبيّة معزّزة، أي ما لا يقلّ عن 145 نائبا. ولكنّ مبادرة ائتلاف الكرامة تدعو إلى انتخاب أعضاء الهيئة المرتقبة من البرلمان بالأغلبيّة المُطلقة، أي ما لا يقلّ عن 109 نائبا. وفي هذا الإطار، يرى عمر الوسلاتي نائب رئيس الهايكا لدى حضوره في برنامج “ميدي شو” على موزاييك أف.أم بتاريخ 13 ماي 2020 أنّ غاية أصحاب المبادرة التشريعية هي “التخلّص من الأعضاء الحاليّين للهيئة”. واعتبر أنّ الاختيار “المتحزّب” لأعضاء الهايكا سيضرب التنوّع وسيُكرّس “مشهدا سمعيّا بصريّا على المقاس”.
أمّا التنقيح الثاني فيتعلّق بإلغاء التراخيص على إحداث الإذاعات والتلفزات. وعلّلت كتلة ائتلاف الكرامة هذا الأمر في وثيقة شرح الأسباب المتعلقة بالمبادرة التشريعيّة بأنّ الحصول على إجازة بثّ لبعث قناة تلفزيّة “غير مبرّر مطلقا ولا يمكن تفسيره سوى برغبة بعض الجهات بالهيمنة السياسية أو المالية على المشهد التلفزي”. وبمقتضى الفصل 16 من المرسوم 116 فإنّ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هي من تتولّى ” […] البت في مطالب منح الإجازات المتعلقة بإحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي و البصري”. كما تتولّى أيضا “ضبط كراسات الشروط و اتفاقيات الإجازة الخاصة بمنشآت الاتصال السمعي و البصري وإبرامها و مراقبة احترامها” وذلك لتكريس مشهد إعلامي متنوّع ومتوازن يخضع إلى القانون دون سواه ويضمن المساواة التامّة بين مختلف الفاعلين في المشهد السمعي البصري.
موقف البرلمان
لدى اجتماعه بتاريخ 7 ماي 2020، أقرّ مكتب المجلس استعجال النظر في المبادرة التشريعية المتعلّقة بتنقيح المرسوم عدد 116. وإزاء هذا القرار نشرت النائبة نسرين العماري عن كتلة الإصلاح الوطني وعضو مكتب المجلس تدوينة على فيسبوك اعتبرت من خلالها ما حصل في اجتماع مكتب المجلس “مسرحية سيّئة الإخراج” وندّدت فيه بما سمّته “خطرا على تطبيق القانون داخل مجلس نواب الشعب” من خلال “التحالف البرلماني بين النهضة وائتلاف الكرامة وأحزاب أخرى”.
وفي اتّصال له مع نواة، ذكر النائب عن الكتلة الديمقراطية وعضو مكتب المجلس نبيل حجّي أنّه كان من بين الرافضين لقرار استعجال النّظر في هذه المبادرة التشريعية. فمن ناحية أولى اعتبر النّائب أنّ هناك جدلا قانونيّا حول إمكانيّة تنقيح المراسيم من عدمها، وهو محلّ خلاف عدد من المختصّين في القانون. ومن ناحية ثانية لا يعتبر عضو مكتب المجلس أنّ في مقترح هذا القانون ما يدعو إلى استعجال النظر فيه، خاصّة وأنّ مشروع القانون الحكومي الّذي تقدّمت به حكومة يوسف الشاهد مازال تحت أنظار لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجيّة. وفي هذه الحال يمنح الدستور أولويّة النظر لمشاريع القوانين الواردة من الحكومة.
وقد أحالت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان على مجلس نواب الشعب بتاريخ 22 نوفمبر 2017 مشروع قانون أساسي يتعلق بهيئة الاتصال السمعي البصري تمّ تنظيم ثلاث جلسات في شأنه صلب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية ثمّ تعطّل النّظر فيه نظرا لغياب روزنامة تشريعيّة واضحة للجنة وأيضا بسبب خلاف بين النوّاب حول سنّ إطار تشريعي شامل وموحّد ينظّم حرية الاتصال السمعي البصري وينصّ على إحداث هيئة تعديليّة، أو إعداد نصَّيْن قانونيَّين منفصلَيْن أحدهما يُقنّن مسألة الحريّة والآخر ينصّ على تنظيم الهيئة. كما أودع 34 نائبا عن كتل مختلفة خلال المدّة النيابية الأولى (2014-2019) مقترح قانون أعدّته الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري يتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري، ولكن لم يتمّ النّظر فيه لأنّ الدستور يمنح أولويّة النقاش لمشاريع القوانين الواردة من الحكومة.
وذكر عمر الوسلاتي نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أنّ مشروع القانون الحكومي قد سُحب من البرلمان في انتظار إحالة نسخة مُحيّنة، في حين ذكرت نسرين العماري عضو مكتب المجلس في تدوينتها أنّ قرار السحب رُفض من مكتب المجلس منذ 3 أسابيع.
وللتذكير فإنّ الدستور ينصّ في باب الهيئات الدستورية على خمس هيئات، من جملتها تمّ إحداث هيئة واحدة فقط وهي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. فيما تمّ استكمال المسار التشريعي لثلاث هيئات وهي هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة إثر التصويت على مشاريع القوانين المتعلقة بها داخل الجلسة العامّة، فيما بقي مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري قابعا في رفوف المجلس في غياب تامّ لأيّ بوادر تُنبئ بوضعه من جديد على طاولة النّقاش.
iThere are no comments
Add yours