هذه التحركات اتخذت منذ أول شهر جوان شكل اعتصام مفتوح في مناطق مختلفة من ولاية تطاوين اتخذت وسط المدينة مركزاً لها. كما تم منع شاحنات البترول من التنقل بين مواقع الشركات النفطية وميناء جرجيس مما دفع السلطات إلى اللجوء إلى المقاربة الأمنية في فض الاعتصام واقتلاع خيام المحتجين بطريقة “عنيفة وغير مسبوقة” ما نجم عنه جرحى وإصابات، حسب المنسق العام للاعتصام ضو الغول.
تدخل قوات الأمن لم يتوقف على فض الاعتصام بل أقدمت كذلك على قمع المظاهرات التي نظمها شباب الجهة احتجاجا على فك الاعتصام بالقوة المفرطة وإيقاف 13 متظاهرا من بينهم الناطق الرسمي باسم اعتصام الكامور طارق الحداد الذي احتفظت به القوات الأمنية ليحال يوم الخميس على القضاء بعدما قررت النيابة العمومية إطلاق سراح 11 موقفا يوم الاثنين المنقضي، والاحتفاظ بأحد المحتجين في المستشفى.
وفي حديثه لـنواة عبر الهاتف، كشف ضو الغول عن حجم الاستنفار الأمني غير المسبوق والتعزيزات الأمنية المكثفة لقمع الاحتجاجات التي اعتبرها سلمية ولم تتجاوز أية خطوط حمراء أو اعتداءات على المقرات الأمنية مثلما نقلت العديد من وسائل الاعلام اعتمادا على الرواية البوليسية للأحداث.
وكشف الغُول عن استعمال كم كبير من قنابل الغاز لفض التحركات الاحتجاجية، والتي كانت تصوبها عناصر الأمن لاستهداف المتظاهرين بشكل مباشر وليس لمجرد تفريق جموع المحتجين. إلا أن أكثر ما استفز المتظاهرين في تجاوزات قوات الأمن هو قيام عدد من أعوان البوليس بشتم المتظاهرين والمواطنين المتعاطفين معهم كبارا وصغارا بكلام بذيء في “جهة محافظة”، واقتحام المنازل للقبض على المحتجين وترويع الأهالي.
وفي تعليقه على الأحداث الأمنية التي جدّت في تطاوين، أكّد محمد عبو الوزير المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، في تصريحات إعلامية، أن القضاء موجود والدولة ترفض العنف وترفض في نفس الوقت غلق الطرقات. حاولت “نواة” التواصل مع والي تطاوين عادل الورغي للتعليق على المقاربة الأمنية للاحتجاجات ودور الولاية في إيجاد حل لحالة الاحتقان في مدينة تطاوين والتفاوض مع المحتجين حول مطالب التشغيل والتنمية إلا أنه تملص من الردّ على اتصالاتنا.
للتذكير، تعود احتجاجات الكامور لشهر أفريل 2017 عندما قامت مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل بالتوغل في الصحراء ونصب خيام في منطقة الكامور البترولية، على خط الطريق الفرعي وأمام المنشآت النفطية، للمطالبة بالتشغيل وإنجاز مشاريع تنمويّة تساهم فيها المؤسسات النفطية في الجهة التي تشهد نقصا في الخدمات الصحية والإدارية بالرغم من أهميتها الاقتصادية كمنتج للطاقة.
وحظيت الاحتجاجات وقتها باهتمام وتعاطف من عدة أحزاب سياسية من بينها حزب حراك تونس الإرادة وحركة النهضة والجبهة الشعبية وغيرهم. كما أثارت في المقابل عدة شكوك حول مصدر تمويلها وأهدافها السياسية غير المعلنة والجهة التي تقف وراءها وتحرّض عليها حيث اتّهم عماد الحمامي عندما كان وزيرا للتشغيل آنذاك صاحب شركة مناولة خسرت عقودها مع الشركات البترولية بتمويلها والتحريض عليها.
وبالرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد المفاوضات التي جرت بين ليلتي 15 و16 جانفي 2017 والذي ينص على انتداب 3000 شخص من الولاية في شركات البيئة والبستنة و1500 موطن شغل في الشركات البترولية وتخصيص 80 مليون دينار سنويا لصندوق التنمية والاستثمار في تطاوين، إلا أن حكومة يوسف الشاهد لم تنفذ كامل بنود الاتفاق برغم انتهاء آجال تنفيذه بخروج سنة 2019.
هذا التراجع الحكومي عن التنفيذ الشامل للاتفاق اعتُبِرَ خلفية لعودة الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بتشغيل شباب الجهة وتطوير الخدمات الاجتماعية والعمومية التي يرى مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان أنها بقيت على حالها منذ الفترة البورقيبية لليوم. وقال عبد الكبير لـ”نواة” أن البنية التحتيّة مهترئة وكارثيّة لولاية تساهم بـ15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، والخدمات الصحية والتجهيزات والإطار الطبي “فضيحة” ولا تستجيب للحد الأدنى مما هو مطلوب منها.
إلى ذلك، أشار الناشط الحقوقي في الجنوب التونسي إلى أنه من الصعب أو المستحيل للحكومة أن تنفذ بنود الاتفاق الذي وقع عليه الوزير السابق عماد الحمامي بسبب الالتزامات المالية الكبيرة للتنمية والتشغيل في الجهة والتي لا تقدر الشركات البترولية على توفيرها، لافتا إلى أنّ “الشركات البترولية لها نفوذ أقوى من الحكومة”.
كما اعتبر أن الجهة في حاجة ماسة لاتفاق من أجل التهدئة وإعطاء فرصة لكل الأطراف من أجل تعديل الاتفاقية القديمة وعقلنتها مضيفا “لابد للدولة أن ترسل رسائل إيجابية أن هنالك استمرارية للدولة لأن الشاهد أمضى الاتفاقية باسم الحكومة التونسية ورئيس الحكومة الحالي إلياس الفخفاخ يعتبر، بمنطق الدولة، في تواصل مع الحكومات السابقة”.
iThere are no comments
Add yours