هذا المبنى المسمى بدار المؤسسات البترولية من المفترض أن يكون تجسيدا للنقطة الحادية والخمسين من اتفاق الكامور الذي صاغه رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد سنة 2017، حيث صرفت عليه الدولة قرابة ثلث مليار، ما يعادل 320 ألف دينارا، إلا أنها فشلت في تحقيق الغاية من تسويغه وتحول إلى مصدر آخر من مصادر إهدار المال العام.

ففي شهر أفريل من سنة 2017، أطلق رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد حزمة من الوعود من أجل فك اعتصام الكامور، وجاء في النقطة الحادية والخمسين من هذا الاتفاق ”تعزيز تواجد الشركات البترولية بالجهة من خلال إحداث دار للمؤسسات البترولية وانطلاق نشاطها في جويلية 2017 والقيام في مرحلة أولى بفتح تمثيليات للشركات البترولية في تطاوين بنفس مقر المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية آخر شهر جويلية 2017“ . وبعد عام من الاتفاق، دشن وزير الصحة أنداك عماد الحمامي مبنى المؤسسة المهجور. إلا أنّه وإلى حد هذا التاريخ لم تشغل أي من الشركات الثمانية المقرات المخصصة لها بالمبنى باستثناء تمثيلية المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، لتصبح تلك المؤسسة أكبر مجسم للحلول الترقيعية التي اعتمدتها الدولة لحل مشاكل التنمية في تطاوين، والذي تهدر من أجله مئات الآلاف من الدينارات سنويا معلوم كراء المبنى وأجور عشرين عاملا تابعين لـ”شركة تطاوين للخدمات“، وهي شركة مناولة مختصة في الحراسة وخدمات أخرى.

حسب عقد الكراء الذي تحصل موقع نواة على نسخة منه، والذي أمضي في السادس والعشرين من شهر جويلية من العام 2017، تلتزم المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية بدفع ثمانين ألف دينارا إلى صاحب المبنى مقابل الكراء، إضافة إلى دفع نسبة خمسة في المائة سنويا معلوم الترفيع في ثمن الإيجار. وبقي المبنى مهجورا بشكل كلي طيلة عام كامل قبل تدشينه سنة 2018، وخلال ذلك العام دفعت الدولة ممثلة في الشركة الوطنية للأنشطة البترولية ثمانين ألف دينار معلوم كراء سنة والحال أنها لم تستغله على امتداد تلك السنة. وبالرغم مرور ثلاث سنوات على تدشينه، إلا أنّ مكاتب ”دار المؤسسات البترولية بتطاوين“ تخلو من أية تمثيلية للشركات البترولية الأجنبية والوطنية، باستثناء المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية.ETAP

⬇︎ PDF

حسب مصدر مطلع من داخل المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية، فإن الشركات البترولية التي تنشط في حقول الغاز والبترول بتطاوين من ضمنها شركات بترولية أجنبية كبيرة مثل شركة ”إيني“ الإيطالية وشركة ”أو أم في“ النمساوية وشركة ”وينستار“ الدولية، امتنعت جميعها عن تركيز فروع لها في ”دار المؤسسات البترولية بتطاوين“ رغم أنها لن تدفع مليما واحدا مقابل كراء تلك المكاتب، ورغم أن الدولة ممثلة في المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية هي من تحملت على عاتقها كراء المبنى وتوفير مكاتب للشركات البترولية الناشطة في تطاوين. إلا أن المكاتب المخصصة لتلك الشركات ما تزال مهجورة منذ ما يقارب الثلاث سنوات، إذ تعتبر تلك الشركات إن اتفاق الكامور ملزم للدولة التونسية مع المحتجين فقط حسب المصدر ذاته.

من المعلوم أنه كان من ضمن مطالب المحتجين في الكامور سنة 2017، فتح فروع في تطاوين، للشركات البترولية الناشطة هناك، لكن من الواضح أيضا أن قرار تحمّل الدولة التونسية كلفة مصاريف كراء مبنى حتى تتمكن الشركات البترولية الأجنبية والمحلية التي تنشط في تطاوين من الاقتراب من مواطني الجهة، ومواصلة كراء ذلك المبنى رغم امتناع الشركات البترولية عن الالتزام باتفاق الكامور، وإهدار المال العمومي من جهة أخرى، كانا قرارين سياسيين من أجل إخماد غضب المحتجين في تطاوين وحتى ينعم المسؤولون ببعض السكينة عن طريق الإيهام بالالتزام ببعض نقاط الاتفاق المبرمة مع المحتجين.

لقد دفعت الدولة التونسية مبلغا ماليا تفوق قيمته 320 ألف دينار من أجل كراء مبنى لا يزال مهجورا. حيث ما يزال عقد الكراء ساري المفعول، و تجدد لعام رابع، في شهر ماي الماضي، رغم أن مكاتب تمثيليات الشركات البترولية فارغة، باستثناء مكتب تمثيلية المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية. ويمكن لهذا المبلغ أن يمول قرابة عشرين مشروعا صغيرا. وكان بالإمكان أن تصرف تلك الأموال من أجل دعم مشاريع موجهة إلى شباب جهة تطاوين بدل إهداره دون أية فائدة تعود على هذه الجهة المحرومة بالمنفعة.