مما يبدو جليا في الاحتجاجات الراهنة هو الحضور الطاغي للعنصر الشبابي من بنات وأبناء الأحياء الشعبية المهمشة، ممن تعرضوا، خلال هذه العشرية، لشتى أنواع الظلم والتهميش والعنف تحت عناوين متعددة من أبرزها “الحرب على الإرهاب”، “القضاء على الجريمة”، “القضاء على الاقتصاد الموازي”. كما جاءت أزمة كورونا والتعامل الأمني مع هذه الجائحة (حضر التجول، الحد من حرية التنقل) لتزيد الطينة بلّة وترفع من منسوب التهميش والقهر والعنف الذي تعيشه هذه الطبقات والفئات الاجتماعية.
تتسم هذه التحركات كذلك بحضور هام للمراهقين اللذين كانوا أطفالا عند اندلاع ثورة 17 ديسمبر، والذين يمكن اعتبارهم من جيل الحرية ومن جيل الفداء، حيث خرجوا إلى العالم في أحلك الفترات التي تمر بها البلاد على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وذلك في غياب الأفق السياسي الذي يمنح الأمل على مستوى فردي وجماعي. وهم في أغلبهم من المنقطعين عن الدراسة ومن المرشحين للهجرة غير النظامية أو الانتماء إلى مجموعات جهادية أو الدخول إلى عالم الجريمة.
انتفاضة من أجل الكرامة!
تكفي لمحة عن الأحداث التي هزت الرأي العام في الفترة الأخيرة حتى نلاحظ أن سياسة الإذلال أصبحت ممنهجة في تونس. فما معنى أن تموت في بالوعة تركتها وزارة التجهيز مفتوحة؟ أو في فيضان وادي وأنت في طريقة المدرسة؟ ما معنى أن تسقط في مصعد غير مجهز في المستشفى؟ أو أن يموت عشرات الرضع وهم لا يزالون في المهد؟ ما معنى أن تصاب برصاصة قاتلة لأنك خرقت حضر التجول لتشتري أدوية؟ ما معنى أن يهان راع ويعتدي عليه لا لشيء إلا لأن ماشيته أكلت من أعشاب الوالي؟ ما معني أن يقع إيقاف مئات الشباب على خلفية احتجاجاهم على ما آلت إليه أوضاع جمعيتهم الكروية؟ ما معنى أن تهان في مدخل كل إدارة عمومية و مؤسسة عندما تذهب لطلب خدمة؟
إن السمة الأساسية للتحركات الراهنة هي الانتفاض لكرامة أهينت و حرمة دنست، وهي في آن واحد انتصار لهذه الكرامة في مواجهة سياسات الإذلال التي تواصلت بعد الثورة بواجهة ديمقراطية، ومختفية تحت شعارات هيبة الدولة وقوتها. إن غياب المطلبية لا يعني غياب المعنى، والارتجالية لا تعني غياب التنظيم. لقد راكم هذا الشباب من خلال ممارسته اليومية في مدرجات ملاعب كرة القدم أو في الأحياء الشعبية أساليب تنظيمية تمكنه من آليات مواجهة تستهدف المؤسسات القمعية التي تهدد وجوده.
اتحاد الشغل والطبقة الوسطى يتخلون عن المحتجين
تأتي هذه التحركات كرد فعل على الظلم والتهميش وسرقة الآمال الثورية لشباب المناطق والأحياء المهمشة، لكن هذه التحركات وإن كانت تحاكي نسبيا انتفاضة البوعزيزي لكرامتة في 17 ديسمبر، إلا أننا لا نرى في الشوارع جحافل المتظاهرين من الطبقات الوسطى. كما أن دور الاتحاد لم تفتح لهذا الشباب المنتفض، ببساطة لأن الطبقات الوسطى غيرت اتجاه بوصلتها نحو اليمين، موزعة بين حزب موسي والنهضة وبعض الأحزاب التي تدعي الديمقراطية الاجتماعية والتي ما فتئت منذ عشر سنوات تسوق الخطاب هيبة الدولة والعودة إلي وضعية الأمان والاستقرار، موجهة أصابع الاتهام للشباب المفقر والحركات الاحتجاجية. وهي اليوم تتهم الشباب المنتفض بممارسة العنف والعربدة، في حين أن العنف الحقيقي هو ذلك الذي تحتكره الدولة ويمارس يوميا على الشباب والفئات الضعيفة والمهمشة من المجتمع.
أشعر بالأسف اليوم لأن المجموعات الثورية مازالت غير قادرة على المساهمة في منح أفق لهذه التحركات وتأطيرها. لا يمكننا اليوم غير مساندة الشباب المنتفض في الكرم وسليانة وسيدي حسين وغيرها من مناطق وأحياء البلاد، أقلّه لردع يد البوليس عنهم، وذلك عبر دعم هذه التحركات والمشاركة فيها حتى عبر تداول الفيديوهات حولها وخصوصا تفنيد أقوال من يحاولون وصمها باعتبارها أعمال فوضى وشغب.
iThere are no comments
Add yours