البعد الملحمي في “لن يمروا” و”مقاومة الفاشية” و”الألوية الدولية” زاده سحرا معرفة أن القصرين امتداد لوهجه؛ تعرفت على ذلك، بادئ الأمر، من خلال مقال اطلعت عليه بعد ثورة 2011 لأستاذي بشير يزيدي بعنوان “الهجرة الإسبانية بالقصرين والسياسة الاستعمارية”[1]، يصف بدقة وتوثيق محكم سياق إقامتهم بالقصرين وأطوارها، مشيرا، نسبة إلى شهود، إلى اندثار مقبرة “دفن فيها العديد من الإسبان.. توجد على مقربة من محطة الأرتال.. يطلق عليها الأهالي “جبانة اليهود” غلطا”[2].
شغلني موضوع لجوء الجمهوريين الإسبان إلى تونس. وإلى القصرين تحديدا. كأني كنت محتاجا لقصة عظيمة بهذا الحجم. بقدر المأساة التي فيها بقدر رموزها الخلاقة التي لا تتوقف عن التوالد؛ جنود إسبان من قرطاجنة (جنوب شرق إسبانيا) في القصرين؟ أن يكونوا وفدا من إسبانيا البرقية[3] يفاوض قادة نوميديا مواصلة الحرب ضد روما نهاية القرن الثالث قبل الميلاد أقرب للتصديق من كونهم لاجئين جمهوريين “منفيين” فيما تبقى من “السيليوم” القديمة. في القرن العشرين.
بدأت البحث. أفادتني خلفيتي الدراسية بالأدوات والتقنيات وسهولة الولوج للمكتبات والأرشيف الوطني والمعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية. صارت الأمور أوضح بفضل البحث البيبليوغرافي[4] حتى تمكنت تدريجيا من مفاتيح إقامة اللاجئين الإسبان في القصرين. مصادرا وشهادات. وانتهى الأمر. أو هكذا تخيلت. لا توجد أي إضافة منذ عشر سنوات. لا أحد يكتب في الموضوع أو يتابعه.
هل من المعقول أن المقبرة اندثرت؟ وهل يعني ذلك غير تحطيمها والبناء فوقها؟ ومن قد يفعل ذلك؟ ولماذا؟ استبعدت ذلك كثيرا. المقبرة موجودة. ومادامت موجودة وصامدة طيلة هذه المدة. فإن اكتشافها مسألة وقت. وفرصة وصدفة.
المراجع:
[1]– المقال منشور سنة 2009 بعنوان “الهجرة الإسبانية بالقصرين والسياسة الاستعمارية” في كتاب جماعي صادر عن المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بالقصرين تحت عنوان “القصرين: ذاكرة وتاريخ” وهو كتاب يوثق أعمال الندوة العلمية التي انتظمت بالقصرين من 5 إلى 8 أفريل 2007.
[2]– القصرين ذاكرة وتاريخ (مؤلف جماعي)، ص 112.
[3]– مقاطعة تابعة لقرطاج في الجنوب الشرقي لإسبانيا من 237 إلى 206 ق.م أسسها صدربعل بعد وفاة أميلكار مؤسس السلالة البرقية خلال الحملة عليها. خلفه حنبعل سنة 221 ق.م. ينسب للبرقيين تأسيس قرطاجنة. ومنها بدأ حنبعل حملته على روما سنة 218 ق.م.
[4]– بالنسبة للتونسيين الذين كتبوا في موضوع اللاجئين الاسبان وجدت فقط الاعمال التالية مرتبة حسب تواريخ صدورها:
Gafsi (A.) : Les prolongements de la guerre civile espagnole en Tunisie. Thèse de Doctorat, mars 1979
Amira-aleya Sghaier : Les réfugiés espagnols républicains en Tunisie en 1939, LeMouvement Social 1997/4 (n°181), pages 31 à 52.
Marianne Catzaras : Réfugiés politiques espagnols de la flotte républicaine en 1939 en Tunisie. Cette thèse a été publiée à Paris en 1986.
Bechir Yazidi : Immigration politique et solidarité, Cahiers de la Méditerranée, 63 | 2001, 91-99.
https://doi.org/10.4000/cdlm.14
iThere are no comments
Add yours