قيس سعيد في مكتب الإقتراع. تونس، 25 جويلية 2022. صورة لرئاسة الجمهورية.

الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري سرعان ما تفاعلت مع هذه المخالفة وراسلت مؤسسة التلفزة الوطنية حول “مخالفة التحجير المتعلق بالدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي”. الجمعيات المختصة في مراقبة سير الانتخابات نددت هي الأخرى بهذا “الخرق الصارخ للقانون الانتخابي”، كما ورد في التقرير الثاني لمنظمة “عتيد” حول ملاحظة عملية الاستفتاء. منظمة عتيد رصدت في تقريرها الأوّلي المتعلق غياب ممثّلي الأطراف المشاركة في الاستفتاء وحضورا ضعيفًا للملاحظين المحلّيين في عدد من مراكز الاقتراع. كما لاحظت شبكة مراقبون بدورها في بيان أوّلي حول سير عملية الاقتراع من السادسة صباحا إلى الثالثة ظهرا غياب الأطراف المشاركة في 87% من مكاتب الاقتراع التي رصدتها، والتي يبلغ عددها ألف مكتب.

دعاية سياسية زمن الصمت الانتخابي

وقف الرئيس التونسي قيس سعيد أمام مكتب الاقتراع بحي النصر 1 رفقة زوجته أمام كاميرات الصحفيين وقال مخاطبا التونسيين:

اليوم سنقطع مع هذا التاريخ الذي عشناه لمدّة عقود وأدى إلى تهاوي الدولة […]. الشعب التونسي مطالب اليوم بأن يحسم هذا الأمر وأن يصوت بأن يقول نعم أو أن يقول لا ولكن لاحظتم في 25 جويلية الماضي كيف خرج التونسيون بكل مكان مستبشرين بتجميد أعمال مجلس نواب الشعب سيئ الذكر، مستبشرين بدخول مرحلة جديدة في التاريخ.

وواصل سعيد كلمته غير مبال بوجوب احترام فترة الصمت الانتخابي، التي بدأت منذ الرابع والعشرين من هذا الشهر، مفسرا أحد فصول مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء:

سنبدأ إن شاء الله معا تاريخا جديدا يقوم على مسؤولية المسؤول أمام الشعب الذي اختاره لا أن نشاهد ما شاهدنا في المجلس كل يوم وكتل جديدة تتشكل، بل أحزاب لم تكن موجودة يوم الانتخابات أصبحت لها كتل داخل المجلس، ومن بين البنود التي تمّ إدراجها في مشروع الدستور، أنّ من يخرج إلى كتلة إلى أخرى لا يمكنه أن يلتحق بها إذا خرج من كتلة فلا يستطيع أن يلتحق بكتلة أخرى.

خروقات شكلية أو مؤثرة، من يقرر؟

قدّرت منظمة عتيد أن المخالفات التي رصدتها خلال النصف الأول من يوم الاقتراع يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات، ما يعني مبدئيا إمكانية الطعن. غير أن هناء بن عبدة المختصة في القانون العام تعتبر أن عملية قياس تأثير المخالفات والجرائم الانتخابية في تغيير نتائج الاستفتاء هي عملية تحددها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتقول في تصريح لموقع نواة:

الجرائم الانتخابية ومدى تأثيرها في نتائج الاستفتاء هي بيد مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مجلس يملك سلطة تقديرية في تحديد تأثير المخالفات أو الجرائم الانتخابية في مسار نتائج الانتخابات عموما وفي الاستفتاء، الذي يخضع بدوره للقانون الانتخابي. يمكن أن تكون تلك الجرائم الانتخابية تزوير النتائج أو ما يعرف بالورقة الدوّارة وفي تلك الحالة يمكن أن يسجل مراقبو هيئة الانتخابات تلك المخالفات ويحال تقرير في ذلك ثم يحسم مجلس هيئة الانتخابات بواسطة سلطته التقديرية مدى تأثريها في تغيير مسار نتائج الاستفتاء.

تضيف هناء بن عبدة أن القانون الانتخابي لم يخص الاستفتاء بجرائم أو عقوبات خاصة به رغم أن قياس تأثير مخالفة أو جريمة انتخابية ما، مختلف عن الانتخابات التشريعية. ففي الانتخابات التشريعية مثلا يمكن تحديد القائم بالمخالفة أو الجريمة الانتخابية وتسليط عقوبة عليه وإسقاط قائمته إذا ثبت لمجلس هيئة الانتخابات أن تلك المخالفة أو الجريمة الانتخابية يمكن أن تؤثر في النتائج. أما في الاستفتاء فالأمر يختلف خاصة أنه لا توجد قائمات تستوجب الإسقاط في صورة ارتكاب خروقات ولا يمكن قياس تأثير مخالفة أو جريمة انتخابية في نتائج الاستفتاء على المستوى الوطني حسب قولها، مؤكّدة أن إلغاء نتائج دائرة أو مركز اقتراع مثلا ممكن إذا قرّر مجلس الهيئة أن المخالفات المرصودة ستغير مسار نتائج الانتخابات. وتقول بن عبدة:

باختصار تدخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مسارين؛ الأول رصد المخالفات والجرائم الانتخابية والثاني كتابة تقرير في ذلك وإحالتها إلى القضاء حسب خطورتها، ليبقى بيد الهيئة وحدها تقدير خطورة تلك المخالفات ومدى تأثيرها على نتائج الاستفتاء.

الجرائم والمخالفات في القانون الانتخابي

يذكر الفصل 142 من القانون المنظم للانتخابات لسنة 2014، أن الهيئة تعيد الاقتراع أو الاستفتاء في الدوائر التي تلغى فيها النتائج إذا كان من “شأن النتائج الملغاة التأثير على تحديد المقاعد الفائزة في الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية، أو المترشح الفائز في الانتخابات الرئاسية، أو المترشحَيْن لدورة الإعادة، أو نتيجة الاستفتاء”. كما حدد الفصل 145 من القانون ذاته إمكانية الطعن في النتائج الأولية للاستفتاء في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ تعليق النتائج بمقرات هيئة الانتخابات.

الباب قبل الأخير من القانون المنظم للانتخابات يفصل مجمل المخالفات والعقوبات المترتبة عنها، حيث ينص الفصل 143 على أن الهيئة تتثبت من احترام الفائزين لأحكام الفترة الانتخابية وتمويلها وأنه يجب عليها أن “تقرّر إلغاء نتائج الفائزين بصفة كلية أو جزئية إذا تبيّن لها أن مخالفتهم لهذه الأحكام أثّرت على نتائج الانتخابات بصفة جوهرية وحاسمة وتكون قراراتها معللة. وفي هذه الحالة يقع إعادة احتساب نتائج الانتخابات التشريعية أو البلدية أو الجهوية دون احتساب الأصوات التي تمّ إلغاؤها.أما في الانتخابات الرئاسية فيتم الاقتصار على إعادة ترتيب المترشحين دون إعادة احتساب النتائج”.

وتتباين العقوبات المسلطة على المخالفين حسب نوعية المخالفة، فاستعمال العلم التونسي أو شعار الجمهورية في المعلقات الانتخابية تعاقب بخطية مالية من خمسمائة إلى ألف دينار، في حين تصل عقوبة من يقوم بدعاية انتخابية أو متعلقة بالاستفتاء تتضمن الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز إلى خطية مالية بين ألفين وخمسة آلاف دينار حسب الفصل 153. كما منع الفصل 55 استعمال الوسائل والموارد العمومية لفائدة قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب وهي مخالفة ارتكبتها رئاسة الجمهورية خلال استغلال الصفحة الرسمية للرئاسة التي يشرف عليها أشخاص يتقاضون أجورا من مؤسسة الرئاسة، خلال الفترة الانتخابية. وخرق رئيس الجمهورية الفصل 69 من القانون المنظم للانتخابات الذي “يحجر جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي” وتصل عقوبته إلى خطية مالية قيمتها 20 ألف دينار.

قانون الانتخابات لم يقتصر على تفصيل العقوبات المالية، حيث أوضح معز القرقوي، الأستاذ في كلية الحقوق بصفاقس لموقع نواة، أن ثمانية فصول تحدثت بأدق التفاصيل عن الجرائم الانتخابية التي يعاقب مرتكبها بعقوبة سجنية، فعقوبة التزوير مثلا تتراوح بين شهر وست سنوات حسب الفصل 164 من القانون المذكور، وهي أخطر الجرائم الانتخابية التي يمكن إذا أثبتت أن تؤدي إلى إلغاء نتائج الاستفتاء.

و رغم ترسانة الفصول و الموانع القانونية المفصلة، فإن قراءة سريعة لواقع هيئة الانتخابات و الصراعات التي اندلعت صلبها و حولها، تجعلها أمام رهان محسوم النتائج تقريبا، مثله مثل نتائج استفتاء 25 جويلية 2022، فمجلسها الذي يعمل على إسكات الأصوات المخالفة صلبه، ستحسم سلطته التقديرية مآل خروقات، تتعلق أوضحها بالرئيس سعيد.