تبصر هذه الميزانية الضوء بعنوان عريض هو تعبئة موارد الدولة بتكثيف المجبى، عبر سلسلة من الإجراءات الجبائيّة التّي ستعتصر ما تبقّى في جيوب التونسيّين الخاوية أصلا. إذ يعكس قانون الماليّة لسنة 2023، هاجس تعبئة الموارد في مرحلة هي الأصعب على المستوى الاقتصاديّ في تونس، وفي ظرف سياسيّ مُحرج ومن موقع ضعف وتسليم تامَّين أمام المانحين الدوليّين. أكثر من 250 صفحة، تحمل في طيّاتها كلّ أوجه الظلم الجبائي وجميع أسباب التوتّر والاحتقان الاجتماعي مع عدّة أطراف اجتماعيّة وقطاعيّة.

الأداءات المباشرة: عبء على ساق واحدة

يمكن تلخيص مجمل الإجراءات الواردة في قانون المالية 2023 في زيادة ستشمل جميع المنتجات الاستهلاكية وتعريفة الخدمات المرتبطة بالمهن الحرّة غير التجارية، على غرار المحامين والمهندسين والمستشارين والعدول وغيرهم إضافة إلى مجمل الخدمات الإدارية،ما يضع نقاط تعجب أمام تطمينات وزيرة المالية، بأنّ قانون المالية لا يهدّد المقدرة الشرائية للتونسيين.

بمثل هذه الزيادات، تنتظر الحكومة ارتفاعا في مداخيل الأداءات غير المباشرة بنسبة 15.2% مقارنة بسنة 2022. وستنقسم هذه الزيادات بين تطور مردود المعاليم الديوانية بـ 204 مليون دينار أي 11% نظرا للتطوّر المرتقب للواردات. كما سيرتفع مردود الأداء على القيمة المضافة بـ 1253 مليون دينار. أما الترفيع في المعلوم على الاستهلاك فسيضخّ في خزينة الدولة ما قيمته 4231 مليون دينار أي بزيادة تقدّر ب 601 مليون دينار مقارنة بسنة 2022، نتيجة الترفيع المرتقب أساسا في المعلوم على الاستهلاك الموظّف على منتوجات التبغ والوقيد والزيادة الخصوصية الموظفة عليها.

بلغت جملة ميزانية الدولة المُبرمجة لسنة 2023، ماقيمته 69914 مليون دينار بنسبة تطوّر ناهزت 14.9% عن سنة 2022. تنقسم هذه الموارد، إلى مداخيل خزينة الدولة وموارد الخزينة، لكنّ الجزء الأكبر لمجهود التعبئة سيكون من المداخيل الجبائيّة المباشرة التي تمثّل 57.97% من اجمالي موارد الدولة.

يعوّل قانون المالية الجديد، “لتعبئة خزائن الدولة” على تطوير المداخيل الجبائية ب 4496 مليون دينار، أي بنسبة 12.5% مقارنة مع السنة الفارطة لتبلغ قيمتها 40536 مليون دينار. كما خطّطت وزارة المالية للرفع من المداخيل غير الجبائية ب 1559 مليون دينار، متوقّعة تراجع الهبات ب 761 مليون دينار مقارنة بسنة 2022.

خطّة التعبئة سترتكز بالأساس على الموارد الجبائيّة لمحاولة بلوغ السقف الذي حدّدته وزارة الماليّة بنسبة 57.97% من إجمالي الموارد المنتظرة. ولتحقيق هذا الهدف، سيتّم الترفيع في الأداءات المباشرة التي تمثّل 40.18% من اجمالي المداخيل الجبائية لتبلغ 16290 مليون دينار أي بزيادة تقدّر بنسبة 8.6% مقارنة بسنة 2022. وسيتحمّل الأجراء والموظّفون النّصيب الأكبر من جهود التعبئة، حيث تمثّل الضريبة على الدخل التي تشمل رواتب الموظّفين والأجراء 68.84% من حجم الأداءات المباشرة بقيمة 11215 مليون دينار وبزيادة تقدّر ب 1289 مليون دينار مقارنة بالسنة السابقة. في نفس السياق، بلغت قيمة الأداءات المفروضة على الشركات البترولية وغير البترولية 5075 مليون دينار بزيادة لن تتجاوز 408 مليون دينار، أي أقلّ من نصف المردود المنتظر من الضريبة على الدخل.

الأداءات غير المباشرة: وجه آخر للظلم الجبائي

لاستكمال ما حدّدته حكومة بودن من سقف لتعبئة موارد خزينة الدولة، ارتأى العقل المالي والاقتصادي الرسميّ إلى سنّ جملة من الإجراءات الجديدة التّي تخصّ الأداءات غير المباشرة، والمتمثّلة أساسا في المعاليم الديوانية والأداء على القيمة المضافة ومعلوم الاستهلاك،إضافة إلى أداءات ومعاليم مختلفة.

من جملة ما عُنْوِن في المرسوم الخاص بقانون المالية لسنة 2023ب”مواصلة الإصلاح الجبائي وترشيد الامتيازات الجبائية”، تمّ برمجة:

  • تحيين تعريفة الطابع الجبائي الموظف على الفواتير واخضاع بعض الوثائق الإدارية للمعلوممن خلال تغيير المبلغ من 600 مليم إلىدينار واحد.
  • الترفيع في الأداء على القيمة المضافة (TVA) بالنسبة للمهن الحرة من 13% إلى 19%.
  • الترفيع في خطايا التأخير من 0.75% إلى 1.25%، ومن 1:25% إلى 3%، ومن 2.5% إلى 5%.
  • احداث تسبقة قابلة للطرح من الضريبة على الدخل أو من الضريبة بنسبة 5% على شركات صناعة أو تعبئة المشروبات الكحولية.
  • تحيين تعريفة الضريبة التقديرية على الدخل في صنف الأرباح الصناعية والتجارية وذلك بالترفيع في مبلغ الضريبة الدنيا المستوجبة على رقم المعاملات الذي يساوي أو يقل عن 10 آلاف دينار من:
  • 200 دينار إلى 400 دينار بالنسبة إلى المؤسسات المنتصبة داخل المناطق البلدية طبقا للحدود الترابية للبلديات الجاري بها العمل قبل غرة جانفي 2015.
  • من 100دينار إلى 200 دينار بالنسبة إلى المؤسسات المنتصبة خارج المناطق المذكورة.

هذا الاعتماد المفرط على الأداءات غير المباشرة، التّي تمثّل عبئا حقيقيّا على ذوي الدخل المحدود، إضافة إلى محدودية نجاعة الأداء على القيمة المضافة في تحقيق العدالة الجبائيّة-بحسب دراسة صادرة عن خبراء لصندوق النقد الدولي سنة 2015-، يعكس في حقيقته توجه العقل الماليّ الرسميّ. توجه يتجنّب المسّ من مصالح رؤوس الأموال وفرض ضريبة حقيقيّة على الثروة، مقابل تحميل عجز الموازنة العمومية للطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع. كما أنّ هذا النوع من الموارد الجبائيّة لا يتطلب جهازا اداريّا للمراقبة،لتجنّب الترفيع في عدد الموظفين في وزارة المالية أو إدارة الجباية. من ناحية أخرى، فإنّ الاعتماد على الأداء الغير مباشر يقابله تقليص في مساهمة الاداءات المباشرة عبر التخفيض في الأداء على أرباح الشركات.

إدارة الجباية؛ سيف من خشب

خارج صفحات مرسوم قانون الماليّة لسنة 2023 والتقرير المصاحب له، تكشف تقارير أخرى صادرة عن منظّمات أو دوائر رسميّة حجم العجز الذي تعاني منه ذراع الدولة الرئيسيّة في استخلاص مستحقّاتها الضريبيّة وهي إدارة الجباية. إذ يكشف التقرير السنوي العام الثاني والثلاثون الصادر عن محكمة المحاسبات في ديسمبر 2020، أنّ قيمة بقايا الديون الجبائية المثقلة وغير المستخلصة، والتي تمثل مستحقات الدولة لدى المطالبين بالأداء، قد بلغت إلى حدود نهاية ديسمبر 2019 ما قيمته 10252 مليون دينار. فيما لم تتجاوز نسبة استخلاص هذه الديون 8.1% خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2013 و2019. بل يشير التقرير المذكور إلى أنّ 101 ألف مدين لدى الدولة، تتعلّق بهم ديون جبائية غير مستخلصة بقيمة تفوق 1418 مليون دينار، غير موجودين في العناوين المصرّح بها ولا تتوفّر حولهم أيّ معلومات تسمح بتعقّبهم.

كما ينبّه التقرير المذكور، إلى أنّ إدارة الجباية تفتقر إلى مخطط طويل المدى في مجال استخلاص الديون المُثقلة. فزيادة عن غياب سلم أولويات واضح المعالم، لم يقع تفعيل اللجنة المركزية للاستخلاص المحدثة منذ سنة 2001،ليبقى ما قيمته 2174.351 مليون دينار من الديون الجبائيّة دون تصنيف إلى غاية شهر أوت 2019.

هذه الديون المتراكمة والموارد المهدورة، تعود بالأساس لضعف إدارة الجباية التي تشكو من محدوديّة الإمكانيات البشرية واللوجستية. ورقة بحثيّةبعنوان “إدارة الجباية في تونس: أداة معطّلة”، للباحثة سحر مشماش، سلطت الضوء على حجم العجز الذي تعانيه إدارة الجباية. حيث لم توفّر الوزارة سوى 4500 عون تحصيل ضرائب للتعاطي مع ما يناهز 700000 مطالب بالأداءات سنة 2019. ليس هذا فحسب، بل إنّ المسؤولين بصفة مباشرة عن عمليات التحصيل لا يتجاوز عددهم 3105 عون في جميع أنحاء البلاد. علما وأنّ ميزانيّة سنة 2023، لم تتضمّن تعزيزا للموارد البشرية لإدارة الجباية، خاصة بعد انخفاض عدد أعوان تحصيل الضرائب إلى 4142 بحسب بيانات وزارة الماليّة.

أمّا فيما يخصّ عمليّات المراجعة الجبائيّة، تخصّص الإدارة 3400 عون فقط،48% منهم فقط مسؤولون بصفة مباشرة عن عمليات المراجعة،و 29% لا أكثر من هؤلاء متخصّصون في عمليات المراجعة المعمقة.

لا يقتصر ضعف إدارة الجباية على محدودية الموارد البشريّة. حيث يشير تقرير محكمة المحاسبات السنوي العام الثاني والثلاثون إلى أنّ النظـام المعلوماتي المُعتمد يشكو العديد مـن النقائص، أهمّها افتقاره إلى آليّات الرقابة العامّة عند إدراج تواريخ غير منطقيّة.هذا النظاملا يمكّن من استخراج ملخّصات لأعمال التتبّع ولوحات قيـادة حول نشاط القباضة في مادّة التصرّف في الديون المُثقلة. كما تفتقر إدارة الجباية ونظامها المعلوماتي إلى آليّة تربطأعمال التتبّع بطبيعة الديون المُثقلة، جبائيّة كانت أو غير جبائيّة. هذا الخلل لا يسمح بإدراج جميع أعمال التتبّع الصادرة عن مصالح الاستخلاص، على غرار ترسيم الامتياز وبقيّة أعمال الاستقصاء التّي يقوم بها القابض في خصوص الديون.

بمثل هذه النقائص الفادحة، ترمي الدولة إلى تعبئة أكثر من 16000 مليون دينار من المداخيل الجبائيّة المباشرة بزيادة تقدّر بـ 8.6% مقارنة بسنة 2022. تحقيقا لهذا الهدف، لم يتضمّن قانون المالية أي برنامج لفتح باب الانتدابات صلب وزارة الماليّة أو إدارة الجباية لتعزيز الموارد البشريّة، في تواصل لسياسة حكوميّة متوارثة منذ عهد حكومة الحبيب الصيد، الضغط على كتلة الأجور امتثالا لتوصيات صندوق النقد الدوليّ.

كما عمدت الحكومة لتحقيق التعبئة المنشودة، تحت عنوان تحسين استخلاص موارد الدولة وتدعيم العدالة الجبائية وتعصير إدارة الجباية، إلى رصد 18.5 مليون دينار كاعتمادات تعهّد. وقد تضمّنت قائمة المشاريع شتّى أنواع الشراءات من مبانٍ وتحسين مكاتب وتجهيزات، دون أن تضع الإصبع على مكمن نزيف الجباية المهدورة، وهي العنصر البشري وتحقيق العدالة الجبائيّة.

ميزانية حكومة الرئيس في الزمن الأصعب

استنادا إلى فرضيّة صرف قرض صندوق النقد الدولي، الذي خاضت تونس من أجل الحصول عليه جولات مفاوضات عسيرة،ترسم الإحصائيات والمؤشرات المالية والاقتصاديّة،فيالتقرير الخاص بميزانية الدولة لسنة 2023، صورة واضحة المعالم حول حقيقة الوضع الاقتصاديّ في السنة الجديدة. حيث لن تتجاوز نسبة النموّ الاقتصادي 1.8% مقارنةب2.6% المسجلة خلال سنة 2022.

أمّا على صعيد المبادلات التجاريّة، فستستمر حالة العجز المزمنة للميزان التجاري. حيث تفاقمت الحصيلة السلبيّة بين سنتي 2020 و2022 من 11667- مليون دينار إلى 23281- مليون دينار،ليبقى القطاع الفلاحي والصناعات الغذائيّة أكبر المتضرّرين، بتطوّر صادرات لم يتجاوز نسبة 15.28%، مقابل ارتفاع في الوارد اتبلغ 36.9% بين سنتي 2020 و 2022. هذا إضافة إلى تطوّر واردات الطاقة بنسبة 55.2% خلال نفس الفترة، ليتفاقم العجز الطاقي متجاوزا نسبة 68%،بنسبة 39.5%من العجز التجاري الجملي إلى موفّى نوفمبر 2022.

حديث وزيرة الماليّة عن أنّ الإجراءات الجديدة لن تمسّ من المقدرة الشرائية للتونسيّين، يتعامى عن موجة التضخّم الرهيبة التي طبعت سنة 2022، الّذي من المتوقع أن يتفاقم في السنة الجديدة تماشيا مع الإجراءات الضريبيّة. فنسبة التضخمارتفعت إلى9.8% مع نهاية شهر نوفمبر 2022، مقابل 6.7% في شهر جانفي من نفس السنةو5.9% كمعدّل عام سنة 2020. مجموعة المواد الغذائيّة والمشروبات غير الكحولية، كان لهانصيب الأسد من المساهمة في المستوى العام للتضخّم سنة 2022 بنسبة 39.8%، بزيادة تفوق 10% مقارنة بالسنة السابقة، تليها مجموعة السكن والطاقة المنزلية بنسبة 12.9% ثمّ مجموعة النقل بنسبة 11.1% وصولا إلى مجموعة الملابس والأحذية بنسبة 8.1%. أمّا سعر صرف الدينار، وإن شهد تحسّنا طفيفا مقابل الأورو بنسبة لم تتجاوز 1.4%، إلاّ أنّه شهد تدهورا حادّا بنسبة 11.3% إزاء الدولار الأمريكي.

إضافة إلى حالة العطالة على مستوى الاستثمار العمومي، نشرت عدّة مؤسسات حكومية أرقاما مفزعة حول مناخ الاستثمار وتدهور نسقه في تونس خلال السنة المنصرمة. حيث أشارت وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية إلى تراجع الاستثمارات الفلاحيّة الخاصة المُصرّح بها خلال سنة 2022 بنسبة 4.3 % مقارنة بسنة 2021، وب 15.6% بالعودة إلى ما تمّ برمجته في المخطط التنموي2023 – 2025. أمّا في القطاع الصناعي،فتشير الإحصائيات التي نشرتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد إلى انكماش حجم الاستثمارات في الصناعات المعملية بشكل عام بنسبة 4.6-% مقارنة بسنة 2021. وتقدّم المعطيات التفصيليّة صورة أوضح للقطاعات الأكثر تضرّرا في النسيج الصناعي؛ حيث تراجعت الاستثمارات في مجال الصناعات الغذائيّة خلال سنة واحدة بنسبة 28.7%، إضافة إلى تقهقر كبيرللاستثمار في الصناعات الكيميائيّة بنسبة 69.3% بين سنتي 2021 و2022.

أمام هذه الوضعيّة الكارثيّة، على مستوى ارتفاع التضخّم وتراجع الاستثمارات الصناعية والفلاحيّة، عمد البنك المركزي في 30 ديسمبر 2022، إلى الترفيع في نسبة الفائدة المديريّة من 7.25% إلى 8%. هذا القرار الذي برّره محافظ البنك المركزي بضرورة التحكّم في التضخّم وحماية المقدرة الشرائيّة للتونسيّين، يبدو واهيا نظرا لفشل هذا الاجراء سابقا في معالجة هذه المعضلة. حيث رفع البنك المركزيّ نسبة الفائدة المديريّة مرتيّن سابقا، في 17 مايو5 أكتوبر 2022، دون أن ينجح في كبح ارتفاع التضخّم الذي تطوّر من 6.7% في جانفي 2022 إلى 9.8 في ديسمبر من نفس السنة.

هذه السياسة الماليّة تؤثّر بشكل سلبي على النموّ الاقتصادي،فتقلّص الاستهلاك مرتبط بارتفاع أقساط القروض الاستهلاكيّة وتراجع نوايا الاستثمار،إضافة إلى زيادة تكلفة القروض المخصّصة للاستثمار،ما ينتج حالة شبيهة بالركود الاقتصادي الناجم عن كبح نسق الدورة الاقتصاديّة.

انكماش الاستثمار الخاص وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية منذ سنة 2016،انعكس على مؤشّر البطالة الذّي بلغ 15.3% مع نهاية سنة 2022، مع تسجيل ارتفاع في نسبة بطالة حاملي الشهادات العليا من 22.7% إلى 24.3% بين 2021 والسنة اللاحقة.

مع هذه التركة الثقيلة التي راكمتها السياسات المالية والاقتصاديّة لعشريّة امتازت بسوء التصرّف الاقتصاديّ، والتي تجلّت في حجم التضخّم الذي اعتصر جيوب التونسيات والتونسيّين خلال السنة الفارطة، أقرّ قانون الماليّة الجديد بدء التخفيض الصريح للدعم، تماشيا مع توصيات صندوق النقد الدوليّ لمنح تونس قرضا جديدا. إذ سيتمّ التخفيض في مخصّصات الدعم ب 3167 مليون دينار، لتشمل التخفيضات بالأساس المحروقات والكهرباء، الذي سيتراجع مبلغ الدعم المخصّص لها من 7628 مليون دينار سنة 2022 إلى 5669 مليون دينار في السنة الحالية. كما سيتواصل تطبيق التعديل الدوري للأسعار بالنسبة للمواد المعنية بتلك الآلية إلى غاية بلوغ الأسعار الحقيقة،مواصلة تعديل أسعار المواد البترولية غير المعنية بالآلية (فيول، بترول الإنارة المنزلي والصناعي وغاز البترول المسيّل(، إضافة إلى اقرار تعديل دوري لتعريفتي الكهرباء والغاز الطبيعي “مع مراعاة الأسر ضعيفة الدخل” كما جاء في التقرير المصاحب لقانون المالية لسنة 2023.

عمليّة “مراجعة الدعم”، كما تصرّ حكومة بودن على استعمالها هروبا من كلمة رفع الدعم، ستشمل حتّى المواد الأساسيّة كمشتقات الحبوب والزيت النباتي والخبز والحليب والسكّر والمعجّنات، إذ سيتمّ خفض الاعتمادات المرصودة من 3771 مليون دينار إلى 2523 مليون دينار، أي بنسبة 33.1%، في ظلّ توقّعات بتجاوز نسبة التضخّم سقف 11% خلال سنة 2023.

تأتي هذه الإجراءات الجديدة امتثالا لتوصيات صندوق النقد الدولي مقابل صرف القرض الجديد وامتدادا لسياسة التسوّل، بدءا من برامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 وصولا إلى الاتفاق الأخير سنة 2016. لكنّ الشيء المختلف هذه المرّة هو أنّ هذه المفاوضات تدخلها تونس زمن أسوأ حالاتها الاقتصاديّة منذ عقود. فعندما تحصلت البلاد على أوّل قسط من قرض “تسهيل الصندوق الممدد”، كانت مختلف المؤشرات الاقتصادية أفضل من الراهنة. حيث كانت نسبة النمو حينها في مستوى 2.5%، كما لم يتجاوز عجز الموازنة العمومية 3.9%. أمّا على صعيد حجم الدين العمومي، فلم يكن يتجاوز حينها 53.4% من اجمالي الناتج المحلي مع نسبة بطالة تقدّر بـ 15.4%، في حين كان سعر صرف الدولار يناهز 1.9 دينار سنة 2016.