تقول رفيقة والدة ربيع لموقع نواة إنها طلبت من طبيب ابنها مدها بملفه الطبي غير أنه امتنع عن ذلك قائلا : ”لا يمكنني تسليم تقرير عن حالته إلا بعد الحصول على ترخيص من وكيل الجمهورية. وفي حال تمكنتم من الحصول على الترخيص، سأمد وكيل الجمهورية بالتقرير الطبي مفصلا، وفي كل الحالات لا يمكنكم الاطلاع عليه“. وتعلق حميدة الدريدي، عضو الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب في تصريح لنواة : ”من حق العائلة الحصول على ملف ابنهم دون الرجوع لوكيل الجمهورية، امتناع طبيب الصحية عن مد العائلة بتقرير طبي هو تظليل للحقيقة من أجل التعتيم على قضية التعذيب“.

لمدة أكثر من أسبوع، رابط أفراد عائلة ربيع العبدلي، بالتناوب، تحت شباك غرفة الشاب الممدد على فراشه دون أن يتمكن أي منهم من الدخول إليه، بعد أن قضى أكثر من يومين في غرفة العناية المركزة، محاولين بيأس الحصول على وثيقة من المستشفى تثبت أن ربيع تعرض إلى اعتداء عنيف من قبل أعوان الشرطة خلال إيقافه. تمكنت نواة من الحديث باقتضاب مع الشاب الممدد على فراشه، بدت آثار جروح عميقة حول معصميه بسبب الأصفاد الحديدية، إضافة إلى جرح على خده الأيمن وذراعه. يقول ربيع : ”آخر ما أتذكره هو جملة قالها أحد أعوان الشرطة بمركز سيدي البشير: وقّف الضرب باش يموت، ثم سُكب علي ماء بارد. أشعر بألم في كامل جسدي وفي مؤخرة رأسي أعتقد أنه بسبب جرح هناك“.

حسب شهادة طبية سلمها أحد أطباء مستشفى الرابطة لربيع العبدلي وجهه فيها لطبيب مختص في العظام، قدم ربيع إلى المستشفى في حالة غيبوبة ناتجة عن تسمم، وهو يعاني من تمزق سطحي وتورّم على مستوى المعصمين إضافة إلى تقيّحهما.

⬇︎ PDF

يقول ربيع لنواة : ”بعد فقداني الوعي في مركز الشرطة بسيدي البشير حملني الأعوان إلى أحد المستشفيات أو ربما إلى مركز إسعاف لأنني لم أكن واعيا بصفة كبيرة،  هناك أيقظوني وقدموا لي بعض الأقراص، ومنذ تلك اللحظة لم أستفق إلا بعد أيام في مستشفى الرابطة محاطا بآلات التنفس والإنعاش“.

انتظرنا أسبوعين لمحاورة ربيع بعد تعافيه نسبياً. فيما يلي شهادته بالصوت والصورة:

رحلة البحث عن الابن المفقود

تروي رفيقة والدة ربيع تفاصيل إيقاف ابنها وتقول لنواة، إن أعوانا من الشرطة قصدوا منزلهم الكائن بحي هلال، يوم الاثنين 3 أفريل، أعلموها أنهم يتحوزون على صور تثبت أن ابنها قام بكسر زجاج سيارة وسرق منها نظارات طبية. وتضيف : ”أعلمت الشرطة أن ابني موجود وأنه بإمكانهم إيقافه إذا كان مذنبا، لكنهم ردوا بأنه سيعودون بعد الإفطار. أعلمت ربيع بذلك وطلبت منه الاستعداد للإيقاف، لكنه غادر المنزل ليقضي ليلته لدى أحد أصدقائه. عاد أعوان الشرطة قرابة الرابعة فجرا معززين بسيارات كثيرة وبعصي ودخلوا المنزل، أعلمتهم أن ربيع غير موجود، وأنه قضى ليلته في منزل صديقه فغادروا“.

حسب شهادة علي، صديق ربيع العبدلي الذي تحدثت معه نواة وكان شاهدا على إيقافه، كان ربيع نائما في منزلي، قرابة الساعة الرابعة من فجر يوم الثلاثاء 4 أفريل، اقتحم عدد من قوات الشرطة بالعصي والغاز المسيل للدموع منزلي، قبضوا على ربيع العبدلي، الذي حاول المقاومة، لكنه فشل بعد أن انهال عليه أعوان الشرطة بالضرب. يقول علي لنواة : ”لا يخفى على أحد الاستعراض الذي يقوم به أعوان الشرطة عند اعتقال أحدهم، فهم تعودوا على الضرب والشتم. وحين شاهدت اعتداءهم على ربيع قفزت وقررت الهروب خشية إيقافي أيضا“.

لم تعرف والدة ربيع العبدلي أن ابنها موقوف إلا بعد منتصف يوم الثلاثاء حين أعلمها صديقه بأن أعوان أمن اعتقلوه فجر ذلك اليوم. حينها، توجهت العائلة إلى مركز سيدي البشير فأعلموها أن ربيع مثل أمام المحكمة الابتدائية بتونس، توجهت والدته وشقيقه إلى المحكمة غير أنهم لم يعثروا على أي أثر لابنهم في المحكمة و سجلاتها. تروي رفيقة، والدة ربيع العبدلي، لنواة تفاصيل رحلة بحثها عن ابنها وتقول : ”حين لم أجد ابني في المحكمة توجهت إلى مركز الأمن بالقرجاني بحثا عنه لكنني لم أجده ثم قصدت مركز حي هلال بعد يوم من إيقافه، غير أنني فشلت في العثور عليه. حينها توسلت عون شرطة هناك باكية استفسارا عن مكان ابني، لاحظت تجهما على وجهه وطلب مني العودة إلى منزلي. منتصف يوم الخميس، أعلمتني جارتي أن عوني شرطة قدما وطلبا منها أن أبلغها بأن ربيع في مستشفى الرابطة. انهرت ولم أعلم ما حصل، توجهت إلى المستشفى حيث وجدت ابني في غرفة الإنعاش موصولا بآلات. سألت عن حالته فقالت لي ممرضة : لا خيار لكم سوى الدعاء له بالنجاة“.

مقايضة مقابل السكوت عن التعذيب

بعد العثور على ربيع العبدلي في المستشفى، بحثت العائلة عن سبل لمقاضاة المعتدين، وحين فشلت في الحصول على ملف ابنها الطبي الذي يثبت تعرضه للتعذيب، قامت بوقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة، خاط شقيقه رضا فمه تعبيرا عن غضبه، غير أن أعوان الشرطة حاولوا طمس الجريمة بطريقتين، حسب قوله، الأولى إعلام رضا بأن شقيقه نُقل إلى المستشفى بسبب جرعة مخدرات زائدة والثانية وعود مسؤولين في مركز سيدي البشير بمساعدة العائلة.

تملك نواة تسجيلاً لمحادثة جمعت بين رضا شقيق ربيع وعون شرطة من المركز المذكور، حيث طمأن عون الشرطة محدثه بأنه سيغلق ملف شكوى اعتداء قدمها شخص ضد رضا. يقول شقيق ربيع لنواة : ”اعتديت على أحد الأشخاص بالضرب فتقدم بشكوى ضدي. وبعد حادثة شقيقي، وعدني مسؤول في مركز الشرطة بسيدي البشير بأن ملف الدعوى سيُغلق كما وعدني آخر بأنني لن أتعرض إلى المضايقة مجددا خلال عملي بائعا متجولا وسط العاصمة، وهي وعود لن أقبلها مقابل السكوت عن حق أخي“.

يتملص أعوان الشرطة من قضية تعذيب ربيع حيث يقول أحد الأعوان الذين تحدث لهم رضا العبدلي، وتملك نواة تسجيلا لها، إن شقيقه نُقل إلى المستشفى بسبب جرعة مخدرات زائدة، ويعلق علي في حديثه لنواة : ”تعودوا على التهرب من المسؤولية في كل مرة يعذبون فيها موقوفا، ويريدون إغلاق ملف تعذيب أخي مثلما حصل مع ربيع الشيخاوي وغيره بزعم أن جرعة زائدة من المخدرات هي السبب في إيصالهم إلى غرف الإنعاش أو غرف الموتى. نعلم أنهم يستعملون نفوذهم في المستشفى حتى لا نتحصل على تقرير طبي لشقيقي لأنه برهان تورطهم في التعذيب، وأعتقد أن إدارة المستشفى متورطة معهم .فهل يعقل أن ترد إدارة المستشفى على طلبنا بالحصول على شهادة إيواء شقيقي بأنه يتوجب علينا دفع 300 دينار قبل أن تتراجع عن ذلك بعد تدخل مسؤول من الشرطة بمركز سيدي البشير؟ أليس من حق عائلتي الحصول على تقرير طبي يفسر ملابسات وصول شقيقي إلى غرفة الإنعاش؟“.

يراهن رضا العبدلي على مساعدة منظمات حقوقية لتوجيه العائلة نحو الطرق القانونية لمقاضاة أعوان شرطة سيدي البشير الذين عذبوا شقيقه، يعلم أن حجم الانتقام منه سيكون كبيرا إذا رفض عرض عوني الشرطة مقابل سكوت العائلة، لكنه يصر على استرداد حق ربيع حتى لو كلفه ذلك الاعتصام أمام القصر الرئاسي. يقول رضا : ”ربيع هو رقم ضمن أرقام كثيرة في سجل تعذيب مارسته الشرطة على موقوفين، توفي بعضهم وعاش آخرون في خوف، لذلك سنقاضيهم ولن نخضع لابتزازهم إكراما لمن كانوا رقما سابقا ضمن سجل الشرطة المظلم وإكراما للأرقام الأخرى المحتملة التي ستضاف إلى تلك القائمة“.