الاتفاقية متعدّدة الأطراف أو اتفاقية الضريبة العالمية هي مشروع أُطلق منذ سنة 2019 باقتراح من منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تسيطر على القواعد الضريبيّة العالميّة منذ نصف قرن، ومجموعة دول العشرين المكوّنة من عدد من ممثلي الحكومات والبنوك المركزية، للحدّ من التهرب الضريبي للشركات متعدّدة الجنسيات من ناحية، وضمان خضوع أرباحها إلى ضريبة في الدّول التي توجد بها مختلف فروعها من ناحية أخرى، وهو ما أطلقت عليه المنظمة تسمية مكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح. ”هي اتفاقية لتفادي تهرّب الشركات متعدّدة الجنسيات من دفع الضريبة في الدّول المصنّفة كجنّات ضريبيّة أو التي تكون فيها نسبة الضريبة متدنّية“، يُفسّر الخبير الجبائي وعضو جمعية الحوكمة الجبائية سفيان بن عبيد لنواة.

سيطرة منظمة التعاون الاقتصادي على قواعد الضريبة

سنة 2021، طوّرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مشروع توحيد الضريبة ودعت 137 دولة، بما فيها تونس، إلى إمضاء اتفاق يقوم على ركيزتَين: أوّلا، فرض ضريبة على الاقتصاد الرقمي، وثانيًا تحديد عتبة دنيا بـ15% بعنوان ضريبة على الشركات، وهو ما يُسمّى ”حلّ الركيزتين“. إلا أنّ المرصد التونسي للاقتصاد، وهو منظمة غير حكومية تونسيّة تشتغل على المالية العمومية، يدعو إلى عدم الإمضاء على هذا الاتفاق، وقدّم حججه في ندوة صحفيّة انتظمت بتاريخ 11 سبتمبر الجاري، حاول من خلالها تقديم أجوبة عن السؤال التالي: ”لماذا يجب على تونس أن ترفض إمضاء الصك المتعدد الأطراف لتطبيق قاعدة الإخضاع الضريبي المزمع فتحه للتوقيع مطلع الشهر القادم؟“

نقاشات المنتدى الاقتصادي العالمي تطرح موضوع حل الركيزتين – منتدى دافوس 2023

”منذ ما يزيد عن خمسين سنة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) تسيطر على القواعد الضريبية“، تقول فتحية بن سليمان، محلّلة سياسات في المرصد التونسي للاقتصاد، مضيفةً أنّ هذه المنظّمة لاحظت سنة 1998 وجود إشكاليات في التنافس الضريبي بين الدّول بعد أن دفعت نحوه وفرضت الامتيازات الجبائية للتشجيع على الاستثمار. فبين سنة 2000 و2007 وقبل الأزمة المالية العالميّة، بدأ الحديث عن مشروع الأطر الشاملة لتآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرضت إرساء قواعد للشفافية الضريبية، في الوقت الّذي كانت فيه عدّة دول منضوية تحت منظمة التعاون الاقتصادي تفتقر إلى سجلّ مؤسّسات تودع فيه بيانات الشركات وتضمن الحدّ الأدنى من الشفافية. “تونس تعرّضت للابتزاز عندما أدرجها الاتحاد الأوروبي ضمن القائمة “السوداء” للدّول غير المتعاونة ضريبيًّا، والحال أنّها متضرّرة من التهرب الضريبي وليس العكس”، توضّح الباحثة في المرصد التونسي للاقتصاد، مؤكّدةَ أنّ إخراج تونس من هذه القائمة كان رهين إمضائها على الاتفاقية متعددة الأطراف لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بالاتفاقيات الضريبية لتفادي تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح المعتمدة بباريس في 24 نوفمبر 2016، والّذي تمت المصادقة عليه في 28 جانفي 2018، الصادر بمقتضى المرسوم عدد 12 لسنة 2023. كانت هذه الاتفاقية سببًا في حذف تونس من قائمة البلدان المصنّفة كجنّات ضريبيّة.

الركيزة الأولى: 15% ضريبة على الشركات

”نظريّا، تطبيق قاعدة 15% على الشركات هو أمر جيّد، شريطة توفّر ضمانات التزام الدّول به“، تقول فتحيّة بن سليمان محلّلة سياسات في المرصد التونسي للاقتصاد لنواة، مضيفةً أنّ الإشكال يكمن في تدنّي نسبة الضريبة على الشركات متعدّدة الجنسيات في دول مثل تونس، الّذي سيؤدّي إلى اقتسام العائدات الضريبيّة للشركات متعدّدة الجنسيات بين دول المنشأ ودول التسويق وفق ما تنصّ عليه الاتفاقية. فعلى سبيل المثال، إن كانت شركة مثل أديداس الألمانية تدفع نسبة 9% فقط ضريبة على الشركات في فرعها الموجود بتونس، فمن الممكن أن تطالب إدارة الجباية في ألمانيا الدّولة التونسيّة بسداد المبلغ المكمّل للضريبة، أي النسبة المتبقّية لبلوغ الـ15% المنصوص عليها بالاتفاقية. “على تونس إمّا أن ترفّع في الضريبة على الشركات، أو أن تحدّ من الامتيازات الجبائيّة حتى لا تتقاسم الضريبة مع الشركات متعدّدة الجنسيات”، تلخّص فتحية بن سليمان الوضعية، مضيفةً أنّ الدّولة لم تراجع منظومة الامتيازات الجبائية منذ ثلاث سنوات.

علاوةً على ذلك، فأنّ نسبة 15% التي تتحدّث عنها الاتفاقية تشمل الضريبة الحقيقية دون الأخذ في الاعتبار الامتيازات الجبائية التي تتمتّع بها الشركات متعدّدة الجنسيات، بمعنى أنّ هذه النّسبة لا تعكس بالضرورة حجم الامتيازات والأموال التي تشغّلها الشركة المعنية. ”الهدف من الاتفاقية هو أن تنال الدّول النامية نسبةً من الضرائب من الشركات متعدّدة الجنسيات“، يقول سفيان بن عبيد عن الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية، مضيفًا أنّ الجمعيّة لم تُبلور موقفًا رسميًّا من الاتفاقية. ”نحن مع الاتفاقية بشرط تحسين بعض شروطها“، يقول بن عبيد لنواة.

ضريبة على الاقتصاد الرقمي

الركيزة الثانية التي تقوم عليها الاتفاقية هي فرض ضريبة على ”رقم المعاملات الّذي يُحققه فرع إحدى شركات الاقتصاد الرقمي في بلد معيّن، شريطة عدم خضوع تلك الشركة إلى ضريبة أخرى في البلد نفسه“، يقول سفيان بن عبيد لنواة، مضيفًا أنّ هناك إتاوة مفروضة على رقم المعاملات المحقّق عبر الأنترنت بالنسبة إلى الشركات غير المقيمة بنسبة 3% تمّ إقرارها في قانون المالية لسنة 2020. ”إذا حققت شركة غوغل على سبيل المثال رقم معاملات معيّن في تونس، فإنّها مطالبة بنسبة من الضريبة لفائدة الدولة التونسية“، يفسّر عضو الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية. فيما توضّح فتحية بن سليمان عن المرصد التونسي للاقتصاد أنّ جزءًا من الأرباح التي تحقّقها شركات مثل آمازون مثلا سيتمّ تقسيمها على كلّ الدّول التي يُسوَّق فيها ذلك المنتوج أو الخدمة.

انعقاد المجلس الوطني للجباية – وزارة المالية سبتمبر 2023

غير أنّ نسبة 3% التي تمّ إقرارها كإتاوة على الشركات غير المقيمة بمقتضى قانون الماليّة لم تثبت جدواها وفق ما ذكرته محلّلة السياسات بالمرصد التونسي للاقتصاد، ما يطرح تساؤلات حول نجاعة الإجراءات الجبائية التي يتمّ دسّها في قوانين المالية.

”الضغط الجبائي مرتفع على الأُجراء، والمؤسسات الاقتصادية في حالة اختناق وهي غير قادرة على خلق الثورة“ يلخّص أمين بوزيان، الباحث في السياسات العمومية بمركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية، الوضع الاقتصادي في تونس موضّحًا أنّ تونس كانت من بين الدّول الأكثر إنفاقًا على الامتيازات الجبائية في 2016.

وحسب تقرير النفقات الجبائية والامتيازات المالية المُلحق بمشروع قانون المالية لسنة 2023، فإنّ حجم الامتيازات الجبائية لسنة 2021 بلغ 8387 مليون دينار، أي ما يمثل نسبة 6.41% من الناتج الداخلي الخامّ و15.1% من حجم ميزانية الدولة. ”كلفة الامتيازات الجبائية تمثّل 88% من كلفة الدّعم على المحروقات والنقل العمومي والموادّ الأساسية“، يقول أمين بوزيان، ويضيف: ” كان من الممكن تحقيق 4 أو 5 استثمارات من خلال توظيف كلفة الامتيازات الجبائية“. موضحا أنّ نسبة الشركات المتهرّبة ضريبيّا تمثّل 46% من المؤسسات، في حين تقوم 24% فقط من جملة الشركات بالتصريح الجبائي، لتقارب خسائر الدولة 25 مليون دينار بسبب الغش الجبائي.

توقيع الاتفاقية متعدّدة الأطراف للحدّ من تآكل الوعاء الضريبي كان فرصة للتذكير بكلفة الامتيازات الجبائية وانعكاسها على الوضع الاقتصادي ككلّ، وبفشل برنامج الإصلاح الهيكلي الّذي فرضه صندوق النقد الدولي منذ الثمانينات، وإن كان الهدف المعلن من حزمة الامتيازات الجبائية استقطاب الاستثمارات الخاصة لتوفير مواطن شغل والحدّ من البطالة، فإن النتائج المسجلة في بلد كتونس كشفت حدود هذا التمشي رغم كل التسهيلات المقدمة لهذه الشركات العالمية.