تستحضر دليلة والدة سرور بحرقة كبيرة لحظة إخبارها بوفاة ابنتها وتقول ”كان ذلك صباح يوم 12 جانفي، فتحت التلفاز لأتابع الأخبار، قبل أن يرن جرس شقتي، لأسمع صوت شرطية تطلب مني فتح الباب. لم أعلم سبب قدومها صحبة شرطيين آخرين. توجهت لي بالقول مباشرة: لا تصرخي ابنتك سرور عبودة انتحرت بواسطة غطاء في غرفة الإيقاف أو بواسطة سترتها. صرخت بكل قوتي وقلت كيف وأين ولم أصدق تلك الرواية لأنني أعرف ابنتي“.

حيرة العائلة إزاء كدمات الضحية

لا تعلم عائلة سرور عبودة سبب إيقاف ابنتها ويقول شقيقها بيرم إنه سمع أنّها صعدت إلى سيارة معتقدة أنها سيارة خدمة ”أوبر“ قبل أن يتبين أنها سيارة خاصة، وحصلت خصومة بينها وبين صاحبي السيارة، اللذين قاما باستدعاء الشرطة التي أذنت بإيقاف سرور. كان ذلك قرابة الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم. كان موقع راديو والتلفزيون البلجيكي بمقاطعة فالوني بروكسل RTBF قد نقل عن شاهد عيان صباح اعتقال سرور قوله: ”تم اعتقال سرور دون مقاومة أو عنف قبل صعودها إلى شاحنة الشرطة التي ظلت واقفة خمسة عشر دقيقة قبل انطلاقها“. لا أحد يعلم ما الذي حصل داخل العربة قبل توجهها نحو مقر الشرطة.

تقول والدة سرور عبودة إنها توجهت إلى المستشفى للتعرف على جثة ابنتها ولاحظت وجود كدمات على خدها الأيسر وفوق جبينها، مضيفة أن شقيقها هيكل، وهو شرطي يعمل بفرنسا، وثق تلك الكدمات. سمية شقيقة سرور، أكدت لنواة وجود كدمات وآثار عنف على جسد شقيقتها وتقول:

”لم تكن أمي قادرة على النظر إلى جثة أختي، كانت منهارة جدا ولكنني قاومت ألمي وفحصت جسدها. كانت هناك كدمات زرقاء في ظهرها وفوق جبينها وفي خدها الأيسر إضافة إلى آثار زرقاء في معصميها. لم يكن هناك أي أثر على رقبتها مما يدحض الرواية الأولى للشرطة التي قدمتها لنا عند إعلان وفاتها. كل ما علق في ذهني هو ذلك اللون الأزرق حول معصميها الذي لم يتمكن من طمس الوشم على يدها والتي كُتب عليها أخت وهو وشم مطابق للوشم الذي رسمته بدوري على يدي“.

الضحية سرور عبودة

تقرير الطب الشرعي يفنّد فرضية الانتحار

بقيت جثة سرور في ثلاجة الموتى قرابة نصف شهر في انتظار تشريح ثان طالبت به العائلة لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة خاصة أنّ تقرير الطب الشرعي الأول دحض فرضية الانتحار ورجح إمكانية تعرض سرور للعنف. يقول المحامي أيمن محمد الذي وكلته العائلة لفتح تحقيق في القضية لدى المحكمة الابتدائية بتونس 1، في تصريح لنواة:

”سرور عبودة هي ناشطة في المجتمع المدني وهي تعمل أخصائية اجتماعية في جمعية PAC  وهي محبوبة ومعروفة لدى الجميع في بروكسل. ما حصل في السابق في مراكز الاعتقال هناك يحيل إلى وجود جريمة قام بها جهاز يتبع الدولة وهي الشرطة. هذا المركز شهد حوادث مشابهة كان ضحيتها مهاجرون عرب وأفارقة. وردت نتيجة التشريح ببلجيكا ولم يتضمن التقرير سببا واضحا للوفاة لكنه استبعد فرضية الانتحار. اطلعت على ملخص للتقرير وورد فيه أنّ هناك أوراما دموية لا علاقة لها بالوفاة وأنه يمكن أن يكون هناك عنف قد تعرضت له الضحية“. وحسب دليلة عمري والدة سرور، فإن ابنتها خضعت في السابق لعملية تصغير للمعدة وهو ما جعلها عرضة للخطر في حال تلقيها الضرب على بطنها مهما كانت ارتدادات تلك الضربة.

لم تتمكن عائلة سرور عبودة من إيجاد طبيب مختص في الطب الشرعي في بروكسل يقبل إعادة التشريح، حيث رفض أغلب من توجهت لهم العائلة في حين طلب آخرون مبالغ ضخمة جدا للقيام بإعادة التشريح حسب بيرم شقيق الضحية. اضطرت العائلة إلى نقل ابنتها إلى تونس لدفنها وتقدمت إلى الطب الشرعي في تونس بطلب لإعادة تشريح جثة سرور في فيفري الماضي وذلك بناء على نصيحة نبيل عمار الذي كان سفير تونس ببلجيكا حسب والدة سرور. لا تزال العائلة في انتظار تقرير الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول حتى تتمكن من تضمينه في ملف القضية المرفوعة في تونس وفي بروكسل أيضا.

كاميرا الزنزانة تدين الشرطة

رفعت عائلة سرور عبودة قضية في المحاكم البلجيكية فور وفاة سرور من أجل معرفة الظروف التي أحاطت بوفاتها، غير أن النيابة العامة البلجيكية لم تضع القضية لدى التحقيق إلى حد الآن حسب عائلتها، رغم أن كاميرا غرفة الإيقاف تثبت أن سرور لم تقدم على الانتحار.

ملصقة لتحرك احتجاجي ببلجيكا مطالبة بكشف حقيقة وفاة سرور عبودة

تقول سمية شقيقة الضحية لنواة:

 ”طالبنا بالحصول على تسجيلات الكاميرا داخل زنزانتها ولم نتحصل على بعض التسجيلات سوى في أوت الماضي. جلست صحبة شقيقي هيكل لمشاهدة تلك التسجيلات حيث بدت شقيقتي داخل الغرفة وهي تصرخ قبالة الباب وكأنها تكلم أحدا ما وكانت تمسك بيديها وتشير إلى معصميها ظلت دقائق على هذا الحال قبل أن تسقط على الأرض. طيلة ساعة كاملة بدت أختي تصارع الموت شاهدتها تحرك ساقيها قليلا قبل سكونها. ظلت ساعة كاملة هناك ولم يدخل أي أحد إلى زنزانتها. شاهدت أختي وهي تموت كان ذلك مؤلما جدا بالنسبة لي. كان ذلك حوالي الساعة السادسة والنصف صباحا“.

يقول موقع راديو والتلفزيون البلجيكي إن غرفة الإيقاف تخضع إلى المراقبة المستمرة بواسطة الكاميرا، وإنه ”يجب على الشرطة من حيث المبدأ مراقبتها بانتظام شديد“. وتحظى غرفة الاعتقال في مركز ”الشرطة الفيدرالية في بروكسل-العاصمة-إيكسيل“ بسمعة سيئة حيث شهدت حوادث وفاة مستراب مماثلة، ففي العام 2021، توفي جزائريان في العشرينات من العمر هناك في ظروف غامضة، وفُتح تحقيق قضائي لمعرفة ملابسات وفاتهما. وحسب الموقع ذاته، تظهر الأدلة الواردة في ملف القضية أن أحد الشابين، ويدعى إلياس عبادو، بقي قرابة تسع ساعات قبل تدخل الشرطة بعد وفاته داخل غرفة الإيقاف. وسبق أن توفي شاب آخر يدعى إبراهيما باري وهو مهاجر يبلغ من العمر 23 عاما قبل أيام من وفاة إلياس عبادو.

يقول أيمن محمد محامي عائلة سرور عبودة إن الشرطة البلجيكية تواجه في كل مرة تهما بالقتل، ضحاياها في الغالب من أصول عربية أو أفريقية. يستحضر الأستاذ حادثة وفاة الشابين التونسيين وسيم التومي البالغ من العمر 24 سنة وسارة البقالي التي لم تتجاوز العشرين من عمرها، سنة 2017، بعد أن قطعت سيارة شرطة في بروكسل طريقهما من اجل إيقاف دراجتهما، ولم يحسم القضاء بعد في قضية إدانة الشرطيين المتسببين في الوفاة.

تأمل عائلة سرور عبودة في الحصول قريبا على تقرير الطب الشرعي التونسي حتى تتمكن من متابعة المتسببين في وفاة سرور، ويقول المحامي أيمن محمد إن هيئة الدفاع ستلجأ إلى محكمة الجنايات الدولية في حال لم تتحرك المحكمة البلجيكية بالسرعة المطلوبة في انتظار أن تضع السلطات التونسية هذا الملفّ ضمن أولوياتها وأن تنسّق مع الجهات المختصّة لإنصاف الضحيّة حتّى لا يُصبح ضحايا الموت المستراب مجرّد أرقام في ملفّات تُركن في رفوف الإدارات المحليّة والدوليّة.