23 سنة تمّر على تدشين آخر ملعب كرة قدم في تونس. أمّا عشرات الملاعب الأخرى فبعضها خارج الخدمة والباقي في وضعیة كارثیّة على مستوى البنیة التحتیّة في ظلّ غیاب أي صيانة تُذكر عدى الملعب الأولمبي بالمنزه الذي یُنتظر أن تنتهي أشغال تهيئته مع نھایة العام الجاري. لقد باتت هذه الفضاءات شبه مھجورة، لا تختلف كثيرا عن بطحاء الحيّ الشعبي على مستوى التهيئة.
تعود مشكلة ملاعب الكرة لتطفو على الساحة من جدید بعد غلق ملعب حمّادي العقربي برادس أبوابه أمام الأندية وعشرات الآلاف من المشجعين.
ملاعب كرة القدم، من فضاءات رياضية إلى ساحات احتجاجية للألتراس
ملاعب الكرة وإن كانت في صورتھا النمطیة فضاءات ریاضیة، إلاّ أنّھا تمثّل في جوھرھا فضاء عاما یجمع شرائح المجتمع التونسي على اختلافاتها. بل وتتحوّل إلى ساحة تُفتح فيها أبواب النقاش حول عدد من القضایا المتعلّقة بالشأن العام وقبلة مفضّلة لنسبة كبیرة من الشباب.
بعد ثورة 14 جانفي التي أطاحت بحكم الرئیس الراحل زین العابدین بن علي، شهدت الملاعب في تونس إجراءات أمنیّة مشدّدة بلغت حدّ منع الجماھیر من دخولها في مناسبات عدة، فتحول ”الویكلو“ إلى كابوس یھدّد الجمعیّات والجماهير.
كما خلقت ھذه الإجراءات جدلا واسعا بین مساند ورافض للقرار. فكان لوزارة الداخلیة الید العلیا في اتخاذ قرار غلق المدارج أمام مرتادیھا لأسباب أمنیّة، وفق روایتھا. خطوة رافقتها حملات واسعة من قبل جماھیر الكرة وخاصة منھا روابط الألتراس التي طالبت بفتح الملاعب والكفّ عن كل أشكال القمع البولیسی وفق ما البلاغات العديدة لھذه المجموعات.
بعد 14 سنة، ورغم العودة الجزئية للجماهير، لم یتوقّف صراع الألتراس والداخلیة. إذ يقع الصدام بين الفينة والأخرى من أجل عدد من المطالب القدیمة-المتجددة. وفي هذا السياق، يقول الباحث والمختص في علم الإجتماع محمد الجویلي، خلال حدیثه مع نواة، أنّ نشاط مجموعات الألتراس یعتبر حركة اجتماعية تقوم على المعارضة، من معارضة المجموعات المنافسة وإدارة النادي إلى الكرة العصرية بطابعھا التجاري وكلّ ما لا یتماشى مع ثقافتهم الخاصة.
الالتراس التي ظھرت في الملاعب بھدف تشجیع الفرق الریاضیة بطرق مختلفة عن بقیة الجمھور شھدت تطوّرا ملحوظا لتتحوّل من أفراد مشجعین داخل المدرج إلى مجموعات منظّمة تتبنى عددا من القضايا والتي أبرزها ذات الطابع الحقوقي.
ینتمي أغلب أعضاء الألتراس إلى فئة شباب الأحیاء الشعبیة الغائبون والمغيبون عن الحیاة السیاسیة والنقاش العام. وقد اختاروا المدارج فضاء خاصا بهم للتعبیر عن آرائھم ومواقفھم عبر إخراج مباراة كرة القدم عن سیاقها النمطي لیتحول الملعب إلى ركح یھتزّ بالأهازيج والأغاني المنادیة في أغلبها بالحریة والمندّدة بسیاسات الدولة والحكام. كما خلقوا شعارات خاصة بھم ورسائل عبر ما يسمّى ”الدخلات“ أو لافتات أخرى یختلف نوعھا وفق مصطلحات قاموس الالتراس من ”بوندرول” و ”توندار“ و ”میساج“.
ھذه اللافتات وخاصة منھا المنتقدة للمنظومة أو كما تُسمّى بلغتهم ”سیستام“، إضافة إلى اللافتات المنتقدة لأعوان الداخلیة تكون محظورة وممنوعة من الدخول الى الملاعب وقد یعاقب حاملھا بالإیقاف أو الضرب في بوابات الملعب. رغم ذلك فإنّھا لا تفارق المدارج في كل المقابلات و یتمّ إدخالھا بطرق مختلفة.
أحمد، اسم مستعار لأحد أفراد مجموعات الألتراس في العاصمة، لا ینكر وجود علاقة بین الحركیّة وعالم السیاسة. إذ يعتبر أن المدرج شبیه بساحة احتجاجية ضد الدولة أو النظام، أین یتحوّل المشھد من مساندة الفریق إلى ما یشبه المظاهرة. ليضيف: ”ما نرصده طیلة أسبوع كامل من انعدام الحریة والعدالة والظروف الاجتماعیة الصعبة نعبّر عنه في المدارج بشعاراتنا وأغانينا“.
يقول أحمد أنّ معركة الحریّات والحقوق الاجتماعية في تونس تتقاطع في جزء كبیر منھا مع ما یحدث في الملاعب أو ما یمارسه أعضاء الألتراس خارجها. كما يشدّد على أن فرد الألتراس في نھایة المطاف یمثّل جزء من ھذا المجتمع ویتقاسم مع أفراده نفس المشاكل والمصاعب. لكنّه یختار الملعب كفضاء للتعبیر عن غضبه عوض الشوارع والساحات التي یلجأ إلیھا السیاسیون.
فحتّى ولو مُنح للالتراس مطلق الحريّة في إدخال معدات التشجیع والألعاب النارية، فھذا لن یحدّ من الصراع بینھم وبین النظام مادام الوضع الإجتماعي في البلاد على حاله. ”حریة المشجّع وحدھا غیر كافیة بل تستوجب توفیر مناخ عام من الحریة والعدالة الاجتماعیة لكافة أطیاف المجتمع خاصة منھا الشباب، باعتبار أن فكر الألتراس یحارب سیاسة إلھاء العقول بالریاضة وتفرّد النظام الحاكم بالسلطة وفرض سیطرته المطلقة على الشعب“، وفق رأي المتحدّث.
في نفس الإطار، یعتبر الباحث في كلیّة العلوم الإنسانیة والإجتماعیة بتونس قیس تریعة في دراسة تحت عنوان ”مجموعات الألتراس في تونس: تقاطعات الرياضة والسياسة والدین“، أنّه یمكن ملاحظة كیف تحوّل الإنتماء إلى مجموعة الألتراس – شكلا من أشكال المصعد الاجتماعي الذّي یُكسب العضو الاعتراف والتقدیر في مجتمعه الضیّق. كما یمنحه بعضا من الشرعیة والقوة التّي یقارع بھما السلطة السیاسیة المتسبّبة في حالة التھمیش التي يتقاسمها مع أعضاء مجموعته أو في الحي الذي یسكنه بصفة أشمل. بل يصل الأمر إلى أن تشجعه المجموعة التّي ينتمي إليها على تھدید تلك السلطة بالفوضى.
في نفس السیاق یحدثنا الشاب س.أ، وهو طالب تعلیم عال وعضو مجموعة ”ألترا بیزارتینوس“ المشجعة للنادي الریاضي البنزرتي قائلا: ”إن المجموعات الثلاث المشجعة للفریق تعتبر جزءا مھمّا وأساسیّا في النسیج المجتمعي للجھة لما تحمله من قضایا وقیم مدافعة عن الفریق ومدينة بنزرت عموما“.
ويؤكّد محدّثنا على وجود علاقة متینة بین المطالب الاجتماعیة وأنشطة مجموعات النادي البنزرتي. حيث تطرّقت في أكثر من مناسبة إلى مشاكل الجھة من بنیة تحتیة ومرافق عمومیة وغیاب التنمیة ومعارضة المسؤولین. الأمر الذي دفع عددا من الوجوه السیاسیة ورجال الأعمال إلى محاولة التقرّب منھم أو استغلال تواجدھم في الولایة.
كما كان لھذه المجموعات موقف واضح من بعض القضایا الجھویة أبرزھا المشاریع بالمنطقة والمرافق الصحیة وعلى رأسھا مطلب مستشفى التولید إضافة إلى طریقة تسییر المسؤولين وعلى رأسھم والي الجھة محمد قویدر.
ريبورتاج: مدينة بنزرت، غضب الأهالي ومشاكل مزمنة تتراكم
عادت مدينة بنزرت إلى الاحتجاج والتظاهر رغم الحجر الصحي. أول مظاهرة يشارك فيها الأهالي كانت ثاني أيام عيد الفطر حيث تجمع المحتجون أمام جسر المدينة المتحرك للمطالبة بالتنمية والتشغيل ومزيد الاهتمام بالمدينة التي تعاني من الإهمال. اشتبك المتظاهرون مع قوات الأمن التي استعملت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين وفتح الجسر المتحرك بعد غلقه لساعات. مر ذلك اليوم وانتهت تلك المظاهرة لكن مشاكل ومعاناة أهالي بنزرت مازالت متواصلة، يصفها الأهالي بأنها مشاكل مزمنة تتعلق بالبنية التحتية المهترئة والشريط الساحلي والتلوث وملعب المدينة المغلق منذ أربع سنوات.
عاد بنا س.أ إلى ما جرى في سنة 2013 في صراع النادي البنزرتي مع جامعة كرة القدم في علاقة بترشّح النادي من عدمه إلى مرحلة ”البلاي أوف“. لتصبح شوارع المدینة ساحة مواجهة بین قوّات البولیس وجمھور النادي. وقد دامت الاحتجاجات التي قادتها مجموعات الألتراس 4 أیّام وتحوّلت من مجرّد خلاف قانوني ریاضي إلى صراع بین الجھة والنظام.
الألتراس، بعيدون عن السياسة وفي قلب رحاها
تتّسم علاقة الألتراس في تونس بالنظام الحاكم منذ نشأتھا بنوع من العداء والصداميّة بدایة من نظام الرئیس الراحل زین العابدین بن علي مرورا ببقیة الحكومات إلى حد كتابة ھذه الأسطر. حیث شھدت الملاعب صدامات عنیفة مع قوات الأمن منذ ظھور هذه الحركیّة وخلقت جدلا حول توظيفها من قبل بعض الجهات السياسية لجعلها وسيلة ضغط وخلق نوع من الفوضى والاضطرابات التي قد تعصف بالنظام. تُهم تنفيها هذه المجموعات نفيا قطعيا، مذكّرة بموقفها الرافض لكل الأطياف السياسية معارضة وحكومة.
يعتبر الجويلي هنا أنّ الألتراس لا تسعى لدخول عالم السياسة في تونس، بل إنّ هناك محاولات لإقحامها في هذا الصراع واستقطابها لأهداف انتخابية وسياسية. ليضيف، لعلّ أبرز الأمثلة هي الانتخابات التشريعية في سنة 2014 أو إستثمار صراع جماهير الترجي الرياضي التونس والداخلية في أفريل 2010 من قبل معارضي الرئيس بن علي، إلاّ أنّ هذه المجموعات كانت تبتعد في كلّ مرّة قدر الإمكان عن أي صراع سياسي.
بعد سنوات من اللعب أمام مدارج فارغة أو بأعداد قلیلة منذ جانفي 2011، عادت مجموعات الألتراس للظھور مجدّدا ومواصلة صراعھا الدائم مع البولیس والنظام. إذ أشعلت جريمة إغراق محبّ النادي الإفریقي وعضو مجموعة ”الفاندالز“ عمر العبیدي في 31 مارس 2018 فتیل صراع أوسع. حيث تحوّل عمر من عضو التراس إلى رمز لمناھضة العنف البولیسي والإفلات من العقاب، وصارت عبارة ”تعلّم عوم“ شعارا یُرفع في ملاعب الكرة في وجه وزارة الداخلیة والحكومات المتعاقبة منذ سنوات.
قضية عمر العبيدي، سنوات من الإفلات من العقاب
بدأت أطوار القضية عندما لاحقت عناصر أمنية الشاب عمر العبيدي (18 عاما) من الملعب الأولمبي برادس إلى وادي مليان بعد مواجهات بين جماهير النادي الافريقي وقوات الشرطة. مطاردة انتهت بالزج بعمر في مياه الوادي الجارفة. منذ ذلك اليوم (31 مارس 2018)، انتشرت عبارة "تعلم عوم" بين مجموعات أحباء النادي الافريقي لتتحول هذه العبارة فيما بعد إلى شعار احتجاجي ضد الممارسات الأمنية في حق أبناء الشعب والتي غالبا ما تبقى محصنة من العقاب والتتبع القضائي. قضية عمر العبيدي -التي لم تراوح مكانها في محكمة بن عروس إلى اليوم دون محاسبة المتهمين- تمثل دليلا صارخا على ثقافة الإفلات من العقاب التي تنخر الدولة وتنسف مصداقية العدالة يوما بعد يوم.
في أكتوبر 2020، طفى قانون تجریم الاعتداء على الأمنیین على السطح لتدخل مجموعات الألتراس في تونس على الخطّ وتعلن معارضتھا لھذا القانون ومساندة الحملة الموازیة التي أطلقتھا منظمات المجتمع المدني وعدد من الشخصیّات الحقوقیّة تحت عنوان ”تجریم الاعتداء على المواطنین“. إذ اعتبرت أنّ انخراطھا في ھذا الحراك نابع من كونھا مجموعات تتبنّى قضایا المجتمع التونسي وتعارض كل التشریعات التي قد تمھّد لإرساء نظام دیكتاتوري أو بولیسي یُمارس القمع والعنف ضدّ المواطنین.
موقف خرج إلى العلن عبر بلاغات متزامنة لمجموعات الالتراس التونسية على إختلاف إنتمائتها مثل ” الترا سفاكسیان“، ”ألترا مارینز“ المشجعة للنادي البنزرتي، ”ألتراس إیڤلز“ في قابس ، ”ألترا ساحليانو“ ، ”النورث فاندالز“ و ”فيدائيو الترجي“ وغيرها من المجموعات .
البیانات المتعاقبة لمجموعات الألتراس في تونس حول ھذا الملف ومشاركة عدد من أعضائھا في التحرّكات، جعلھا عنصرا أساسیّا في الصراع آنذاك لتكشف ارتباطا وثیقا بينها وبين مطالب الشارع التونسي وخروجا عن دورھا الرئیسي الذي ظھرت من أجله.
يعلّق الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي قائلا: أن ”الألتراس تعارض كل ما من شأنه أن یمثّل خطرا على وجودھم أو ھویّتھم فقط. فھم لا یعارضون النظام لغایات سیاسیة وھو ما برز في تونس عندما قرّر رئیس الجمھوریة إسقاط الحكومة وحلّ مجلس النواب، حیث لم یُبدوا أيّ موقف سیاسي“. ليضيف: ”إلاّ أنّھم تدخلوا بشكل واضح عبر رسائل وبلاغات معارضة لقانون زجر الاعتداء على الأمنیین في أكتوبر 2020 أثناء مناقشته تحت قبّة البرلمان باعتبار أنّ القوات الأمنية تعتبر العدو الأول لھذه المجموعات وأنّ مثل ھذه التشریعات قد تضرّ بھم وتحدّ من حریتھم وشغفھم“.
قانون تجریم الاعتداء على الأمنیین لم یكن المحطّة الوحیدة التي التحمت فیھا روابط الألتراس التونسیة بعالم السیاسة ومشاكل المجتمع التونسي. فأوجه التداخل بین عالم المدرّجات والسیاسة لم يقتصر على البیانات والشعارات، بل انعكس في أغاني ھذه المجموعات التي انتقدت الوضع الإجتماعي والسیاسي. وقد لاقت رواجا كبیرا على غرار أغنیة ”كورتاج الموت“ لمجموعة ”بریقاد روج“ المساندة لفریق النجم الریاضي الساحلي والتي انتقدت الوضع السیاسي وحكام البلاد واختزلت الوضع التونسي في شكل رحلة موت تلاحق المواطن بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب وفساد السلطة.
كما أصدرت جماھیر الترجي اغنیة ”یا تونس باي باي“ تزامنا مع احتجاجات منطقة حي التضامن والتي اتھمت السیاسیین بالركوب على الثورة ودفع الشباب التونسي إلى الھجرة غیر النظامیة أو قتلھم ونھب ثروات البلاد. إضافة إلى اغنیة ”بعید علیكم خلوني“ والتي تطرّقت إلى حال الشباب التونسي الصعب في مواجھة النظام الذي اعتبره كاتب الأغنیة نظاما بولیسیا قائماعلى التمییز بین الأمني والمواطن.
ھذه الأغاني وصلت إلى قبة البرلمان السابق، لتكون مداخلة النائب یاسین العیاري مقطعا من أغنیة ”یا حیاتنا“ لمجموعة ”افریكان وینرز“ التي انتقدت الوضع العام في تونس، جالبة اهتمام بعض السياسيّين بخطاب الألتراس المعارض.
الألتراس في الجنوب التونسي، لا حدود جغرافية للفكرة
بعد سنوات من ظهور الألتراس في تونس شهدت الحركية إنتشارا واسعا في العاصمة تونس بإعتبارها المكان الذي نشأت فيه ومن ثم بقيّة المدن الكبرى على غرار سوسة وصفاقس و بنزرت. لتتحوّل فيما بعد إلى ظاهرة لا تعترف بالحدود الجغرافية، بظهور مجموعات مساندة لفرق تنشط في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أو فروع مجموعات مساندة لفرق العاصمة في الولايات الأخرى.
لكنّ نشاط الالتراس في هذه الفروع يختلف نوعا ما عن واقع بقيّة رفاقهم في المركز. في هذا السايق، یقول ص.ب، أحد أعضاء مجموعات الألتراس المتواجدة في منطقة الصخیرة التابعة لولایة صفاقس أنّ ظھور الحركیّة في الجنوب التونسي بدأ تقریبا منذ سنة 2008. وقد تعزّزت ھذه الثقافة بعد سنة 2011 رغم عدم فھم جزء من المواطنین لھذا الحراك الذي انتشر بین شباب الجهة ورسّخ لديهم ثقافة الالتراس.
يضيف محدثنا أنّه دخل ھذا العالم طواعیّة بعد أن تعرّف على المجموعات التي تنشط في العاصمة عن طریق ما یشاھده عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف المحامل الأخرى. لیقرّر أن یتحوّل من مشجّع عاديّ لنادیه إلى عضو بأحد ھذه المجموعات، وهو الأمر الذي بقي متوارثا بین مختلف الأجیال إلى حدّ الآن.
یروي ص.ب لنواة أول تجاربه في عالم الألتراس في سن السادسة عشر، أین ألقت مجموعة من المواطنین القبض علیه واقتادته إلى مركز الحرس الوطني بسبب كتابته لبعض العبارات على الجدران (TAG)، الأمر الذي لم یكن معتادا لدى تلك الشريحة العمريّة من الكهول.
”نمضي 8 ساعات ذھابا ومثلها إیابا في القطار ونتعرّض للإیقاف من أجل مشاھدة مباراة في ملعب رادس“. يوضّح محدّثنا الشاب طبيعة علاقته كفرد ألتراس بالبولیس في منطقته، قائلا: ”ھناك حالة من القطیعة وعدم التواصل بيننا، إلا أن الالتحام معھم یكون منذ اللحظات الأولى للتنقّل. حیث یجتمع العشرات من الشبّان في القطار من مناطق متعدّدة مثل قابس وقبلي والصخیرة للانطلاق في رحلة تدوم ساعات ليلا نحو العاصمة. إلاّ أنّھم یتعرّضون للإیقاف عند الوصول إلى صفاقس و یبیتون ھناك في مراكز الأمن لیتمّ إطلاق سراحھم في الصباح ومن ثمّ اقتيادهم للبحث عن قطار جدید یقلّھم مجانا بعد أن تخصّص لھم عربات منفردة بعیدا عن باقي المسافرین“.
رحلة فرد الألتراس من المناطق البعیدة عن العاصمة لا تنتھي بمجرد وصوله إلى الملاعب. حیث يتعرّض إلى نفس ما يعيشه شباب العاصمة إضافة إلى حالة من التمییز والأسئلة الكثیرة حول سبب قدومه مئات الكیلومترات من مدن وولایات الجنوب التونسي، وفق ما یؤكده الشاب.
”الألتراس والنظام.. خطّان لا یلتقیان“
یُجمع عدد من الحقوقیین والسیاسیین أنّ تونس تعیش مناخا من التضییق وتشدید الخناق من قبل السلطة على الأصوات المعارضة لسیاسة الرئیس قیس سعیّد والنظام منذ تاریخ 25 جویلیة 2021. يتجلّى هذا عبر الملاحقات القضائیة ضد معارضیه واعتماد سیاسة تكمیم الأفواه، إضافة إلى إتھام سعیّد وحكومته بالسعي إلى قتل جمیع الأجسام الوسیطة من منظمات وأحزاب وجمعیّات أو أي مجموعة أخرى قد تمثل خطرا على سلطته.
الألتراس التي لا تخضع لرقابة الدولة أو تأشیرة قانونیة قد تمثّل عائقا وجبھة معارضة شرسة أمام الأنظمة. حیث أنّ ھذه الجماعات وخاصة في تونس تتبنّى فكرة معارضة النظام السیاسي القائم وإعتبار ”كلّ رجال الشرطة أوغادا“ عبر شعارھا الأساسي (ACAB) والذي ترفعه منذ تأسیسھا إضافة إلى سیاسة ”كره الجمیع“ (ODIO TUTTI) ما عدى الموالین لھا في المدرج والملعب.
منذ إقرار إجراءات 25 جویلیة 2021 من قبل رئیس الجمھوریة قیس سعید، عرف الشارع التونسي انخفاضا في حالات الصدام العنيفة مع قوات الأمن خاصة في الأحیاء الشعبیة للعاصمة أو المناطق الداخلیة التي كانت خلال العشریة الفارطة تشهد من وقت إلى آخر مواجھات في حي التضامن وسیدي حسین في العاصمة و عدد من الولايات الداخلية على غرار القصرين وسليانة. إلاّ أنّ الأمر كان مختلفا نوعا ما في المدارج، فلم يغب صراع الجماھیر وقوّات الأمن عن المشھد منذ وضع سعيّد يده على الحكم.
تُظهر التجارب السابقة في عدد من الدول، اعتماد الأنظمة سياسة تجریم الألتراس ومنع ظھورھا. الأمر الذي ذھب فیه نظام عبد الفتّاح السیسي في مصر بعيدا عبر إقرار روابط الألتراس جماعات إرھابیة خارجة عن القانون. بل وشنّ حملة اعتقالات واسعة ضد أعضائھا وقیاداتھا خاصة في المجموعتین الأكثر انتشاراً وشعبیّة في مصر وهما ”ألتراس أھلاوي“ و”ألتراس وایت نایتس“. حيث تحوّلت إلى شكل جدید من أشكال المعارضة السیاسیّة ضدّ حكم السیسي.
رغم عدم وجود قرار قضائي أو حكومي واضح في ھذا الشأن في تونس، إلاّ أنّ السلطات تتعامل مع ھذا الملّف بمنطق الردع والتجریم، وھو ما یؤكّده عدد من أعضاء مجموعات الفیراج الذین یعتبرون أنّ معاملة البولیس لھم في الملاعب تقوم على الكره والقمع. ممارسات تدفعھم نحو ردّ الفعل بطریقة عنیفة یدرجونھا في خانة ”المقاومة“ التي فُرضت علیھم في صراع البقاء مع السلطة مهما كان لونها السياسي.
iThere are no comments
Add yours