أيام انتحر فيها العقل والمنطق، حولت الوطنية إلى شوفينية مقيتة يعتمدها الجنون المستشري لطحن كل من يتجرأ على قول لا. إيقافات وتتبعات وأبحاث لم تتوقف في حق محامين وصحفيين وسياسيين وعشرات النشطاء من المجتمع المدني، ورئيس معصوم من الخطأ يهين مريديه قبل معارضيه بخطاباته المتشنجة التي تنهل من مستنقع نظريات المؤامرة.

 وكما التقط البوليس لحظة 25 جويلية على أنها نهاية الازعاج الديمقراطي، استجاب لتحريض الرئيس المتواصل على خصومه السياسيين بإهانة قطاع المحاماة وتسليط تعذيب وحشي على المحامي مهدي زقروبة أسقط آخر ورقات التوت التي عبثا عملت على إخفاء عورات السلطة. سلطة لم تتعظ من دروس الماضي البعيد والقريب انخرطت بوزرائها وادارتها وأجهزتها في محاولة يائسة لإطباق غطاء الصمت والرعب على كل نفس حر أو شبهه، سلاحها في ذلك ترسانة القوانين والمراسيم القروسطية المنحى التي حولت أصحاب الرأي إلى مساجين محتملين.

كل هذا والبلاد من المفترض أن تكون مقبلة على انتخابات لم يفصح بعد عن موعدها. فأي تنافس وأي مصداقية لانتخابات تكاد السجون تعوض صناديق اقتراعها، أي معنى لمشهد إعلامي جمدت فيه “الهايكا” وانتصبت بدلها النيابة العمومية محللة للمضامين قارئة بين السطور مفتشة في النوايا والضمائر وأي مصداقية بقيت لسلطة حولت البلاد إلى مصيدة للمهاجرين كل همها ابعادهم عن السواحل خدمة لأجندة الحكم في إيطاليا.

وإن كنا نتفهم صدمة العديد من النشطاء وعدم تمرسهم على مقاومة الاستبداد والرداءة المستشريين، فالنواة مازالت صلبة أبدا لن تخاف ولن تزجع. نواة القضاء ونواة المحاماة ونواة المعارضة ونواة الصحافة الجادة ونواة المجتمع الذي أبدا لن يركع، أبدا لن ينبطح وإن دفعكم غيكم وجنونكم إلى سجن البلاد بأكملها وتأجيج الأحقاد العنصرية التي لم يسلم منها الأموات قبل الاحياء.