منذ ماي الماضي، تقبع إيمان الورداني، نائبة رئيس بلدية سوسة الأسبق، في السجن المدني بمنوبة، بتهم تتعارض مع المؤيدات التي قدمها دفاعها والتي تثبت خلو ملفها مما يبرر إيقافها وسجنها.
كانت إيمان ضحية ملاحقات لمنظمات ساعدت أو دافعت بشكل علني عن المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء، وهي في الواقع لم تكن الضحية الوحيدة التي جرّتها أبحاث قضائية ضمن موجة شيطنة رسمية لجمعيات ومنظمات تعمل في مجال الهجرة.
في ماي 2024، تلقت إيمان الورداني استدعاء من أجل المثول يوم 10 ماي أمام فرقة للحرس الوطني بالعوينة، وأصدر وكيل الجمهورية أمرا بإيقافها يومها. تقول دلندة الدوس والدة إيمان في تصريح لنواة ”تلقت ابنتي استدعاء للمثول أمام فرقة الحرس الوطني بالعوينة وكان تاريخ مثولها هو موعد سفري المفترض من أجل الحجّ لكنني ألغيت رحلتي على أمل تعويضها بعمرة في شهر رجب الحالي على أمل إغلاق ملف التحقيق مع إيمان لكن يبدو أنه لن يُقدّر لي الذهاب لأن ابنتي ما تزال محتجزة“.
اعمل خيرا تلقى شرا
أفضى التحقيق مع مسؤولين في منظمة أرض اللجوء فرع تونس، بما في ذلك مديرتها السابقة شريفة الرياحي، إلى إيقاف إيمان الورداني ورئيس البلدية الأسبق محمد إقبال خالد، تواجه إيمان تهما متنوعة مثل تبييض الأموال والتدليس وتكوين وفاق من أجل دخول أجانب واستغلال الوظيف، وتأتي تلك التهم بسبب شراكة بين بلدية سوسة ومنظمة أرض اللجوء فرع تونس.
يقول تقرير للمنظمة بتاريخ 2022، إنه في العام 2020، بدأت المنظمة أنشطتها المتنقلة في المناطق التي لا تغطيها مكاتبها، وذلك بالتزامن مع انتشار جائحة كوفيد 19، وفي العام 2022، تم إنشاء مكتب لها في سوسة بعد اتفاق بين المنظمة والبلدية التي مكنتها من مكتب هناك. تستضيف سوسة رابع أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في تونس، في المقابل، لا توجد إجراءات واضحة للحصول على تصاريح الإقامة أو العمل، حتى بالنسبة للاجئين الذين حصلوا على بطاقة لاجئ، حسب تقرير بعنوان ”المدينة المضيفة ومدينة العبور: سبل العيش ومشروع الهجرة للاجئين والمهاجرين في سوسة، تونس“، ويضيف التقرير أن ”كبار السن والنساء على وجه الخصوص، يواجهون صعوبة بالغة في تجديد وثائق طلب اللجوء بسبب عدم وجود مكتب للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوسة“.
تقول دلندة الدوس والدة إيمان الورداني ”عملت ابنتي بإنسانية في ملف المهاجرين ولا أعلم لماذا يتواصل إيقافها رغم خلو ملفها مما يعلل التهم الموجهة لها، كانت إيمان، رئيسة لجنة تكافؤ الفرص في البلدية، إضافة إلى منصبها كنائب رئيس للبلدية، وحين تقدمت منظمة أرض اللجوء بتونس بطلب ليكون لها مكتب في البلدية، حيث اعتادت البلدية تمكين جمعيات مثل جمعية i love sousse من مكتب داخلها للعمل فيه، درست إيمان طلب المنظمة التي سبق أن تعاملت معها البلدية خلال جائحة كوفيد، وأحالته إلى المجلس البلدي من أجل المصادقة أو الرفض، فأحال المجلس البلدي، بدوره، الطلب إلى وزارة الخارجية لأن المنظمة فرع لمنظمة أجنبية قبل أن يصادق عليه المجلس بشرط أن يشمل نشاط المنظمة في سوسة الفئات المهمشة من التونسيين، وكان ذلك في أواخر العام 2022، قبل حل المجالس البلدية سنة 2023“.
بعد موجة حادة من شيطنة منظمات المجتمع المدني دامت أياما قليلة، وعصفت بعدد من النشطاء العاملين في مجال الهجرة، تم استدعاء إيمان الورداني ورئيس بلدية سوسة الأسبق محمد إقبال خالد وبقية أعضاء المجلس البلدي من أجل التحقيق بخصوص شراكة البلدية مع منظمة أرض اللجوء، وتم الاحتفاظ بإيمان ومحمد إقبال خالد. تقول دلندة الدوس والدة إيمان ”ابنتي واثقة من براءتها ولم تتوقع أن تنسب لها تهم ثقيلة مثل تبييض الأموال أو تكوين وفاق، فأثناء التحقيق مددنا القاضي بكشوفاتها البنكية التي تثبت أنه لا توجد أية تحويلات مشبوهة. استغرب هل أن شخصا مثل إيمان والتي تملك شهادة في الدكتوراه في البيولوجيا يمكن أن تمثل خطرا على المجتمع إذا تم التحقيق معها وهي في حالة سراح؟ هل تستحق إيمان أن تُحرم من حريتها وأن تدفع ثمن أشهر من الإيقاف بفقدانها وظيفتها؟ ابنتي كانت صامدة لأنها مؤمنة ببراءتها من التهم الموجهة لها وهذا ما لمسته خلال زياراتي الأسبوعية لها في سجن منوبة، لكنها الآن منهارة بعد أن طال اعتقالها دون سبب لأن دفاعها قدم ما يثبت براءتها من تلك التهم“.
تهم جاهزة
يوم 6 ماي 2024، نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية خطاب الرئيس قيس سعيد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، وكان ذلك الخطاب الطويل ذو اللهجة الحادة مثل طلقة انطلاق ماراطون ملاحقة الناشطين في مجال الهجرة، حيث قال سعيد حرفيا إن:
الأموال تتدفق لمن يدعي زورا وبهتانا أنه يحمي هؤلاء(المهاجرين)، هذه الجمعيات التي تتباكى وتذرف الدموع في وسائل الإعلام تتلقى بدورها أموالا طائلة من الخارج وأن من يقومون على هذه الجمعيات أكثرهم خونة وعملاء وعلى هيئة التحاليل المالية أن تقوم بدورها ولا مجال لجمعيات يمكن أن تحل محل الدولة.
الرئيس قيس سعيد
أعقب ذلك الخطاب الذي اتهم الجمعيات والعاملين فيها المدافعين عن حقوق المهاجرين بالعمالة والخيانة، حملات اعتقال بدأت بعد أقل من يوم من خطاب سعيد، حيث تم إيقاف مصطفى جمالي، رئيس المجلس التونسي للاجئين، وعبد الرازق كريمي، مدير مشروع بالمجلس نفسه، ووجهت لهما تهم تكوين وفاق قصد مساعدة شخص على دخول التراب التونسي، على خلفية تداول صفحات على موقع فيسبوك نسخة من إعلان طلب عروض نشره المجلس في إحدى الصحف من أجل كراء وكالة (نزل) لإيواء اللاجئين، وكان سعيد قد أشار بحنق في خطابه إلى المجلس التونسي للاجئين. تتالت الاعتقالات التي شملت شريفة الرياحي ومسؤولين آخرين بمنظمة أرض اللجوء تونس، بتهمة تبييض الأموال، ليتم بعد يومين من إيقافها، الاحتفاظ بإيمان الورداني نائبة رئيس بلدية سوسة السابق بسبب شراكة بلدية سوسة مع منظمة أرض اللجوء تونس.
يتشارك أغلب المعتقلين المنتمين لمنظمات أو نشطاء عاملين في مجال إسناد المهاجرين غير النظاميين التهم نفسها وهي تكوين وفاق من أجل مساعدة شخص على دخول التراب التونسي، والتي وجهت لشريفة الرياحي وإيمان الورداني وسعدية مصباح، وتهمة تبييض الأموال. يقول المحامي أنس الكدوسي في تصريح لنواة ”العديد من المسؤولين في منظمات المجتمع المدني تتم إحالتهم على التّحقيق من أجل ارتكاب غسيل الأموال بالرّغم من إثباتهم لمصادر تمويل الجمعيات ومرور ذلك بالمسالك القانونيّة، حيث من المعلوم أن المؤسّسات البنكية والبريدية لا تقوم بتمكين المنظّمات من التصرف في الأموال المحوّلة إلى حساباتها إلّا بعد الاستظهار بعديد الوثائق المطلوبة مثل عقد التّمويل ووثائق المنظّمة وبعد التثبّت من مصدر الأموال وعدم وجود الجهات المانحة في قوائم حظر.
يجب التّذكير بأن جريمة تبييض الأموال تفترض فساد مصدر الأموال أي أنها متأتية من ارتكاب جريمة، ثمّ إخفاء أو تمويه مصدر العائدات التي تم الحصول عليها بطريقة غير قانونيّة، بحيث يبدو أنها تأتّت من مصادر مشروعة. ولفتح بحث تحقيقي من أجل ارتكاب هذه الجريمة، ينبغي أن تكون هناك شبهات قويّة تطبيقا لمبدأ قرينة البراءة، وفي صورة فتح بحث تحقيقي ينبغي أن يكون الإيقاف التّحفظي استثنائيّا جدّا أي أن تكون هنالك ضرورة لذلك وأن تكون بقيّة التدابير الاحترازيّة مثل المنع من السّفر غير كافية لضمان حسن سير الأبحاث لأنّ الأصل هو الحرّية وبقاء المظنون فيهم أو ذوي الشّبهة في حالة سراح“.
تزامنا مع اليوم العالمي للمهاجرين والمهاجرات نظم الأربعاء 18 ديسمبر عدد من النشطاء وعائلات المفقودين في إيطاليا وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بالعاصمة، المحتجات والمحتجون عبروا عن رفض سياسات الدولة في ملف الهجرة وما خلفته من مآسي، مطالبين بانهاء سجن نشطاء وناشطات الهجرة في تونس.
يجمع أغلب المطلعين على ملفات المعتقلين بشبهة تبييض الأموال الذين نشطوا في مجال الدفاع عن المهاجرين، أن حجج تبييض الأموال غائبة تماما وأن تواصل اعتقالهم غير مفهوم. يقول أحد المحامين المطلعين على بعض هذه الملفات، لنواة، والذي تحفظ عن ذكر اسمه إنه هناك توجه قضائي تسير في نهجه وزارة العدل، وهو التشبث بالتهم المنسوبة لهؤلاء بغض النظر عن نتيجة التحقيق، ويضيف ”بالنسبة لملفات الجمعيات هناك تهم جاهزة تتعلق بتبييض الأموال ومخالفة قوانين الصرف والإثراء غير المشروع وهي تهم جاهزة موجودة في أكثر من ملف وفي أكثر من محكمة، تعهدت بأحد الملفات بالرغم من غياب اي دليل أو شبهة تثير الشك بخصوص تبييض الأموال أو في مخالفة قوانين الصرف. هذه التهم الجاهزة تنحى بهذه الملفات نحو الصبغة الجنائية وتتيح سجن الأشخاص الذين يتم التحقيق معهم. هذه التهم تستلزم اختبارات وهو حسب القضاة تبرير لإبقاء الموقوفين في الايقاف التحفظي رغم أنه حتى وإن توفرت شبهات تبييض الأموال فإن إجراء الإيقاف التحفظي ليس إلا آخر الخيارات. في أكثر من ملف توجه القضاة إلى إصدار قرار بالاحتفاظ رغم أن نتيجة التحقيق لا تقدم أي دليل أو شبهة غسيل الأموال وهو أمر مقلق. في ظل هذا الوضع يظهر الفراغ الذي تركته هياكل المحاماة لوضع حد لضرب العدالة. عموما في حالات وجود انتهاكات للحقوق والحريات في تونس وانتهاك الحق في تكوين الجمعيات والتظاهر السلمي وغيره من الحقوق، فإنه من المفروض أن يكون للمحاماة ممثلة في الهيئة موقف في إطار ممارستها لدورها الوطني، فالمحاماة ليست مهنة للارتزاق، بل هي مهنة تدافع عن الحقوق والحريات سواء بمناسبة نيابة المحامين في ملفاتهم أو على مستوى الهياكل التي من المفترض أن تهتم بالوضع الحقوقي في البلاد وهذا للأسف غير موجود فهناك استقالة للهيئة الوطنية للمحامين استقالة عميد المحامين من إبداء مواقف صارمة من الانتهاكات في تونس“.
منذ منتصف العام الماضي، تتقاسم عائلات الموقوفين على خلفية عملهم في مجال الدفاع عن المهاجرين، الدوامة نفسها من الأسئلة المتكررة وهي لماذا لم يتم إطلاق سراح أبنائها رغم خلو الملفات من حجج تثبّت جدية التهم؟ أما المحامون الذين ينوبون الموقوفات والموقوفين فيتخبطون في الدوامة ذاتها رغم معرفتهم المسبقة بالإجابة وهي أن القول ما قاله الرئيس الذي سبق أن اتهم الجمعيات بالخيانة وبالعمالة كما هدد سابقا القضاة في سياق آخر بأن من يفرج عن المتآمرين فهو شريك لهم.
iThere are no comments
Add yours