Chiboub-jourchi

في مواجهة صلاح الدين الجورشي الذّي كان متردّدا ومتعاطفا، بدا سليم شيبوب مترفّعا خلال الحصّة الأخيرة من ”ضيف التاسعة“ التّي تمّ بثّها يوم الجمعة 20 ماي الجاري. بأسلوب خادع ومجزي، تمّ تقديم صهر بن علي خلال الحوار ”كرجل سياسة“. بإدارة ظهره للوقائع، أسهب الجورشي في الإثارة.

”غير عادي“، كانت الصفة التي اختارها المضيف لتقديم ضيفه في بداية الحصّة. ”شخصية تثير الجدل“، يضيف الجورجي الذّي يستطرد قائلا: ”جزء من تجربته تعود إلى ارتباطه بالنظام القديم“، ليشدّد في ما بعد أن ضيفه ”هو أيضا سياسي، رياضي ورجل الأعمال شغل العديد من المناصب المهمة في تاريخ بلدنا“. وسط هذا الديكور الهجين على غرار الائتلاف الحاكم، وفي خليط بين الإثني والعتيق والمستعمل، كان صلاح الدين الجورشي مهادنا شانه شان الأحزاب الحاكمة، محاولا اختصار الطريق نحو المصالحة، على حساب الصراع الذي تخوضه عدة مكونات سياسية ومدنية ضد إفلات المتورّطين من العقاب.

الخلط والإثارة

سوف نتحدث معه بصراحة. (…) ثمّ سنحكم.

بهذه العبارة ختم الجورشي مقدّمته، وهو يقع في خلط رهيب بين وظيفته كصحفي ووظيفة القضاء. موقف أظهر بوضوح تعاطف هذا الأخير مع محاوره، قبل أن ينغمس المضيف بسرعة في الإثارة.

يبادر المحاور ضيفه قائلا ”خلال سنة وأربع شهور من الايقاف، وهي فترة ليست بالهيّنة، هل فكّرتم في أولئك الذين أمضوا سنوات طويلة في سجون بن علي؟“. بعد حوالي 15 دقيقة من بدء الحوار، يثير الجورشي الترتيبات المطروحة على الساحة السياسية كبدائل للعدالة الانتقالية، كمدخل لمحاورة شيبوب. ”ألم يكن ممكنا أن تسلك طريقا آخر؟“ يسأل المضيف ليجيبه صهر بن علي قائلا: ”أي طريق تقصد؟“. يسترسل المحاور الذي كان خصما للنظام من التيار الإسلامي، مترددا ومتعثرا قائلا: ”اقترح الباجي قائد السبسي مشروعا للعدالة … أو دعنا نقل نوعا من المصالحة الاقتصادية. كان من الممكن أن يتدخّل أحد المسؤولين لحل المسالة بعيدا عن الملاحقة القضائية. وهل تعتقد أن العدالة الانتقالية هي رهان سياسي في البلاد؟“

السفاسف بدلا عن الحقائق

خلال ساعة وثمان وعشرون دقيقة، لم يتطرّق الجورشي إلى أي من ملفّات الفساد التي تورّط فيها شيبوب. ولم ينبس هذا الأخير ببنت شفة حول الشقة الباريسيّة الكائنة في شارع ”كليبر“، التّي اقتناها أمير دولة قطر بقيمة مليون ومائتي ألف اورو ليقدّمها هديّة لسليم شيبوب في إطار المشروع العقاري في قمرت. هذه المعلومة جاءت من مصدر كان موثوقا بما يكفي لتكون القضيّة جديرة بالاهتمام، حيث تناولها عمل الصحفيّين الفرنسيّين Lénaïg Bredoux و Mathieu Magnaudeix تحت عنوان Tunis Connection، تحقيق حول الشبكات التونسية الفرنسية في عهد بن علي والذّي نُشر في أواسط سنة 2012. قضيّة ألستوم هي الأخرى سقطت من ذاكرة صلاح الدين الجورشي، على الرغم من كشف المدعي العام السويسري أن إحدى الشركات التابعة لهذه المجموعة الصناعية الفرنسية وقعت في نهاية عام 1990 عقودا مع الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وقد لعب شيبوب حينها أدوارا شابها ”الفساد“.

فضّل الجورشي خلال حواره، أن يفرط في أخذ مسافة من الضيف، متجاهلا المراجع الواضحة وذات المصداقيّة، ليسقط في نهاية المطاف في الإسفاف. ”كثير من الناس ينظرون إليك كجزء من النظام القديم، أو دعنا نقل المنظوم“، ”هناك من يقول أن سليم شيبوب استغل منصبه في الرياضة لتعزيز موقفه السياسي“ أو سؤال آخر من قبيل: ”أهالي باجة ذكروني بأعمال العنف وحقيقة أنهم اضطروا لدفن موتاهم في السر.“ أمثلة عن أسئلة الجورشي لصهر بن علي الذّي لم يجد عناء يُذكر لدحضها او الإجابة عنها. فهذا الأخير لم يواجه سوى ”أناس“ مجهولين بلا لون او رائحة.

تكرار الأسئلة التي استهلها المضيف بعبارات على غرار ”هل تظنّ“ و ”هل تعتقد أن“ ساهمت في طمأنة المستجوَب. بل استغرق شيبوب في ”التحليلات السياسيّة“ كشاهد تاريخيّ. وهكذا، حجب الجورشي الاتهامات الخطيرة بالفساد والانتماء إلى معسكر حكم واحتكر الساحة السياسيّة بالمقدّرات الاقتصاديّة للبلاد. ”إذا اتضح أنّني ارتكبت بالفعل تجاوزات، فأنا أعتذر مقدّما“، هكذا ببساطة صرّح شيبوب خلال تلك الحصّة. قبلها بأيّام، كان ”الرجل المتنفّذ“ في كرة القدم التونسيّة قد قدّم اعتذارا مكتوبا في الخامس من ماي الجاري خلال التوقيع على اتفاق التحكيم والمصالحة مع هيئة الحقيقة والكرامة.