بسم الله الرحمن الرحيم

عبد الحميد الحمدي ـ الدنمارك

إلى الأستاذ أحمد نجيب الشابي المحترم:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

قرأت مقالتيك عن مساعي المصالحة الوطنية وعما كتبه بشأنك الأستاذ عمر المستيري، وعندي لك سؤال أساسي يهم الطبقة السياسية بأسرها وبلادنا بشكل عام وآخر فرعي سأعرضه بعد قليل.

السؤال: فهمت من مقالتك عن المصالحة الوطنية أنك تدعو الإسلاميين لتعزيز تلاحمهم مع صفاء للمعارضة الوطنية الأخرى لفرض ميزان قوى جديد في الساحة السياسية والحصول على تنازلات حقيقية من السلطة القائمة. هذا الكلام يبدو في ظاهره منطقيا وقد يكون هو النهج الأفضل الذي يخدم مصالح الإسلاميين وبقية المعارضين عامة. لكن، هل يمكن أن تفسر لي إذا: لماذا رفضت دائما ورفض حزبك أن يوقع أي بيان مشترك مع حركة النهضة؟ ولماذا رفضت دائما ورفض حزبك الدخول رسميا في أي مبادرة سياسية مشتركة مع الإسلاميين؟

انظر إلى حركة كفاية في مصر كيف ضمت الإخوان المسلمين والأقباط والناصريين والاشتراكيين الثوريين، وكذلك فعل السوريون والمغاربة قبلهم والجزائريون. من أجل الحقيقة، واحتراما للشعب، بين لنا لماذا، رغم كل كلامك المعسول للشيخ راشد الغنوشي رفضت دائما أن تعمل معه في أي مبادرة سياسية مشتركة؟ لو فعلت هذا مرة واحدة لقبلنا ما جاء في مقالتك عن المصالحة قبولا تاما غير مشروط. لكن إعراضك المتعمد عن العمل المشترك مع الإسلاميين قد يدفع البعض لأن يرى فيك واحدا من الساسة المهرة الذين لا يمانعون أن يدفع الإسلاميون لوحدهم ضريبة النضال الديمقراطي، أو أن يدفعوا الضريبة الأكثر إيلاما، لأني أعرف أنك أنت أيضا تتعرض للأذى
والمضايقة. لكن يا أخي الأستاذ أحمد: فرق شاسع بين منع الإشهار العمومي عن صحيفتك الموقف وبين ما يعانيه أخونا الأستاذ حمادي الجبالي ومئات من أصدقائه منذ خمسة عشر عاما سجنا! فك الله أسرهم.

لسان حالكم يا أستاذ أحمد، عند كثير من الإسلاميين هو، ادفعوا الضريبة الكبرى أنتم أيها الإسلاميون لحساب المعارضين الذين يسمون أنفسهم بالديمقراطيين وهم يرفضون توقيع بيان واحد مع هؤلاء الضحايا المظلومين
بشهادتك وشهادة كل الديمقراطيين. إنني لا أجرح في شخصك وأكن لك ولتاريخك النضالي فائق الاحترام، لكنني ألمس في سلوكك السياسي الرافض لتوقيع بيان واحد مع الإسلاميين، أجد فيه ريح الإقصاء المبطن ودلائل
نهج الاستئصال المعروف.

إذا ربطت بين سلوكك هذا وتأييدك مع حزبك لترشيح الرئيس بن علي عام 1994، فإنني، أتهمك، بكل احترام وتقدير لشخصك أنك إقصائي واستئصالي في الأصل، مثل أكثر اليساريين التونسيين ولكنك أكثر براعة ولباقة ولطفا من
الاستئصاليي نالتونسيين الآخرين أرجو أن أكون مخطئا، ولكنني إذا نظرت إلى الأعمال وليس فقط إلى الأقوال أجد الكثير مما يبرر طرح هذا السؤال عليك.

أنت محام بارع وتستطيع الدفاع عن نفسك والأمر، أمر يهم الوطن كله، وأنا أقول لك بكل صراحة: لن تزول عنك شبهة الميل إلى تيار الإقصاء والاستئصال طالما بقيت ملتزما بنهج الامتناع عن توقيع بيان واحد مشترك مع التيار الإسلامي، الذي هو بشهادة الجميع أكبر تيارات المعارضة التونسية. وليكن الله في عون تونس التي لا يستطيع يساريوها وإسلاميوها أن يوقعوا بيانا واحدا مشتركا من أجل الحرية لهم ولشعبهم.

أتوقع أنك ستتجاهل هذه الرسالة لأن مشاغلك كثيرة كما أعلم، ولعل واحدا مثلي من تونسيين كثيرين لا يهمك أن تجيب عن تساؤلاتهم، لكن إذا فاجأتني وأجبت بصراحة ووضوح، فسيكون ذلك من باب المفاجآت الطيبة السارة. وأطلب من إخواني الإسلاميين واليساريين عامة أن يتكرموا بالإجابة عن هذا السؤال إذا تجاهله الأستاذ أحمد نجيب الشابي. وكان عندي سؤال فرعي أشرت له في المقدمة ولكن أرى الآن أن من الأفضل إرجاء طرحه إلى مناسبة أخرى.

هداني الله وإياك إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.