نظّمت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات يوم الخميس 10 أوت ملتقى إعلاميا لعرض إحصائيات التسجيل للانتخابات البلدية وتناوُل استعدادات الهيئة للمراحل القادمة في روزنامة الانتخابات. غير أنّ بعض الأحزاب السياسية الحاضرة –من الحكم والمعارضة- خلال الملتقى استغلّت الفرصة للتذكير برغبتها في تأجيل الانتخابات مُتعلّلة بضعف إقبال المواطنين على مكاتب التسجيل. ويكشف هذا التململ في صفوف السياسيين عن حساسية الرهان الانتخابي البلدي على المستوى الكمي من حيث عدد الدوائر الانتخابية الذي يبلغ 350 دائرة، وعلى المستوى الكيفي من زاوية الشروط التي تضمّنها القانون الانتخابي حول تركيبة القائمات، إضافة إلى إعداد البرامج الانتخابية وصعوبة إدارة الحملات على المستوى المحلّي.

الأحزاب ورهان الاستيفاء للشروط القانونية

من إجمالي 200 حزب سياسي في البلاد، فإنّ قلّة منها ستفي بالشروط التي وضعها القانون الانتخابي لتقديم الترشّحات وإعداد القائمات، بالإضافة إلى شرطية التمويل اللاحق للحملة الانتخابية والذي تمّ ربطه بعتبة انتخابية تبلغ 3 بالمائة. ومع اقتراب موعد تقديم الترشّحات في 19 سبتمبر المقبل، لن تتمكن الأحزاب السياسية حتى الكبرى منها وذات القواعد المحليّة على غرار حركة النهضة في استيفاء كافّة الشروط الخاصّة بتركيبة القائمات، مما يدفعها للجوء إلى حلول استثنائية لدعم حظوظها كفتح باب المشاركة أمام المستقّلين.

هذا وينصّ القانون الانتخابي بعد تنقيحه على جملة من الشروط تتمثّل في: ضمان تمثيلية الشباب في الانتخابات البلدية القادمة (الفصل 49 عاشرا)، وضمان كلّ من التناصف العمودي واحترام مبدأ التناوب داخل القائمة والتناصف الأفقي بالنسبة للأحزاب التي ستقدّم ترشّحها في أكثر من دائرة انتخابية (الفصل 49 تاسعا) مع عدم قبول القائمات التي لا تحترم هذه الشروط، ثمّ ضمان تمثيلية ذوي الإعاقة “أن تضمّ من بين العشرة الأوائل فيها مترشحة أو مترشحا ذا إعاقة جسدية وحاملا لبطاقة إعاقة” (الفصل 49 حادي عشر)، وتحديد عدد الأقرباء في القائمة الواحدة “لا يمكن لأكثر من شخصين تربط بينهما قرابة أصول أو فروع، إخوة أو أخوات أن يترشحوا في نفس القائمة الانتخابية” (الفصل 49 خامسا).

كما يبدو الرهان الحزبي على الشأن المحلي متقلصا بالمقارنة مع الرهان على الانتخابات التشريعية والرئاسية، ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى هيمنة التفكير المركزي في الممارسة السياسية التونسية، والذي ينظر إلى الحكم المحلي بوصفه امتدادا للمصالح التي تُعقد شبكاتها على مستوى المركز. وتتعارض هذه الرؤية مع مقتضيات السلطة المحليّة -كمشروع ينصّ عليه دستور جانفي 2014- والذي يقطع مع طبيعة العلاقة السابقة بين المواطن والبلدية، نحو تمكين الجماعات المحليّة من دور فاعل في تحسين مستوى الخدمات وإخضاع المجلس البلدي المُنتخب للمُساءلة والمراقبة.

من التعطيل إلى الانفتاح

كشف الملتقى الإعلامي للهيئة العليا المُستقلة للانتخابات –المشار إليه سابقا- عن انطباع سلبي لدى الأحزاب السياسية إزاء الاستحقاق الانتخابي، خصوصا بعد الكشف عن نتائج التسجيل التي أبرزت ضعف الاقبال الشبابي وتطور ضئيل للمشاركة النسائية. وتشكل هذه الشرائح محاور عمل بارزة في الدعاية الحزبية نظرا لثقلها الانتخابي والديمغرافي. هذا ويجدر التذكير بأنّ الأحزاب السياسية الممثّلة صلب مجلس نوّاب الشعب –خصوصا الأغلبية البرلمانية- لعبت دورا سلبيا على مسار اللامركزيّة، حيث مثّلت الحسابات السياسيّة الضيّقة والتوافقات الجانبيّة عاملا أساسيّا في تعطيل حسم سدّ الشغور في الهيئة المستقلّة للانتخابات وإتمام عملية المصادقة على مشروع مجلّة الجماعات المحليّة. من جهة أخرى، لم تنخرط الأحزاب السياسية الكبرى في عملية التوعية بالاستحقاق الانتخابي القادم أو الأخذ على محمل الجدّ أهمية إنجاح الديمقراطية المحليّة التي رصدت لها الدولة اعتمادات ضخمة من المال العمومي.

أمام الضغط الواقعي لاقتراب الموعد الانتخابي، سعت الأحزاب السياسية إلى البحث عن حلول من أجل مواجهة الشروط الجديدة التي تفرضها المعركة الانتخابية المحلية. ومن هذا المنطلق تأسست الخطابات الحزبية على منطق الانفتاح من خلال إطلاق الدعوات للمستقلين و”الكفاءات المحلية” للانضمام تحت يافطة القائمات الحزبية، وهو ما انعكس في البلاغ الأخير لمجلس شورى حركة النهضة المنعقد في 07 أوت 2017، الذي أشار إلى التزام الحركة بقرار “اعتماد نسبة 50 % من المستقلين ضمن قائمات الحزب”. وقد تكررت هذه الدعوى على لسان المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قايد السبسي، الذي أشار إلى أن قيادة الحزب مُنفتحة على “الطاقات الديمقراطية” الموجودة في الجهات. وتدل هذه الاستراتيجيات الحزبية على وعي الأغلبية البرلمانية بصعوبة الرهانات المحلية وتغيّر ديناميات التعبئة والحشد في الجهات والمحليات، وهو ما جعلها تبحث عن مُناصرين جدد لها من أجل تعطيل إمكانيات ترشّحهم في قائمات مستقلة أو انضمامهم إلى أحزاب منافسة.

من جهتها شرعت أحزاب المعارضة، الجبهة الشعبية والتيار الشعبي وحركة الشعب، في فتح مشاورات ثلاثية حول إمكانيات المشاركة الموحدة في قائمات ائتلافية في بعض الدوائر البلدية، وقد ورد في بلاغ صادر عن الأحزاب المذكورة يوم الجمعة 18 أوت 2017 أنها بصدد توحيد التصورات حول المسار الانتخابي المحلي على قاعدة “الالتزام بمحاربة الفساد وتكريس الديمقراطية المحلية وانجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية” مثلما جاء في البلاغ. ويأتي هذا التنسيق الحزبي كإجابة على اختلال موازين القوى لصالح الأحزاب الحاكمة التي تتفرد بإدارة القرار السياسي ورسم السياسات العامّة.