بعد استقالة كلّ من رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات شفيق صرصار ونائبه مراد بن مولى والقاضية العدلية لمياء الزرقوني منذ 9 ماي 2017، تكفّل مجلس نوّاب الشعب منذ 18 ماي 2017 بمهمة سدّ الشغور الحاصل في الهيئة، والانتهاء منها قبل نهاية السنة البرلمانية الثالثة وفي آجال زمنية بعيدة نسبيا عن الانتخابات البلدية المبرمجة في 17 ديسمبر 2017. شرع المجلس بعد فرز الترشّحات في الأصناف الثلاثة (قاض عدلي، قاض إداري وأستاذ جامعي) في التصويت على المترشّحين خلال الجلسة العامّة التّي انعقدت يوم السبت 29 جولية 2017. دورات التصويت لم تحسم عملية سدّ الشغور بشكل نهائيّ رغم أنّها تجاوزت الثلاث جولات بالنسبة لصنفي القضاة العدليين والإداريّين وذلك لعدم اكتمال النصاب وغياب إجماع بين مختلف الكتل النيابية داخل المجلس على المترشّح الواحد.

فاروق بوعسكر عن صنف قاض عدلي مثّل مفاجأة الجلسة، إذ استطاع أن يتحوز على 147 صوت خلال التصويت الثالث من إجمالي 162 نائبا حاضرا. ولكنّ هذه النتيجة كانت خاتمة سلسلة من اجتماعات التوافقات التي عقدتها الكتل النيابية بين جولات التصويت. إذ لم يستطع القاضي بوعسكر خلال جولة التصويت الأولى أن يحوز على أيّ صوت، مقابل حصول نظيره الشاذلي الصيادي على 143 صوت في المرّة الأولى و135 صوت في المرّة الثانية، ثمّ 3 أصوات في الجولة الأخيرة من جلسات التصويت. وقد رصدت جمعيّة البوصلة خلال مراقبتها الجلسة أنّ “صوتين إضافيين لم يقع احتسابهما في التصويت الثاني رغم عدم إلغاء أية ورقة أو وجود أية ورقات بيضاء”.

من جهة أخرى لم يفض التصويت على الصنف الثاني الخاصّ بالقضاة الإداريّين إلى نتيجة نهائيّة، إذ همّ نوّاب كتلة حركة نداء تونس بالمغادرة بعد فشل مرشّحهم في الحصول على الأغلبية المطلقة (145 صوت). ليختتم المجلس أعماله بحضور 138 نائبا لم يكونوا كافين لإكمال النصاب واستئناف عملية التصويت في الدور الثالث لتُرفع الجلسة ويتمّ تأجيل عمليّة سدّ الشغور إلى الدورة الاستثنائية للمجلس دون الإعلان عن موعد محدّد لها. حيثيّات هذه الجلسة أثارت جملة من التساؤلات حول دور النوّاب الذي لا يمس فقط من استقلالية الهيئة الدستورية، بل ويعطّل دورها صلب المسار الديمقراطي لصالح المحاصصات الحزبية والتوافقات السياسية.

هذا ويجدر التذكير بأنّ أزمة هيئة الانتخابات التي برزت للعلن منذ بداية ماي الفارط أزمة ذات طابع سياسي، وهو ما عبّر عنه أعضاء مجلس الهيئة المستقيلون بـ”عدم الحياد” صلب مجلسها والتشكيك في استقلاليتها من الداخل والتي حسب تعبير شفيق صرصار”تمسّ بالقيم وبالمبادئ التي تتأسّس عليها الديمقراطية”. ولئن اعتُبر النوّاب مسؤولين عن تعويض ثلث مجلس الهيئة في المرة الفارطة فإنّ المسؤولية تتجدّد وبأكثر جديّة أمام اقتراب الاستحقاق الانتخابي.