أمام هذا التعهد الذي تقدم به رئيس الحكومة حول مكافحة الفساد الذي اعتلى سلم أولوياته، لم ينتج عن مجلس نواب الشعب طيلة السنة البرلمانية الأخيرة سوى 3 قوانين فقط تتعلق بمكافحة الفساد وهي: القانون الأساسي عدد 2017/38 المتعلّق بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والقانون الأساسي عدد 2016/30 المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة، والقانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 والمؤرخ في 7 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين.

من الضروري الإشارة إلى أنه تم الطعن في القانونين الأولين (عدد 30 وعدد 38) لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وتم قبول الطعون بالنسبة لقانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي تقدم به 40 نائبا، شكلا وفي الأصل الدستوري. كما تم التمديد في آجال الطعن في قانون الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة والذي تقدم به 30 نائبا، وهذا يعني أن القانونين لم يدخلا بعد حيز النفاذ بالرغم من إصرار يوسف الشاهد على إعداد القوانين المناسبة لمكافحة الفساد في خطابه. وفي تصريح لموقع نواة، أشار حسن العماري، رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام إلى أن “تلك الطعون تعتبر طبيعية من قبل المعارضة ما دامت المحكمة الدستورية غير موجودة، فالطعن وارد دائما”.

تضارب الخطاب مع الواقع

استند رئيس الحكومة أثناء تعيينه بالأساس على كتلتين برلمانيتين للحصول على الثقة وهما كتلتي نداء تونس وحركة النهضة، وقد تحصل بفضلهما على الأغلبية النيابية. وكان من ضمن النقاط الخمسة التي جاءت في خطاب التنصيب يوم 3 أوت 2016 “إعلان الحرب على الفساد”، التي جاءت في المرتبة الثانية بعد نقطة “كسب الحرب على الإرهاب”.

مقارنة بالخطاب المُعلن لرئيس الحكومة لم تُسن إجراءات تشريعية في مستوى “الجرأة والصراحة” التي جاءت على لسان الشاهد. فقد ساهم نواب الأغلبية (النداء والنهضة) في تمرير مشاريع القوانين التي اقترحتها الحكومة (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقانون الأحكام المشتركة للهيئات الدستورية) والتي شهدت هنات دستورية دفعت نواب المعارضة إلى الطعن فيها، وهذا ما كشف تبعية النواب الكاملة للمسار الحكومي دون أن يكون لهم -كسلطة أصلية تشريعية- مبادرات تذكر سوى مبادرتين، هما: تنقيح القانون عدد 17 لسنة 1987 المتعلق بالتصريح على الشرف والذي تقدمت به كتلة النداء، والمقترح عدد 66 لسنة 2017 والمتعلق بتضارب المصالح، الذي تقدمت به كتلة حركة النهضة. ولم تمر تلك المقترحات إلى التصويت في الجلسة العامة.

هيئة مكافحة الفساد متضررة من التشريعات

قال شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “لقد صادق النواب يوم 19 جويلية 2017 على قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهو قانون غير دستوري”. وعبّر الطبيب عن رفضه كرئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقانون الإطاري المنظم للهيئة التي يترأسها، كما أعلن رفضه للقانون المشترك للهيئات الدستورية لأنه يضرب استقلالية تلك الهيئات. هذا ودعى شوقي الطبيب نواب المجلس إلى الطعن في القانون لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، وقد استجاب النواب لذلك.  وجاء في عريضة الطعن التي وقعها 40 نائبا أن القانون المذكور مخالفا لأحكام الفصلين 125 و130 من الدّستور في الفصلين 1 و32 منه، كما سجل النواب مخالفة الفصلين 43 و51 لأحكام الفصلين 125 و130 من الدّستور ومخالفة الفصول 1 و19 و32 و43 و45 و51 للفصلين 125 و130 من الدّستور.

حصيلة السنة البرلمانية الأخيرة في مجال الحرب على الفساد لم تكن مُطابقة للقوة الدعائية التي صاحبت تحركات حكومة يوسف الشاهد في إيقاف بعض رجال الأعمال والمهربين أو إحالة بعض الملفات للقضاء، إذ لم يتمكن نواب الشعب من إنتاج الترسانة القانونية المطلوبة للتمكن من القضاء على الفساد. بل إن التشريعات التي صادق عليها المجلس قد تعرضت للطعن لعدم تطابقها مع الدستور. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، إذ سعت الكتل النيابية الأغلبية في المجلس إلى تمرير قانون مناقض لفلسفة القضاء على الفساد وهو قانون المصالحة، الذي يُجيز العفو على متورطين في الفساد دون المرور بالسلطة القضائية.